TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > صندوق الخاتون

صندوق الخاتون

نشر في: 3 سبتمبر, 2013: 10:01 م

قبل ان يعرف العراقيون الطاقة الكهربائية ، وفي أمسيات الشتاء ، تعقد الجدّة حلقتها اليومية، لتسرد للأبناء ما حفظته ذاكرتها من قصص خيالية ، ويكشف الضوء الشحيح المنبعث من الفانوس علامات الدهشة والترقب ورغبة السامعين في معرفة المزيد من التفاصيل ، وعندما يفرض النعاس سطوته على الصغار، يستكمل الفصل الآخر من القصة في مساء اليوم التالي.
الجيل السابق من العراقيين ممن توفرت له فرصة الاستماع الى قصص جدّاتهم ، تعرفوا على عوالم خيالية ، وابدوا انحيازهم الواضح لقوى الخير في صراعها ضد الأشرار ، وفي بعض الأحيان وقبل ان تصل القصة الى نهايتها ، يرددون الدعاء مع جدتهم ، لإنقاذ حمدان الصياد من السقوط في فخ السعلوة ، لأنها تمثل الشر ، وطرف الصراع الساعي لفرض إرادتها بكل السبل والوسائل ومنها الخديعة للنيل من ضحاياها ، وبمرور الزمن ظل الصراع قائماً ، لكن أدواته تغيرت ، وعندما انتفت الحاجة لقصص الجدة في زمن التكنولوجيا ، افرز الواقع نماذج جديدة لأدوات الصراع ، فاخذ طابعاً سياسياً واجتماعياً واقتصادياً .
ماشهدته الساحة العراقية من أحداث ، طيلة عشرات السنين الماضية ، وفرت لجيل جديد من السعالي فرصة الانتقال من الخيال الشعبي الى الواقع ، ومنذ تأسيس الدولة العراقية حتى الآن ، كانت إدارة السلطة ، مصدر خلاف دائم يعبر عن صراع محتدم ، وصل في كثير من الأحيان الى استخدام التصفية الجسدية ضد الخصوم والمعارضين للتشبث بالسلطة الى يوم القيامة ، وهذه المعادلة المضطربة ، تنتظر حلولاً "ديمقراطية حقيقية" لينتصر حمدان الصياد على" السعلوة " بدعاء السامعين و بعد التعرف على محتويات" صندوق الخاتون" .
الخاتون هي الزوجة الثانية لاحد كبار تجار زمانه ، روجت امتلاكها مصوغات ذهبية وجواهر نادرة ، كانت محفوظة في صندوقها الخاص ، وقصة "صندوق الخاتون " كانت تثير تساؤلات السامعين لمعرفة حقيقة محتوياته ، لشكوكهم من احتمال ان يضم أشياء لا تناسب شهرته وسمعته ، ولاسيما ان الخاتون كانت تواجه مخططات تآمرية من ضرّتها، ويكشف مسار سرد الحكاية الشعبية ، ان الصندوق وعلى خلاف ماروج عنه، كان يحتوي الحصى وخرز إبعاد الحسد وأشياء أخرى بإمكان النساء حيازتها من دون ثمن .
بعد معرفة المحتويات الرخيصة في "صندوق الخاتون" ابدى السامعون أسفهم لفشل حمدان الصياد ، في الانتصار على السعلوة ، لوصولهم الى حقيقة ان "الحل الديمقراطي" لجعل السلطة معبرة عن إرادتهم بات أمراً مستحيلاً ، لان بعض النخب السياسية الحالية ، تشبه الى حد كبير خرز" الخاتون " احتفظت بها لغرض إحباط مخططات الضرّة لتحظى بحب زوجها.
العملية السياسية الطريحة على " فراش المرض" منذ سنوات لأسباب كثيرة ، من ابرزها الخلاف على اعتماد مفهوم موحد لإدارة الدولة بأمس الحاجة اليوم الى وقفة جادة لمنع " السعلوة " من الوصول الى السلطة بتحالفها مع الطنطل .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

العمود الثامن: ليلة اعدام ساكو

العمود الثامن: المستقبل لا يُبنى بالغرف المغلقة!!

العراق.. السلطة تصفي الحق العام في التعليم المدرسي

العمود الثامن: ليلة اعدام ساكو

 علي حسين الحمد لله اكتشفنا، ولو متاخراً، أن سبب مشاكل هذه البلاد وغياب الكهرباء والازمة الاقتصادية، والتصحر الذي ضرب ثلاثة أرباع البلاد، وحولها من بلاد السواد إلى بلاد "العجاج"، وارتفاع نسبة البطالة، وهروب...
علي حسين

قناطر: المسكوت عنه في قضية تسليم السلاح

طالب عبد العزيز تسوِّق بعضُ التنظيمات والفصائل المسلحة قضية الرفض بتسليم أسلحتها الى الدولة على أنَّ ذلك قد يعرض أمن البلاد الى الخطر؛ بوجود تهديد داعش، والدولة الإسلامية على الحدود مع سوريا، وأنَّ إسرائيل...
طالب عبد العزيز

ناجح المعموري.. أثر لا ينطفئ بعد الرحيل

أحمد الناجي فقدت الثقافة العراقية واحداً من أبرز رموزها الإبداعية، وهو الأديب ناجح المعموري الذي توزعت نتاجاته على ميادين ثقافية وفكرية متعددة، القصة والرواية والنقد والميثولوجيا. غادرنا بصمت راحلاً الى بارئه، حيث الرقدة الأخيرة...
أحمد الناجي

من روج آفا إلى كردستان: معركة الأسماء في سوريا التعددية

سعد سلوم في حوارات جمعتني بنخبة من المثقفين السوريين، برزت «حساسية التسميات» ليس كخلاف لفظي عابر، بل كعقبة أولى تختزل عمق التشظي السوري في فضاء لم تُحسم فيه بعد هوية الدولة ولا ملامح عقدها...
سعد سلّوم
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram