الفنان التشكيلي فاضل نعمة المقيم في هولندا ، ينتمي الى الجيل التسعيني من الرسامين العراقيين وهو الجيل الذي اكتوى آثار حروب الطاغية، وتلظى بسنوات القحط والحصار .. وهو ما انعكس على ابداعه ، موقفا واسلوبا ونصا بالعمل.انهى دراسته للرسم في كلية الفنون الج
الفنان التشكيلي فاضل نعمة المقيم في هولندا ، ينتمي الى الجيل التسعيني من الرسامين العراقيين وهو الجيل الذي اكتوى آثار حروب الطاغية، وتلظى بسنوات القحط والحصار .. وهو ما انعكس على ابداعه ، موقفا واسلوبا ونصا بالعمل.انهى دراسته للرسم في كلية الفنون الجميلة منتصف التسعينات، وغادر العراق الى عمان ثم اوربا ليستقر هناك مثل الكثير من ابناء جيله.المدى حاورته للوقوف على معالم تجربته في الرسم.
• بعد ما يقرب من عشرين عاما من الهجرة في اوربا .. مالذي اضافه اليك المهجر؟
- اهم ما أضافه المهجر لي هو البحث والاطلاع وقبل كل شيء الدراسة الأكاديمية العلمية ومشاهدة المعارض سواء في قاعات العرض او المتاحف كذلك الاستقرار النفسي وربما اجواء هولندا جعلتني ادرس الفن بشكل علمي واكاديمي ودراسة اساليب العرض والانتاج حيث ادرس الان الماجستير ( تقنيات فن الطباعة) كذلك التفرغ التام للدراسة والرسم فقط حيث اعمل في مرسمي وفي مرسم الأكاديمية الملكية في لاهاي اكثر من 12 ساعة في اليوم الواحد واشعر ان الوقت غير كاف لان لدي الكثير من المشاريع والاعمال والافكار واحتاج الى اكثر من يدين اثنتين لتنفيذها كذلك التفكير بهدوء وعمق اثناء مشاهدتي لاي عمل فني ودراسته ومقارنته باعمالي واعمال الاخرين .
• ما الذي يمكن ان يتميز به الفن العربي والعراقي ، إزاء ماتنفرد به فنون الشعوب الاخرى؟
- اعتقد ان لكل شعب من الشعوب عادته وتقاليده وفنونه ومثلما نعرف عرف الفن الافريقي بالأقنعة والمثيولوجيا الشعبية والسحرية وكذلك عرف الفن الامريكي بالتجريد واخر صرعات الحداثة من هذا لم يعرف الفن العربي والعراقي جزءا منه بمدرسة او اتجاه معروف وواضح الا بالحرف العربي ربما وهناك تجارب عراقية وعربية منفردة اسست لها اتجاها واضحا برغم قلتها وانحسارها في معارض عراقية وعربية محدودة لكن ما معروف عن فنوننا في الخارج هو الحضارات القديمة السومرية والبابلية والآشورية اما الحديثة فهي تجارب فرديه لا تمثل اتجاها او مدرسة برغم العروض الفردية هنا وهناك لكن اغلب الأوربيين درسوا فنون وادي الرافدين والحضارات القديمة وقراؤها اكثر من شعوبنا ومع الاسف , ربما يعود ذلك لاسقرار هذه البلدان وحبها للفنون والثقافة والتاريخ والسفر .
• لو سمحت لك الظروف كيف ستستثمر الخبرات التي اكتسبتها في اوربا ودراستك العلمية في العراق؟
- اتمنى ان اشارك في بناء بلدي بقدر ما استطيع واتمنى كذلك ان اعرف طلبة الفن بما تعلمته ودرسته من تقنيات وافكار واساليب للعرض والانتاج بعيدا عن التكرار والتنظير وضياع الوقت ، انا ادرس الان تقنيات فن الطباعة وبكل انواعها الغائر والبارز والمستوي والنافذ وكما تعرف ان فن الطباعة اليدوية او الكرافيك يدخل في كل مجالات الحياة وظيفية كانت ام جمالية والكرافيك عندنا فقير تقنياته محدودة ومواده مفقودة لكنني ووفقا لذلك طورت ودرست بنية الكثير من المواد والادوات مع مراعاة فقدانها او صعوبة الحصول عليها في اسواقنا ولدي دراسة او منهج كامل معد للطبع لدراسة هذه التقنيات والمواد وامكانية تصنيعها واعدادها لتكون جاهزة للعمل والطباعة كذلك دراسات لقاعات العرض والمتاحف وصناعة الورق وكل ما يتعلق بالاعمال الورقية وملائمتها لبيئتنا الغنية بالكثير من المواد المهمة لانتاج اعمال فنية ناجحة واخيرا كل منا يضيف لبنه لبناء فن رائع بعيدا عن التكرار والتنظير الفارغ .
• تعدد مصادر الفنان في اوربا يجعل الفن هناك يرتاد افاقا ارحب ..ما تعليقك؟
- ان اهم ما يميز الفن الاوربي هو شموليته وتعدد مصادره وتقنياته وكثره العاملين عليه من فنانين ونقاد وخبراء بشتى مجالاته واهم شيء من هذا هو الاختصاص كلا في اختصاصه بحيث لايمكن ان يقدم ناقدا كبيرا او مختصا رساما قليل خبرة او حديث عهد بالفن وهذا ما يحصل عندنا مع الاسف اما على الصعيد التقني فمصدر الفنان الأوروبي كثيرة ومتعددة وبإمكانه استخدام جميع المواد المتاحة امامه طالما كانت الغاية هي التعبير عما يريد قوله او تصوره اما نحن فما زال عندنا اغلب الاعمال المنتجة هي محاكاة او نقل عن الواقع بطرق متعددة ، وكأن الفنان ناقل او كاميرا صماء جامدة , رأيت هنا ان اغلب الاعمال للفنانين متشابهة وكأن رساما واحدا رسمها مع التكرار الممل في المفردات والمعالجة وحتى اللون والتكنيك لكن هناك تجاربا رائعة شاهدتها من خلال بعض المعارض والمراسم التي زرتها في بغداد او كربلاء ان اروع ما شاهدته هي اعمال جديدة رائعة للفنان احمد نصيف والنحات معتصم الكبيسي وتجارب فريده لاسعد الصغير واسماء جديدة واعدة.
• انشغالك بالكرافيك هل ياتي من اتساع استخدامه ودخوله مجالات اخرى مثلا؟
- فن الكرافيك فن جديد نوعا ما واقصد جديد بتقنياته اما اكتشافه فكان قبل اكثر من الفي عام تقريبا على يد الصينيين واهم ميزاته ان نتائجه ليست مباشرة واحيانا تلعب الصدفة فيه دورا بارزا تمتزج فيه الخيال والتقنية بشكل رائع اضافه الى ميزاته المهمة الأساسية مثل إمكانية اقتنائه من قبل الجميع لرخص ثمنه وسهولة حمله وارساله الى اي مكان في العالم وتعدد طبعاته هناك . درسته في الأكاديمية الملكية على يد أساتذة متخصصين فمثلا الطباعة الحجرية ,,,, ( الليثوغراف ) جور ج هايدلر , وسيمون كونا بالحفر على المعادن , وتوم تاسيه بالحفر على الخشب واللينو وخيراتس بالسلك سكرين درست تقنياته وتطوره وحتى إمكانية الانتاج فنيا وتجاريا باحدث الوسائل والطرق , وتاريخيا فن الكرافيك هو فن سومريا بامتياز حيث كانت اول تجربة في طباعته على شكل اختام أسطوانية في زمن الحضارات الرافدينية الاولى مع اختلاف الوسيط وقبل اكثر من 400 عام كانت المحاولات الاولى لفن الكرافيك بشكله الحديث في مدينة كربلاء حيث طبعت منه رسوم إسلامية وجداريات وحروز وغيرها لهذا يعد فن الكرافيك مهما من نواح عدة لاتساع استخدامه ودخوله في مجالات التصميم والازياء والصناعة وباقي الفنون من مسرح وسينما وتلفزيون وغيرها .
• من خلال اقامتك الطويلة في اوربا وتحديدا في هولندا، حدثنا عن آليات العرض والانتاج الفني هناك؟
- اما طرق واساليب العرض والانتاج في هولندا نوعا ما مختلفة عما عليه عندنا هناك اغلب اماكن العرض لديهم مجموعة من الفنانين في كثير من الاحيان لايسمح لهم العرض خارج اتفاق الكاليري قاعه العرض وهذا الكاليري يتولى العرض والدعاية وغيرها للفنان اما نسبة البيع فهي كبيرة جدا بالقياس الى ما يعرض في بلادنا حيث تصل نسبه البيع احيانا الى 60% للكاليري و40% للفنان
اما الكالريات العادية فتصل نسبتها من25-30% وهي ادنى نسبه كذلك تصل نسبة الحجوزات للعروض الى سنتين او اكثر او اقل وكل هذه المنظومة تخضع لنظام العرض والطلب وسوق الفن.
• كيف هو منهاج يومك ؟
- يبدأ يومي بالرسم , مرسم تحت البناية التي اسكنها وهو صغير لكنه مرتب ومكتظ بالاعمال ومكان الطباعة ومواد الرسم ، لاموضوع لدي لاقصه في لوحات بل صور وذكرى بصريه التقطها من الشارع وذاكرتي اراها في اكلى ومنامي ، وعندما ابدا في الرسم وقبله بقليل اشعر بحساسية الابيض والفراغ اللامتناهي صراع صعب قاسي مع عالم شاسع ابيض لا اعرف ابعاده استخدم الكثير من الخامات في اعمالي من ورق وزيت وكارتون وحتى اقلام الرصاص وارقام لاتينية واحيانا عربية لتأثيرها على المشاهد، اما التشخيط او الشخبطه ففيها تأثير رائع على سطح افلات مشغول بصفاء لانها تعطي بعدا ومنظورا وتأكيدا بما اريد قوله المساحة والفضاء التي اعمل عليها صعبه لاتستجيب للمشاهد العادي وفي اغلب الاحيان هي ليست رسما , ربما انتهى رسم لدي وبدا الفن لاصوره لاقصه لما ارسمه بل اشكال بصرية خاصة جدا تثير المتعة وحزمة من الاحاسيس والانفعالات ارى ضرورة تنفيذها كما هي دون اي وسيط مهما كان شكلها او حجمها ، كذلك انا لا ارسم كي اغير الواقع سواء كان سياسيا او اجتماعيا انا ارسم لروحي او ربما لجمهور خاص من الاصدقاء والمعجبين لاانني لااعتقد ان الفن يغير الواقع ؟ , ربما يؤثر فيه لكن ليس كالسياسة او المال وعلينا ان نعترف بذلك؟ ونتذكر ما مر به العراق من محن زمن الدكتاتورية.
• ما الذي يشكله لك العمل الفني؟
- العمل الفني قضية؟ او ربما مشكلة هي دائما بحاجة الى حلول! بالتنفيذ واستخدام خامات ووسائل جديدة ومبتكرة , ذلك لتعدد وسائل الاعلام والاتصال ورؤية لعالم جديد تعددت اكتشافاته وظهر فيه كم هائل من المعلومات وطرق التعبير... كذلك الانسان نفسه تغير في كل شيء في ملبسه ومأكله وطرق ووسائل استخداماته وحياته جميعها ... ان مصانع الالوان ومواد الرسم هي الاخرى تكتشف في كل يوم عشرات الخامات من الوان وورق ومذيبات وغيرها , أكيد هذه الاكتشافات على الفنان ان يجربها كي يستطيع استخدامها كمعالجات وطرق للكثير من الحلول التي يستعصي عليه حلها وهي بالتالي تعبر عما يريد قوله كصوره بديلة عن الكلام؟ ارى ان الحياة متعددة ومتنوعة ومدهشة , تدهشنا في كل يوم بجديدها وحيويتها, فكيف لا اتنوع واجرب كل ما هو متاح ومعبر وحيوي كي ارضي همي وافكاري؟؟
• تحضير اللوحة او بداية الشروع بعمل جديد كيف تأتي الفكرة؟
- بعد الانتهاء من عمل جديد تكون ساعات الراحة قليلة ؟ لان سرعان ما تبدأ عملية مخاض وقلق جديد لا تهدأ الا بالانتهاء من العمل الجديد وهكذا قلق وصراع مع افكار وخامات وطرق تعبير جديدة احيانا لا تكون متوافقة مع رؤية الفنان كما في حسابات الحقل والبيدر ؟ والفكرة تأتي احيانا من قطعة موسيقية او مشاهدة فيلم او معرض مهم او ربما من خزين الذاكرة الذي لاينتهي , ولاتكون هناك فكرة او موضوع جاهزة بالنسبة الي لانها تفقد العمل عنصر المفاجأة والتغيير المستمر حتى يكتمل العمل .
• هل انت عادة أسير اسلوبك في العمل ، ام انك متحرر من سطوته؟
- اعتقد ان فكرة الأسلوب فيها شيء من الفهم الخاطئ في وسطنا الفني ,ارى ان على الفنان ان يرسم حلمه وما يريده بكل حرية وتعبير صادق بعيدا عن كل المنغصات والايدلوجيات التي تدفعه للتعبير باتجاه وطريق واحد, لان الفنان المجدد الباحث عن الجمال لايقيد نفسه بقالب واحد ومادة واحدة وحتى موضوعة واحدة لانه حر ولا حرية بلا ابداع ولا ابداع بدون حرية, عليه ان يحلم يدهش وان يكون متجددا, اعرف فنانين يرسمون العين والانف والشكل منذ عشرات السنين ولم يفكروا ان يختلفوا ويرسموها بطريقة اخرى تبعا لظروفهم وتطورهم وحتى مزاجهم ؟ العمل الفني قصة محكية ؟ فهل يقبل المشاهد ان تتكرر عليه كل يوم بحجة الاسلوب؟ الاسلوب بصمتك الدائمة والتي تحملها معك كفصيلة دمك مشاعرك وحتى تمرحل عمرك ,شيء متغير وثابت لكنه متنوع ومتجدد. اقول لأصحاب اللوحة الواحدة يكفي لوحتين منها ؟ وبالكثير اربع لنفهم ما تريدون لان الحياة تتسع لكثير من الرؤى والصور والاحداث ولاتقتصر على مشهد واحد او صوره او منظر ؟ معنى ذلك ان الرسام لايستطيع ان يرسم احلامه واحزانه ودهشته اليومية ولايستطيع ان يواكب الحاضر , فالفنان المجرب لايهجر كيانه لكنه يتجدد ويواكب احداث العصر برؤية مسؤولة وثاقبة.
• ما علاقة كل ذلك بالحداثة؟
- انا اقيم واعمل منذ سنوات في هولندا البلد العريق في مجال الفن التشكيلي, هنا رامبرانت وفيرمير وفان خوخ, يعني انا وسط عالم التحديث والتجديد والدهشة, يثيرني كل ما هو جديد وطليعي, انا فنان تجريبي لا استجيب للماضي بقدر ما احفظه كذكرى لا اكثر ,انا لا ارسم الشجرة او الحصان ! ولا حتى الانسان الذي عمر ملايين السنين وادعي انني فنان حداثوي؟ بل ارسم حلمه واثره وربما أفكاره.
جميع التعليقات 1
خضير النزيل
حوار جميل لفنان واثق من نفسه ومبدع بإمتياز،تحية أخي فاضل نعمة