TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > "سوات".. صورة سلطان مذعور

"سوات".. صورة سلطان مذعور

نشر في: 31 أغسطس, 2013: 10:01 م

لم تكن تظاهرات السبت محض تنفيس عن احتجاج يملأ أرواح الشباب في التيار المدني. هذه المرة لم يكن الشباب وحدهم، متهمين بأنهم علمانيون معزولون بلا امتداد بين الجمهور. وفي الحقيقة فإن وجود الشباب امر معتاد خلال لحظات تتطلب الشجاعة في بلد يتقاسمه الإرهاب، وسلطة ناقصة الحكمة. لكن عيون الكثير من المتابعين اتجهت نحو صور كبار السن بأزيائهم الشعبية ومفرداتهم البسيطة والبليغة، وهم يتحركون بحماس وسط الناشطين، ويمنحون وقار الشيخوخة وكبرياءها، لسلسلة الاحتجاجات من البصرة صعودا الى الرمادي والموصل.
كان صوت الشريحة الأشد تعرضا للظلم حاضرا، سحقها نقص التدبير والفساد، وحين خرجت معترضة لم يكن السلطان يمتلك جوابا على فشله، سوى سياط "سوات" التي لعبت على جلود المحتجين في ذي قار، وبغداد، والذريعة دوما ان المحتجين "حاولوا الاعتداء على قوات الأمن". وكأن المحتجين اقتحموا دار العسكر او أرادوا تخريب الأموال العامة او تعكير صفو النظام.
التحذير الكبير لنظامنا السياسي، جاء بوقار الطاعنين في السن، وسنواتهم التي أفنيت فداء لغرائز السلاطين. ليس الأمر مجرد غياب للعدالة في توزيع الثروة، بل نزوات سلاطين تحرم الأمة من العثور على ايسر فرص العيش الكريم، في مدن محرومة من الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، كنتيجة لتخبط سلطان بلا سياسة ولا كياسة.
الطاعنون في السن ساروا مع الشباب، فيما كان عناصر سوات يضربون المحتجين بقسوة لا يفسرها إلا ان مؤسستنا الامنية يؤسسها الجهل، وهل يمكن للجهل ان يصنع أمنا او أمانا، وهل أدى نقص الحكمة على مر العصور، الا لحماية شهوات الحاكم وغرائز السلاطين؟
الطاعنون في السن كانوا يسيرون بين الشباب، ثأرا لسنواتهم التي ضاعت قربانا بين يدي حاكم يشتهي البطولة المزيفة، وآخر مستعد لإحراق البلاد لتأمين نزواته. كبرياء الشيخوخة كان يعترض على ضياع الفرص، وعلى تلك الحماقات السياسية التي حرمت البلاد من الاستقرار، واستهترت بالمقدرات، وبددت التفاهم النسبي، ومنعت دفع عجلة النمو وسدت نوافذ الضوء في وجه ملايين محتجزين داخل مدن كئيبة، يطوقها عسكر عاجز، ويتبختر فيها مسؤولون لا مسؤولون، يرمقوننا من زجاج سيارات فارهة، ويسخرون بفرح حين تتفحص عيونهم البلهاء، كل صمتنا وانتظارنا وقلقنا، وهم يحلمون بأن يبقى الشعب هادئا سعيدا "بحكمة القيادة".
البلاد بالنسبة لمختار العصر، ومن على شاكلته، مزرعة يحق له ان يلهو فيها كما شاء، ويؤجل ازدهارها ويبعثره كما اشتهى، معلنا أوامر الصمت والصبر الأجوف، لوقار الشيوخ وحماس الشباب، وحين نعترض، في الرمادي او الناصرية، تحتشد الجيوش وتلوح بالهراوات لابقائنا صامتين.
لا يحسن السلطان قياس الزمان السياسي، فيكسر كاميرات الصحافة متوهما انه حجب صورته الخائفة، ثم يتحدث عن "مندسين"، ليخفي حقيقة انه هو وفريقه السياسي والعسكري، اخطر نموذج لناقصي الحكمة الذين اندسوا في دار الامارة، ثم صاروا يتلاعبون بما تبقى لنا في التاريخ من فرص، ويبددونها بالكذب والسياط كي تسود سياساتهم المثيرة للسخرية. بعدها يغضب الحاكم لان فرائصنا لم ترتعد لمرأى خوذ "سوات" اللماعة، وسياطهم التي سبق وأن أشعلت فتنة "الحويجة" وقتلت مدرب كربلاء، وضربت المحتجين من كل الطوائف، باسم الشعب. وفاقمت الانقسام الطائفي، باسم الشعب. وكانت رمزا للارتجال وغياب التدبير، الذي يحكم باسم الشعب.
السلطان الذي يشهر السياط، يكتب ذعره وهلعه. لم يكن عادلاً، فخاف. ولم يكن حكيماً فارتعد من رؤية اعتراض وقور متحمس. الخطوط الحمرالتي تركتها السياط على أجساد المحتجين، هي رسالة مذعورة كتبها السلطان مرات ومرات، على جسد الوطن الكبير، معلنا عجزه. الرسالة وصلت، و"سوات" أسوأ حامل بريد. يا مختار العصر، لقد قام المحتجون السبت، بقياس معدلات هلعك وعجزك عن التعلم. التظاهرة لم تكن مجرد تحذير كبير، بل مناسبة للتفرج على فضيحتك.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. Souad

    الله..الله يا سرمد انك تكتب عن جروح الشعب العراقي صوتك بدا يلمع كالاماس, وكانني اري قلبك يحترق لتشيع الضوءللنائمين والصامتين !!ان التضاهرات نجحت في كشف كذب واستبداد حكومه المالكي امام الفضائيات وان سياسه المالكي هي التي ترعي وتهادن الارهاب , وهي التي تجلد

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: ماذا يريد سعد المدرس؟

العمودالثامن: الخوف على الكرسي

العمودالثامن: قضاء .. وقدر

العمودالثامن: لماذا يطاردون رحيم أبو رغيف

لماذا دعمت واشنطن انقلابات فاشية ضد مصدق وعبد الكريم قاسم؟

العمودالثامن: أين لائحة المحتوى الهابط؟

 علي حسين لم يتردد الشيخ أو يتلعثم وهو يقول بصوت عال وواضح " تعرفون أن معظم اللواتي شاركن في تظاهرات تشرين فاسدات " ثم نظر إلى الكاميرا وتوهم أن هناك جمهوراً يجلس أمامه...
علي حسين

كلاكيت: رحل ايرل جونز وبقي صوته!

 علاء المفرجي الجميع يتذكره باستحضار صوته الجهير المميز، الذي أضفى من خلاله القوة على جميع أدواره، وأستخدمه بشكل مبدع لـ "دارث فيدر" في فيلم "حرب النجوم"، و "موفاسا" في فيلم "الأسد الملك"، مثلما...
علاء المفرجي

الواردات غير النفطية… درعنا الستراتيجي

ثامر الهيمص نضع ايدينا على قلوبنا يوميا خوف يصل لحد الهلع، نتيجة مراقبتنا الدؤوبة لبورصة النفط، التي لا يحددها عرض وطلب اعتيادي، ولذلك ومن خلال اوبك بلص نستلم اشعارات السعر للبرميل والكمية المعدة للتصدير....
ثامر الهيمص

بالنُّفوذ.. تغدو قُلامَةُ الظِّفْر عنقاءَ!

رشيد الخيون يعيش أبناء الرّافدين، اللذان بدأ العد التّنازلي لجفافهما، عصرٍاً حالكاً، الجفاف ليس مِن الماء، إنما مِن كلِّ ما تعلق بنعمة الماء، ولهذه النعمة قيل في أهل العِراق: "هم أهل العقول الصّحيحة والشّهوات...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram