TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الادعاء العام .. السياسي!

الادعاء العام .. السياسي!

نشر في: 28 أغسطس, 2013: 10:01 م

ربما كانت الفضيلة الوحيدة لهذا البيان انه ذكّرنا بوجود جهاز للادعاء العام، بعدما كدنا أن ننساه تماماً من فرط غيابه في ذروة أحداث ومواقف تتطلب حضوراً قوياً للهيئة القضائية عموماً ولهيئة الادعاء العام خصوصاً، كتفشي الفساد المالي والإداري وانفلات التحريض على العنف والارهاب والتعصب الديني والطائفي وشيوع أعمال العنف والارهاب والجرائم.
هذا البيان، وهو بيان رئاسة الادعاء العام، يطلب من العازمين على ممارسة حقهم الدستوري في التظاهر سلمياً يوم السبت للتعبير عن رأيهم في ما خصّ الامتيازات الباذخة لأعضاء مجلس النواب وسائر أصحاب المناصب العليا والخاصة في الدولة، الا يمارسوا هذا الحق، بل انه يهددهم ضمنياً باجراءات قسرية ان لم يستجيبوا لهذا الطلب، بالقول "يحتم علينا واجبنا الوطني والقانوني على وفق ما جاء بأحكام المادة (1/ أولاً) من قانون الادعاء العام رقم (159) لسنة 1979 حماية نظام الدولة وأمنها ومؤسساتها والحرص على الديمقراطية والمصالح العليا للشعب"، وبالقول ايضاً "لا مجال للاعتصام والمظاهرات إلا على وفق القانون"، متغافلاً عن ان حق التظاهر السلمي، كما سائر أشكال التعبير عن الرأي، يكفله الدستور ويُلزم الدولة بكفالته، وانه ليس مقيداً باي قانون. بل لم يتوان بيان الادعاء العام عن المضي أبعد من ذلك بالايحاء بان من لا يستجيب لهذا الطلب سيكون مصيره "مزبلة التاريخ"!
هذا بيان سياسي بامتياز لهيئة قضائية يفترض أن تظل بعيدة عن السياسة والتسييس، ومن الواضح انه بيان مطلوب من الحكومة، فهو لا يختلف في مضمونه في شيء عن بيان وزارة الداخلية الذي سبقه في الصدور بساعات فقط، وانطوى هو الآخر على التهديد والوعيد للمتظاهرين.
من الغريب أن يرمي الادعاء العام بكل هذا الثقل من أجل ثني مواطنين عراقيين عن التعبير عن رأيهم سلمياً على وفق ما نصّ عليه الدستور، فيما المجتمع العراقي، المكلف جهاز الادعاء العام برعاية مصالحه وتحقيقها، يكابد من الآثار المهلكة لأعمال الارهاب والعنف والفساد المالي والاداري ومن حملات التحريض السافر على الارهاب والطائفية.
في مرات عدة أعلن رئيس الحكومة عبر وسائل الإعلام ان لديه ملفات تدين سياسيين ومسؤولين كبار في الدولة بالتورط بالارهاب والفساد المالي والاداري، وانه اذا ما كشف عنها سينقلب عاليها سافلها، ولم نسمع تحركاً من جهاز الادعاء العام بوصفه نائباً ووكيلاً عن الهيئة الاجتماعية، لفتح تحقيق في هذه المعلومات. وكل يوم تقريباً يكشف نواب وسياسيون عن وثائق ومعطيات في هذا الخصوص وفي انتهاك حقوق الانسان والحقوق المدنية والحريات العامة، ولا نرى مبادرات من الادعاء العام للتحقيق والمتابعة.
في الآونة الأخيرة أُستقدِم الى بغداد واحد من أكبر سرّاق المال العام، بشهادة القضاء وأحكامه، ومن أكبر المحرضين على العنف والارهاب عبر فضائيته الممولة من خارج الحدود، ومن أزلام النظام السابق واسمه ببساطة مشعان الجبوري، وألغيت الاحكام القضائية الصادرة في حقه، ولم نسمع اعتراضاً من الادعاء العام الذي كان قد قدّم الادلة والوثاثق التي أدين بموجبها هذه الارهابي الحرامي الكبير.
ان ما يهدد أمن المجتمع العراقي وسلامه ومصالحه العليا ونظام العدالة، هو الارهاب والعنف والجريمة المنظمة والفساد المالي والاداري وغسيل الأموال وتجارة المخدرات والإتجار بالبشر وتزوير الوثائق، وليس المظاهرات السلمية التي يريد البيان السياسي للادعاء العام اتهامها من دون وجه حق بتهديد نظام الدولة وأمنها ومؤسساتها والديمقراطية والمصالح العليا للشعب!.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 3

  1. عدنان فارس

    رئاسة الإدعاء العام العراقي تتحول من (مكتب قضائي) الى (مكتب أمني سياسي) تابع لوزارة الداخلية؟.... رئيس الادعاء العام العراقي يتهم كل من ينوي التظاهر في 31 آب بـ غياب الشعور السامي وبأنه سيتم رميَه في مزبلة التاريخ ... هذا رئيس الإدعاء العام لايفقه حدود

  2. مهند

    هل تعيين المدعى العام و وكلائه ضمن التحاصص السياسي و الطائفي, او ضمن الهيئات المستقله او القضاء المستقل. اخبروني انه في الزمن السعيد الماضي، كان يتم التدقيق عند ترشيح حكام التمييز، و لا يرشح من كان يجلس في المقاهي لضمان حياديته و عدم التاثير عليه. فمتى ن

  3. A Fleyeh

    كان الملك الراحل الحسن الثاني ملك المغرب قد عين احد احراويين والذي اسمه الجوماني في منصب رفيع لكن الجوماني اعترض على ذلك وساله الحسن الثاني عن سبب اعتراضه فاجابه الجوماني سيدي انا اريد ان اكون وزيرا للنفط، فاجابه الملك بان لا يوجد نفط في المغرب ورد الجو

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram