الكثير من العراقيين اليائسين من الحال، وغير المتفائلين بإمكانية أن يتبلور إصلاح سياسي من داخل البرلمان، يبحثون عن حل مبتكر وأسلوب فريد لمعالجة وضعنا الشائك. ويتحدثون عن أمنيتهم بتعديل الدستور بحيث يكون لدينا نظام رئاسي، يتاح فيه للرئيس المنتخب مباشرة من الشعب، أن يكون حرا بلا قيود، ومتحمسا بلا منغصات، لتطوير بلادنا ووضعها في مصاف الأمم المتقدمة.
ولا غبار على هذه الأمنية سوى أنها تنكر حقيقتين: الأولى أن المالكي فعليا وبحكم الأمر الواقع الذي غرقنا فيه، يمتلك صلاحيات الرئيس المطلق والحاكم الذي يحسده كل الحكام.
والرجل اصبح رئيسا مطلقا، لأنه استولى تقريبا على كل المال، وكل الجند، وضرب الدستور عرض الحائط في ما يتصل بضوابط الإنفاق المالي وتحريك العساكر، وسوى هذا طبعا، بلا حسيب ولا رقيب.
لقد قامت دولته الأحد، بنصب أول منطاد مراقبة ببغداد يمكنه تعزيز الأمن، بينما كان لدينا فعليا بضعة مناطيد أميركية انسحبت مع فيالق واشنطن، لأن السلطان لم يقم بشرائها ولا اقتراضها من "الحليف الستراتيجي". ولو كانت حرية السلطان منقوصة برقابة دستورية، لقيل له: ولماذا بقيت بغداد سنتين بدون مناطيد مراقبة لا تساوي قيمتها شيئا؟ ومن يتحمل ثمن الدم الذي سال بسوء التدبير؟
ولأنه حاكم مطلق لا يقيده شيء، فإنه يعتقل بمزاجه، ويطلق سراح المعتقلين بمزاجه أيضا. وفي وسعكم استعراض حالات الاعتقال الشهيرة التي طالت شخصيات وناشطين معروفين بعد كل تظاهرات، ثم إطلاق سراحهم، دون توضيح أو تفسير. ولو كان هناك برلمان يقيد ويراقب، لما حصل هذا التصرف الفاسد وغير المسؤول. وماذا يمكن أن نقول عن آلاف الأبرياء في السجون؟
ولأنه حاكم مطلق وبلا رقابة، فإننا اصبحنا لا نثق بوعوده وتصريحاته. قبل سنتين شعر بالقلق من التظاهرات، فقرر خفض رواتب الكبار، وحين هدأ الناشطون تناسى الأمر وجمد الخفض واستأنف الهدر وشراء الذمم، وهاهو اليوم يكلف الشهرستاني بتخفيض جديد، ولا ندري ماذا سيكون مصيره خلال الأسابيع المقبلة، كما تتساءل ناشطتنا المخضرمة هناء أدور.
أما الحقيقة الثانية التي يتناساها أصحاب أمنية النظام الرئاسي، فهي ان البرلمان قوي صاحب كلمة وشوكة وضمان لمنع الدكتاتورية وشهواتها المخزية. والبرلمان منيع ومحصن في كل نظام رئاسيا كان أم برلمانيا، ما يعني ان الرئيس ليس حرا في كل الأحوال. ويروق لي ان أقتبس من مقال للسيد عادل عبد المهدي نشر امس، هذا الاقتباس الطويل، وأتمنى ان نحفظه عن ظهر قلب كأمة تحتاج إلى أن تتعلم:
"النظام الأميركي رئاسي بصلاحيات واسعة للرئيس. لكن النظام لا يقدمه على الكونغرس، ليس دستورياً فقط، بل بالإشارات والاعتباريات. الكونغرس بني من حجر جبلي (المرمر) للصلابة، بينما بني البيت الأبيض من الحجر الرملي. ويستطيع أي مواطن زيارة الكونغرس إلا الرئيس فهو بحاجة لموافقة الكونغرس. وعندما يخرج الرئيس من الباب الخلفي للبيت الأبيض سيواجهه تمثال الرئيس الثالث "جيفرسون" كاتب مسودة إعلان الاستقلال. وكأنه يقول له: سواء أخرجت من الباب الأمامي أو الخلفي ستواجه الدستور والكونغرس، فانتبه، فرغم صلاحياتك وقوتك ولكن صلاحيات وقوة ممثلي الشعب أكبر منك".
وبالطبع فليس المالكي أبراهام لنكولن، ولا برلماننا كونغرس فخم، ولا نحن بخبرة الشعوب المتقدمة التي التقطت أنفاسها وتأملت في أحوالها وتجنبت المعارك المزيفة التي أهدرت طاقاتنا. لكن هذا لا يعفينا من الضرب على الحديد، كي تنضج الإفهام والتصورات، ونعثر على صورة غير مشوشة، لأخطائنا الرهيبة. إن النظر في صورة واطئة الجودة، للمرض، تورطنا بدواء معكوس. حاكمنا لا يحتاج إلى المزيد من الحرية، بل رقابة وحسابا وكتابا، كي لا يخرج ثانية ويقول ان الشهرستاني لم يخبره عن محطات الغاز، وأنه لم يعلم باعتقال الشباب في دار فيصل السهلاني، وكل السهلانيين من نينوى إلى البصرة.
لأن المالكي "رئيس" بلا قيود
[post-views]
نشر في: 2 سبتمبر, 2013: 10:01 م
جميع التعليقات 1
محمد نعيم القريشي
لكل زمان رجاله وهذا زمان المالكي وضحية هذا الزمان هذا الشعب الفقير الذي انا احدهم ننتظر الموت او العوق بروح رياضية فهذا عراق المالكي الجديد الذي لا ترى فيه اي امل او فسحة امل لعيش كريم ولو بنسبه بسيطة لقد تباها المالكي بمنجزه العظيم وهوبسط الامن وها هو