ربما كانت الفضيلة الوحيدة لهذا البيان انه ذكّرنا بوجود جهاز للادعاء العام، بعدما كدنا أن ننساه تماماً من فرط غيابه في ذروة أحداث ومواقف تتطلب حضوراً قوياً للهيئة القضائية عموماً ولهيئة الادعاء العام خصوصاً، كتفشي الفساد المالي والإداري وانفلات التحريض على العنف والارهاب والتعصب الديني والطائفي وشيوع أعمال العنف والارهاب والجرائم.
هذا البيان، وهو بيان رئاسة الادعاء العام، يطلب من العازمين على ممارسة حقهم الدستوري في التظاهر سلمياً يوم السبت للتعبير عن رأيهم في ما خصّ الامتيازات الباذخة لأعضاء مجلس النواب وسائر أصحاب المناصب العليا والخاصة في الدولة، الا يمارسوا هذا الحق، بل انه يهددهم ضمنياً باجراءات قسرية ان لم يستجيبوا لهذا الطلب، بالقول "يحتم علينا واجبنا الوطني والقانوني على وفق ما جاء بأحكام المادة (1/ أولاً) من قانون الادعاء العام رقم (159) لسنة 1979 حماية نظام الدولة وأمنها ومؤسساتها والحرص على الديمقراطية والمصالح العليا للشعب"، وبالقول ايضاً "لا مجال للاعتصام والمظاهرات إلا على وفق القانون"، متغافلاً عن ان حق التظاهر السلمي، كما سائر أشكال التعبير عن الرأي، يكفله الدستور ويُلزم الدولة بكفالته، وانه ليس مقيداً باي قانون. بل لم يتوان بيان الادعاء العام عن المضي أبعد من ذلك بالايحاء بان من لا يستجيب لهذا الطلب سيكون مصيره "مزبلة التاريخ"!
هذا بيان سياسي بامتياز لهيئة قضائية يفترض أن تظل بعيدة عن السياسة والتسييس، ومن الواضح انه بيان مطلوب من الحكومة، فهو لا يختلف في مضمونه في شيء عن بيان وزارة الداخلية الذي سبقه في الصدور بساعات فقط، وانطوى هو الآخر على التهديد والوعيد للمتظاهرين.
من الغريب أن يرمي الادعاء العام بكل هذا الثقل من أجل ثني مواطنين عراقيين عن التعبير عن رأيهم سلمياً على وفق ما نصّ عليه الدستور، فيما المجتمع العراقي، المكلف جهاز الادعاء العام برعاية مصالحه وتحقيقها، يكابد من الآثار المهلكة لأعمال الارهاب والعنف والفساد المالي والاداري ومن حملات التحريض السافر على الارهاب والطائفية.
في مرات عدة أعلن رئيس الحكومة عبر وسائل الإعلام ان لديه ملفات تدين سياسيين ومسؤولين كبار في الدولة بالتورط بالارهاب والفساد المالي والاداري، وانه اذا ما كشف عنها سينقلب عاليها سافلها، ولم نسمع تحركاً من جهاز الادعاء العام بوصفه نائباً ووكيلاً عن الهيئة الاجتماعية، لفتح تحقيق في هذه المعلومات. وكل يوم تقريباً يكشف نواب وسياسيون عن وثائق ومعطيات في هذا الخصوص وفي انتهاك حقوق الانسان والحقوق المدنية والحريات العامة، ولا نرى مبادرات من الادعاء العام للتحقيق والمتابعة.
في الآونة الأخيرة أُستقدِم الى بغداد واحد من أكبر سرّاق المال العام، بشهادة القضاء وأحكامه، ومن أكبر المحرضين على العنف والارهاب عبر فضائيته الممولة من خارج الحدود، ومن أزلام النظام السابق واسمه ببساطة مشعان الجبوري، وألغيت الاحكام القضائية الصادرة في حقه، ولم نسمع اعتراضاً من الادعاء العام الذي كان قد قدّم الادلة والوثاثق التي أدين بموجبها هذه الارهابي الحرامي الكبير.
ان ما يهدد أمن المجتمع العراقي وسلامه ومصالحه العليا ونظام العدالة، هو الارهاب والعنف والجريمة المنظمة والفساد المالي والاداري وغسيل الأموال وتجارة المخدرات والإتجار بالبشر وتزوير الوثائق، وليس المظاهرات السلمية التي يريد البيان السياسي للادعاء العام اتهامها من دون وجه حق بتهديد نظام الدولة وأمنها ومؤسساتها والديمقراطية والمصالح العليا للشعب!.
الادعاء العام .. السياسي!
[post-views]
نشر في: 28 أغسطس, 2013: 10:01 م
جميع التعليقات 3
عدنان فارس
رئاسة الإدعاء العام العراقي تتحول من (مكتب قضائي) الى (مكتب أمني سياسي) تابع لوزارة الداخلية؟.... رئيس الادعاء العام العراقي يتهم كل من ينوي التظاهر في 31 آب بـ غياب الشعور السامي وبأنه سيتم رميَه في مزبلة التاريخ ... هذا رئيس الإدعاء العام لايفقه حدود
مهند
هل تعيين المدعى العام و وكلائه ضمن التحاصص السياسي و الطائفي, او ضمن الهيئات المستقله او القضاء المستقل. اخبروني انه في الزمن السعيد الماضي، كان يتم التدقيق عند ترشيح حكام التمييز، و لا يرشح من كان يجلس في المقاهي لضمان حياديته و عدم التاثير عليه. فمتى ن
A Fleyeh
كان الملك الراحل الحسن الثاني ملك المغرب قد عين احد احراويين والذي اسمه الجوماني في منصب رفيع لكن الجوماني اعترض على ذلك وساله الحسن الثاني عن سبب اعتراضه فاجابه الجوماني سيدي انا اريد ان اكون وزيرا للنفط، فاجابه الملك بان لا يوجد نفط في المغرب ورد الجو