كُلّما مرّ يوم آخر على مجزرة الغوطة الكيماوية، وتناثرت تصريحات الزعماء الغربيين، وعلى الأخص أوباما، عن حجم وأهداف الضربة العسكرية المُحتملة ضد الأسد، تزداد ثقة دمشق باستمرار النظام، وتعد ذلك انتصاراً على المؤامرة الإمبريالية الصهيونية الكونية، ضد نظام المُمانعة والمُقاومة القومي التقدمي، على قاعدة الضربة التي لا تُميتني تُقويني، في حين يتجرع معارضو الأسد كؤوس المرارة، بعد انهيار أحلامهم بأن يتولى الغرب مهمتهم في إسقاط النظام، وعلى الهوامش تنتشر التساؤلات عن هدف الضربات، إن لم تكن تستهدف إسقاطه، وتنثال الإجابات حول رغبات الغرب في استمرار الأسد رئيساً، وتطويل أمد الحرب، ومراقبة تحوّلها إلى حرب أهلية، تستعر تحت رايات الطائفية.
الضربة الأميركية آتية دون شك، بعد أن حشر الأسد الرئيس أوباما بالكيماوي في الزاوية الأضيق ، وأجبره على "الخروج من جلده" بعد أن ظل أكثر من سنتين يتسلى بتعداد أرقام الضحايا، ويُهدد في زلة لسان غير محسوبة ولا مقصودة، بعدم تجاوز الخط الأحمر، واللجوء لاستخدام الأسلحة الكيماوية، وكان من حق الأسد فهم ذلك، على أنه تصريح مفتوح بالقتل بكل الأسلحة، عدا الكيماوية التي ستسبب الحرج لساكن البيت الأبيض، واعتمد النظام على قناعته، بأن معسكر مؤيديه الروس والإيرانيين، وعجز الغرب وتقاعس العرب، يمنحه تفويضاً بشن الحرب ضد شعبه المتهم بالإرهاب، بكل الوسائل المتوفرة، وصولاً إلى الكيماوي، ولعل ذاكرته ظلّت خضراء، وهو يستحضر ردود فعل العالم، على جريمة الإبادة بالكيماوي في كردستان العراق، على يد البعثي الآخر صدام حسين.
فجأةً وجد أوباما نفسه في مواجهة الحائط، لكنه لجأ إلى أهون أشكال المواجهة، التي وصفها بأنها محدودة، لا تتجاوز بضعة صواريخ كروز لحفظ ماء الوجه، مع تطمينات شديدة الوضوح للأسد باستمرار نظامه، على أن لا يلجأ ثانية إلى الكيماوي، ويواصل حربه المقدسة ضد "الإرهاب"، يعني ذلك أن خطوة أوباما لن تغير على الأرض شيئاً، وأن ميزان القوى سيظل راجحاً لمصلحة النظام، القادر على مواصلة القصف بالطيران والبراميل المتفجرة، ضد الإرهابيين، الذين اخترقوا صفوف المعارضة المُخلخلة والمُهلهلة، ما يمنح النظام الحق بإبادتهم، لينام الغرب وإسرائيل بسلام وأمان.
وهكذا تنام دمشق على حرير انتظار الضربة، وليس مُهماً إن أسفرت عن موت آلاف الأبرياء، ما دامت نتيجتها انتصار الأسد على المؤامرة الكونية، التي يتكفل الإرهابيون بتنفيذها، وهذه من صفات البعث، الذي يعتبر نفسه منتصرا ما دام بقي في السلطة، وكان أعلنها الآباء البعثيون عام 1967، حين اعتبروا خسارة الجولان غير ذات قيمة، ما دامت رايات البعث ترفرف فوق قاسيون، وهذا ما يمنح المسؤولين السوريين حق التصريح بأنهم "يتوقعون الضربة الغربية في كل لحظة، وجاهزون للرد عليها"، ما داموا على ثقة بأن العملية العسكرية ضدهم محدودة وقصيرة، ولا تتضمن نشر جنود على الأرض.
في الظن أن هناك في زوايا عاصمة الأمويين من يدبج قصائد الانتصار القادم، ومن يضع الألحان لأغان تُمجّد الصمود والممانعة والمقاومة، وهناك لوحات يتم الانتهاء من لمساتها الأخيرة على عجل، وهناك من يُعد لمسيرات مليونية تؤيد الأسد، وربما يكون هتافها بالكيماوي يا بشار، غير أنّ المؤكد أن هناك صفقات بغيضة تتم تحت الطاولة، يتكفل الأسد بموجبها بعد "فرك أذنه" بمواصلة الحرب، ويُواصل قادة المعارضة تنقلهم بين فنادق عواصم العالم الفخمة، وهم يحملون ألقاباً فارغة من المضمون، ويواصل السوريون دفع الثمن من دمهم، وتتواصل عملية تدمير الدولة السورية، التي كانت يوماً، واحداً من آمال الشرفاء العرب.
هل ينتصر الأسد؟!
[post-views]
نشر في: 1 سبتمبر, 2013: 10:01 م