في وقت متأخر من ليلة البارحة كنت أتابع لقاءً تلفزيونيا مع شاعر صعيدي لم أكن قد سمعت به من قبل. خارطة العمر المرسومة على وجهه وفراغات الأسنان في فمه تنبئ بوضوح انه من الجيل الستيني او ربما الخمسيني. مع هذا كان يمسك ربابة بيد لا ترتجف وهو يمرر القوس على وترها الوحيد.
سألته المذيعة عن سر علاقته بالربابة. أجابها انه يحبها لأنها بوتر واحد، ثم تحسر. ولم تتحسر؟ انه وحيد مثلي. وأصاحبك؟ غدروني. كلّهم؟ أجابها وكأنه يهمس بأذنها سرا لا يريد ان ينتشر ناسيا انه في برنامج سيبث على الناس: لولا غدرهم ما كنت قد غنيت ولا قلت شعرا. إزاي؟ لم يجبها مباشرة بل أمسك الربابة وغنى بصوت يفطّر القلب:
الصاحب اللي يخونك يقّن انه مات
اترك سبيله ولا تندم على اللي فات
الصقر بيطير وبيعلّي وله همات
يموت من الجوع ولا يحوّد على الرمّات
تحول اللقاء، بعد ان غنى، الى الحديث عن الوحدة والغدر والخيانة. علت قلبي مرارة حزن وانا أتابعه مستحضرا بمخيلتي شريطا طويلا من غدر "الإخوان" و"الأصدقاء"، متمنيا لو يظل هذا الصعيدي الحزين يغني حتى الصباح.
كتبت ما غناه، وصرت أغنيه بعده. فجأة انتبهت الى ان ما قاله الصعيدي يشبه الى حد بعيد ما جاء في واحدة من قصائد شاعرنا عريان السيد خلف:
تهتم .. شيّمتها و شدّت الحيل
اليكصر ردي و السابج كحيل
باز معشبات و يطرد المذيور
ياكل مزتة و يرمي الغريمة الذيل
توجهت صوب مكتبتي لأسحب منها مجموعة "الأعمال الشعرية" لعريان التي لا تفارقني في حلي أو ترحالي. فدائما، وفي مواقف كهذه، أحتاج إلى قراءة عريان أو سماعه. أعود لقصائده كلما "التمن عليّ مكدرات البال" لـ "أنفضهن نفض وأنهض ولا جني":
وليت، وعف ضميري، وما كسرت العود
ولسِن شبه الزلم .. بالعلن سبّني
كفاني أمرح ورع والتذ بحب الناس
وعملات الكبح ما يوم خاونّي
وأكابر عالشدايد .. حد مصب العين
وأسكت .. لو دثو من الناس لاسنّي
عزيزي القارئ: إن شعرت بألم في أضلاعك بفعل خيانة صديق، فما عليك، لكي ترتاح تنسى،إلا ان تستمع لصعيدي يغني على ربابة ان "الصاحب علّة" وتقرأ لعريان:
ذمني .. ذم الما عثر بالمستحه ولا نكت زيجه
ومر على اسمي .. ابشيمتك
مثل اللكز رمحه ابصديجه
الصاحب علّة
[post-views]
نشر في: 31 أغسطس, 2013: 10:01 م