لا حدود للابتكار والإبداع مادام هناك ناس تعمل وتفكر بتحويل كل شيء الى فن ، يحاولون ويجتهدون في تغيير رؤيتنا الى الأماكن والزوايا التقليدية والمظلمة وجعلها تشع بروح الجمال والابداع والخلق . كل شيء ممكن حين يتوفر مناخ صحي وحاضنة مناسبة لأفكار الناس الجديدة . وبالتأكيد عندما يمتلك الناس وعياً بذلك ومسؤولية لها علاقة بجمالية المكان الذي يعيشون فيه ويتنفسون هواءه ، فستكون النتائج دائماً باهرة ومدعاة لسعادة وتمتع الجميع .
الإسطبل المفتوح هو العنوان الغريب الذي يطلق على مهرجان الفن في قرية (أولدبركوب ) في مقاطعة فريسلاند الهولندية ، والتي تبعد عن بيتي مسافة نصف ساعة بالسيارة . وهذه هي الدورة الثانية والأربعين لهذه الاحتفالية السنوية ، حيث تحولت منذ سنوات بعيدة ، إسطبلات الخيول والأبقار الى قاعات للعرض تستقبل الفنانين التشكيليين من كل مدن هولندا . خمسون فناناً عرضوا أعمالهم في 23 قاعة عرض . كل فنان عرض مجموعة من أعماله على شكل معرض شخصي صغير . اذن هي فرصة لمشاهدة خمسين معرضاً شخصياً مصغراً في يوم واحد . ذهبت لأتمتع بهذا المناخ الفني الفريد ولأتفق على عرض أعمالي في الدورة القادمة . ناس كثيرون تزخر بهم القاعات والأماكن المحيطة بها . هذه القاعات التي أتخيلها كيف كانت في أوقات غابرة وهي تكتظ بالخيول والأبقار مع فلاحين من طراز قديم . زوار عديدون يتنقلون من مكان الى آخر يدفعهم شغفهم بالفن وهم يتأملون - إضافة الى الأعمال المعروضة - صفحات الكتاب أو الكتلوك المصاحب للمهرجان الذي كان عنوانه الفرعي لهذه السنة ( المنظر لا يزال في رأسي ) ، أشخاص من كل مكان يتابعون الأعمال بهدوء وهم يتخطون الموسيقيين الذين انتشروا هنا وهناك بين قاعات العرض ليجملوا المكان بآلاتهم وموسيقاهم العذبة ، وكان اختيار الصيف مقصوداً لإقامة مثل هذا الحدث الجميل حيث يكون التمتع بالمناخ الفني رائعاً ، وتكمّل القاعات او المعارض ما هو موجود في الهواء الطلق .
تبدأ العروض بفنان ينفذ أعماله التجريدية بالشعر الطبيعي للإنسان على شكل منسوجات متداخلة وغريبة ، وينتهي بأعمال فنان يستعمل ( بيض الدجاج ) فقط لا غير في تنفيذ أعماله وهو يصفّها كل مرة بطريقة مختلفة وإخراج جديد ، .... مروراً بمنحوتات كبيرة بمواد مختلفة ، كذلك استعمال الأقمشة ، أعمال صغيرة من البرونز ، تجريدات هندسية تشبه أعمال موندريان ، منحوتات فوق بركة ماء عملت خصيصاً لذلك ، فوتغراف وليثوغراف ، تخطيطات غرائبية بالأسود والأبيض و.... انتهاء بفنان أختار أشجار حديقة كاملة تحيط بإسطبل قديم وغطى كل جذوعها ولفّها بأقمشة أو أشرطة حمراء ، وقد تحولت الحديقة بهذا الفعل وكأنها واحدة من لوحات أدوارد مونش .
بعد الانتهاء من رؤية الأعمال الفنية والتمتع بها فأن الوقت سيكون مناسباً لك كزائر لتجلس على ناصية مقهى وتستمر بالاستمتاع بالموسيقى وسحر الأجواء الريفية . وبما أن هذا اليوم هو آخر يوم للمهرجان الذي أستمر شهراً كاملاً ، فقد كانت هناك مجموعة من منظمي المهرجان منشغلين بتهيئة خيمة كبيرة على عشب حديقة خضراء واسعة مليئة بكراسي وطاولات صفت بطريقة أنيقة ، ووضعت المشروبات والأطعمة للاحتفال بالفنانين المشاركين والتحدث عن المبيعات وما أسفرت عنه دورة هذه السنة .
عدت الى البيت وأنا مليء بشعور جميل ورغبة كبيرة في انتظار السنة القادمة ، وكلي شوق وعاطفة وأنا أتطلع لرسم لوحات جديدة.
حين تتحول إسطبلات الخيول إلى غاليرهات مدهشة
[post-views]
نشر في: 30 أغسطس, 2013: 10:01 م
انضم الى المحادثة
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
جميع التعليقات 1
شاكر حسن
الفنان الكبير ستار كاووش تحية طيبة انت تتحدث عن شعب متحضر وثقافة تخلصت من عقدة الخوف والتابو وهيمنة الغيبيات لقد حباهم الله بالعقل والأبداع وحبانا بالتخلف والعيش في غياهب الموت والوعود بجنة شريطة ان نمضي حياتنا في جهنم!