TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > ما غريب إلا الشيطان يا تيم أرانغو!

ما غريب إلا الشيطان يا تيم أرانغو!

نشر في: 4 سبتمبر, 2013: 10:01 م

الصحفي الأميركي النبه تيم أرانغو الذي يدير مكتب "نيويورك تايمز" في بغداد، تحدث في آخر تقاريره المميزة عن واحدة من المفارقات الكثيرة التي نعيشها مع حكومة إذ نصفها بالفاشلة فإنما نعكس واقعاً لم نكن نرغب فيه. فكلفة فشل الحكومة نحن من يدفعها، وهي كلفة ثقيلة ثمنها الأمن المُفتقد والاستقرار المُضاع، والحريات الناقصة والخدمات الأساسية الشحيحة، والمستقبل الموضوع على كفّ عفريت.
أرانغو كتب عن خطة لإنشاء متحف حكومي يُحيي ذكرى ضحايا الاستبداد والقمع الدكتاتوريين في عهد صدام، ويحفظ الشواهد على الانتهاكات الفظة لحقوق الإنسان. لكن الزميل الأميركي يسجّل باندهاش ان الحكومة التي تقوم بهذا تمارس هي أيضاً ما لا يفرق كثيراً عن ممارسات نظام صدام على صعيد حقوق الانسان.
في عهد صدام كانت الملاحقات والتعذيب والقتل ممارسة روتينية، ضحاياها ليسوا فقط من المناوئين والمعارضين وإنما أيضاً كثيرون ليسوا كذلك، وهم ممن نصفهم تقليدياً بانهم "من أهل الله". والآن في عهد نوري المالكي تتواصل الممارسات ذاتها .. الإجحاف والتمييز والاعتقال غير القانوني والمعاملة الوحشية من قبل عناصر الأمن والقوات الخاصة، وحتى القتل.
ويلاحظ أرانغو تلاشياً في الأمل بتحقيق الاستقرار بعد عشر سنوات حافلة بالعنف، فيما تتضاعف المخاوف من عودة العهد الجديد الى الأساليب ذاتها التي انتهجتها أجهزة صدام القمعية ضد ناخبي المالكي من الشيعة!
واستحضر أرانغو حملات الاعتقال العشوائية التي شُنت في الأسابيع الأخيرة بعد تفاقم الهجمات الإرهابية، وما رافق تلك الحملات من "تعذيب لانتزاع الاعترافات والاستغلال المشين لشهادات المخبرين السريين في كيل اتهامات وطلب رشا بشكل متكرر من عائلات المعتقلين".
نضيف الى معلومات الزميل الاميركي القيّمة ان الممارسات القمعية غير القانونية لا تقتصر على المشتبه في انهم إرهابيون .. فالشباب الوطني الذي تظاهر السبت الماضي ضد فساد الطبقة السياسية تعرض للمعاملة السيئة، خصوصاً في بغداد والناصرية، برغم ان المطالب التي نادى بها المتظاهرون أقرّ المالكي وحزبه بانها صحيحة ومُحقة ودستورية وان التظاهرات كانت سلمية، والدستور يكفل حرية هذا النوع من التظاهرات.
وفي احدى الوقائع جرى، على هامش التظاهرات، اعتقال شخصية سياسية وطنية معروفة، هو السيد عبد فيصل السهلاني الذي كان أحد المساهمين في كتابة دستور 2005، فقد دوهم بيته وأسيء اليه والى أفراد عائلته على نحو غير مبرر واقتيد الى المعتقل من دون مذكرة قضائية.. كل ذلك من دون أية تهمة محددة. .. فقط لأنه ينتقد في بعض الأحيان سياسات الحكومة ورئيسها.
وهذه صارت ممارسة روتينية، وهي تشمل حتى الشخصيات غير السياسية من الاختصاصيين في المجالات المالية والاقتصادية وسواها. ومن أبرز الأمثلة على هذا ما حدث لخبراء البنك المركزي، فقد لوحق واعتقل عدد غير قليل من أكثر قيادات البنك نزاهة ووطنية، كالمحافظ سنان الشبيبي ونائبه مظهر محمد صالح.. وحتى الآن، بعد مرور نحو سنة على تلك الإجراءات، لم تقدّم الحكومة أي دليل على صحة اتهاماتها الموجهة الى هؤلاء النساء والرجال الذين أمضى العديد منهم في الاعتقال أكثر من ستة أشهر في ظروف غير إنسانية، من دون التحقيق معهم أو توجيه تهمة اليهم.
المفارقة التي لفتت انتباه تيم أرانغو، يعيش العراقيون أشكالاً وألواناً منها على مدار الساعة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. abbas amir

    لقد بعثت بتعليق على مقالة السيد عدنان ولكنه لم ينشر . انه مستوفي الشروط الكاملة . هل هنالك ضوابط جديدة ؟ ام لانني ذكرت بان السيد عدنان غير من اهدافه بعد بداية كتاباته في المدى .

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram