TOP

جريدة المدى > عام > تبرير الموت درامياً.."منبر الموتى" نموذجاً

تبرير الموت درامياً.."منبر الموتى" نموذجاً

نشر في: 28 أغسطس, 2013: 10:01 م

(2 ـــ 2)ولأجل استكمال الصورة التبريرية للأحداث لم ينس مسلسل "الولادة من الخاصرة " في جزئه الثالث "منبر الموتى " ان يقدم رسالة غزل مباشرة يوجهها للجيش من خلال شخصية الضابط الوطني المقدم فايز (الفنان ماهر صليبي ) ، فالجيش هنا نجده وطنيا بامتياز ، يرفض

(2 ـــ 2)

ولأجل استكمال الصورة التبريرية للأحداث لم ينس مسلسل "الولادة من الخاصرة " في جزئه الثالث "منبر الموتى " ان يقدم رسالة غزل مباشرة يوجهها للجيش من خلال شخصية الضابط الوطني المقدم فايز (الفنان ماهر صليبي ) ، فالجيش هنا نجده وطنيا بامتياز ، يرفض منتسبوه اقتحام البيوت وتعنيف الناس ، ويتعارض مع سياسات رجال الأمن التي تدعو للمزيد من العنف ، وكأن رجال الامن تابعون لدولة ثانية والجيش لدول اخرى ، وليس مرتبطان بسياسات نظام حكم واحد يقوده حزب واحد . ان حجم التبريرات وتكرارها جاء منفرا ، وبشكل لا يتناسب مع ما ذكر بأن السلطات السورية اعتقلت الكاتب بسبب المسلسل ، خصوصا الابتذال في النقاشات السياسية التقريرية التي جاءت على لسان شخصيات بسيطة لا تملك  مقومات تلك اللغة السياسية ، ومنها الذي كان يجري على لسان ام المجند عزام (الفنانة سمر سامي ) وام المجند نوار (الممثلة مي سكاف) ، حيث حاول المسلسل ان يجعلهما صوتا لطرفي الصراع وانتهى المسلسل بصورتيهما تتقاسمان الشاشة .
 لم ينجح المسلسل بتوفير الاقناع الدرامي للكثير من الاحداث التي تناولها ، فشخصية جابر ( الفنان قصي الخولي) ومن خلال الجزء الاول والثاني كانت شخصية بسيطة ، متواضعة في وعيها السياسي ومداركها ، بحيث يسهل استغلالها من قبل الاخرين ، لكنه فجأة في الجزء الثالث يتحول الى قائد سياسي وقائد ثورة وانسان مفوه وذي حكمة متميزة . ولم توفر بعض الاحداث والمشاهد المفبركة منطقا مقنعا للمشاهدين ، فلا يعقل ان المجند عزام (الممثل سامر إسماعيل يذكره المشاهد في دور عمر الخطاب ) والمصاب بطلق ناري لا يتأثر بالنزف ، خصوصا انه معرض لاخطر انواع النزف وهو النزف الداخلي ، ونجده يبقى حيا لفترة اكثر من يوم من دون اسعافات ملحوظة ، بل وحتى بعد اكتشاف عدم موته لم نر اسعافا طبيا مقنعا، سوى مسح وجهه بقطع الشاش، لم نر ادوية او قناني مغذي او استخراج رصاصة . اضافة الى ان هذه الفوضى في رسم الشخصيات ، دفعت لظهور شخصيات جديدة غير مقنعة ، مثل شخصية الدكتورة لمى (الممثلة لينا كرم)، فهي دكتورة نفسية كان المتوقع ان تقوم بدراسة شخصية المقدم رؤوف ، لكن احداث المسلسل اظهرتها بشخصية امرأة هوى لعوب ، علمت المقدم على تعاطي الحشيشة وهي الطبيبة ، وحاولت اختطافه من زوجته صديقتها الدكتورة سوزان ، لكن المقدم رؤوف الذي انقاد لشهواتها واغراءاتها على مدار احداث اكثر من عشرين حلقة فجأة ودون مقدمات يكتشف تجسسها عليه وتعاملها مع المجموعات المعارضة وتسريبها الاخبار والمعلومات لهم ، وخلال أقل من دقيقة من التفتيش السريع لمكتبها عثر على جهاز التسجيل، حيث لم تكلف الجاسوسة نفسها عناء إخفاء وإبعاد أدلة تورطها ، اما صديقتها الطبيبة سوزان التي تعرفنا عليها في الاجزاء السابقة امرأة قوية (تمثيل المخرجة رشا شربتجي ) ، وتحاول ترويض المقدم رؤوف المتنمر ، ففي هذا الجزء (أدت الدور الفنانة اللبنانية نادين الراسي ) انقادت لكل رغبات العقيد رؤوف ، بما فيها طلبها منه الزواج منها ، ولتكون أمامه وبدون تبريرات منطقية مجرد امرأة تابعة وخانعة ، بما في ذلك سجنه لها في بيته وغيابها لأيام دون ان يبحث عنها احد أو يسأل وهي الطبيبة في مستشفى عام .  هذا ناهيك عن تلك المصادفات الميلودرامية التي شبعنا منها في الافلام الهندية، فالمجند عزام ، الذي يصبح متمردا على الحكومة نتيجة ما لاقاه من عنف على يد المقدم رؤوف ، وانتقاما لكل الضيم  الذي واجهه وافراد عائلته يقتل ـ وصدفة ! ــ المقدم فائز الضابط في الجيش الوطني النظيف الوحيد الذي عطف عليه وساعده واحترم والده وعائلته وكان يتصرف على النقيض من المقدم رؤوف وقتل معه المجند نوار ( الممثل طارق حلوم) ، ثم يقتل المجند عزام على يد قوات الجيش المهاجمة وفي المشرحة تقرر ام المجند نوار (الفنانة مي سكاف) ان تأخذ جثة المجند عزام اذ لاحظت انه لا يزال حيا ، وتدعي انه ابنها نوار لانقاذ حياته دون ان تدري بأنه قاتل ابنها نوار!! ـ الم اقل لكم انها تذكر بالميلودراما الهندية ! ـ . ربما الشخصية الوحيدة التي نمت بشكل طبيعي وحافظت على توازنها الدرامي على طول حلقات المسلسل بأجزائه الثلاثة هي شخصية ابو مقداد (الفنان فادي صبيح) ، اذ بقي انتهازيا وصورة نمطية للمنتفع الذي يمكن استغلال اي فرصة لاجل المال ومستعد لبيع نفسه وللغدر بأقرب الناس اليه ولارتكاب اي جريمة، بما ذلك القتل وبدون اي وازع أخلاقي .
أن حجم التبريرات والفبركة والمصادفات التي حملها المسلسل ، ودفع الشخصيات لتتحدث بما يفكر به صانعوا المسلسل ، لعكس وجهات النظر التبريرية ، عما يجري من احداث ، بالرغم من محاولة الظهور بالموقف الحيادي من خلال عرض الجانبين المتصارعين في الاحداث السورية لم تنجح بالنهوض بواقع المسلسل ، ففي المجمل لم نر سوى لوحة قاتمة لفساد مستشر في صفوف القوات الامنية وصفوف المعارضة ، لم نر هناك وقفة جادة امام اسباب تفجر الاحداث وتشريح لمسؤولية الطرفين ، ناهيك عن غياب لاي طرف اسلامي في احداث المسلسل، وهذا يتعارض تماما مع الواقع الجاري في المدن السورية حيث تتسيد حاليا الجماعات الاسلامية بالوانها المختلفة المشهد المعارض للسلطة ، بحيث صدرت احاديث  من بعض الشخصيات والقوى المعارضة يتخوفون من "سرقة" الحراك الشعبي من قبل هذه المجموعات . ان كل هذا الذي استعرضناه نعتقده غير كاف لصنع عمل درامي فني !

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

تضاربات بين مكتب خامنئي وبزشكيان: التفاوض مع أمريكا خيانة

حماس توافق على وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى

البرلمان يعدل جدول أعماله ليوم الأحد المقبل ويضيف فقرة تعديل الموازنة

قائمة مسائية بأسعار الدولار في العراق

التسريبات الصوتية تتسبب بإعفاء آمر اللواء 55 للحشد الشعبي في الأنبار

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: الدرّ النقيّ في الفنّ الموسيقي

في مديح الكُتب المملة

جنون الحب في هوليوود مارلين مونرو وآرثر ميلر أسرار الحب والصراع

هاتف الجنابي: لا أميل إلى النصوص الطلسمية والمنمقة المصطنعة الفارغة

كوجيتو مساءلة الطغاة

مقالات ذات صلة

علم القصة: الذكاء السردي
عام

علم القصة: الذكاء السردي

آنغوس فليتشرترجمة: لطفيّة الدليميالقسم الاولالقصّة Storyالقصّة وسيلةٌ لمناقلة الافكار وليس لإنتاجها. نعم بالتأكيد، للقصّة إستطاعةٌ على إختراع البُرهات الفنتازية (الغرائبية)، غير أنّ هذه الاستطاعة لا تمنحها القدرة على تخليق ذكاء حقيقي. الذكاء الحقيقي موسومٌ...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram