TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > أسياد وعبيد الفن

أسياد وعبيد الفن

نشر في: 6 سبتمبر, 2013: 10:01 م

في أحد أيام زيارتي لعمّان ، أثناء إقامة معرضي نساء التركواز في دار الأندى ، كنت ضيفاً مع بعض الأصدقاء الفنانين في بيت عائلة صديقة . في الصالة كان هناك عمل فني معلق لفنان عراقي أثار انتباهنا ، فقال أحدنا ، هذا العمل لفلان من الفنانين ، فجاء جواب مضيفتنا بالنفي ، وقال الآخر بل أنه لفلان وأيضاً جاء الجواب لا ، وقال ثالث لقد عرفت ، أنه للفنان فلان وكانت المفاجئة أيضاً لا ، وعندما تجاوز عددنا الأربعة ، نحن الذين حاولنا أن نحزر أسم الرسام ، عندها تبرعت صاحبة البيت وذكرت أسم الفنان ، والذي يعرفه جميع الحاضرين أيضاً !! . ماذا يعني هذا والى ماذا يشير ؟
سأقول هنا ، بدون مواربة وبكل وضوح أن هناك احتمالين فقط لحدوث مثل ذلك ، أما أن ذائقتنا نحن الموجودين ، بسيطة وخبرتنا الجمالية لا يعوّل عليها في الحكم على الأعمال الفنية ومعرفة مرجعياتها ، أو أن الأعمال التي ينتجها الكثير من الفنانين اليوم متشابهة الى حد التلاصق والتقليد والنسخ ، وكأنها تتناسل من بعضها . فهل هناك ثمة حدود بين السرقة والتأثر ، وكيف يمكننا قياس أو معرفة أو تأكيد أصالة العمل الفني ، ترى الى أين يمكن أن تقودنا خطواتنا عندما نتأثر بالآخرين ، وما هي الضوابط التي تتحكم بذلك ؟ وأن وجدت فهل هي أخلاقية ؟ هل تعتمد على معايير معينة ومعروفة ؟ أم هي محض مسألة خاصة لها علاقة بشخصية ( الفنان ) الذي يتأثر وسهولة انقياده الى تجارب الآخرين ؟ والسؤال المهم أيضا برأيي هو ، كيف يمكن لأحدهم أن يفتح الأسوار المؤدية الى بساتين الآخرين ليقطف أزهارهم كما يشاء ويدوس عشب لوحاتهم الأخضر بقدميه دون تردد وبلا تحفّظ أو رادع ؟
لقد تأثر الكثير من الفنانين بفنانين آخرين وذهبوا بعيداً في ذلك ومدوا أصابعهم الى أقصاها للحصول على نتائج أجتهد آخرون في الوصول اليها ، وفي حالات كثيرة لا نستطيع التمييز بين الاثنين ، أو الثلاثة أو الأربعة .... إلا بفروقات بسيطة . برأيي هذا شيء خطير وفيه استسهال كبير في الاتكاء على تجارب الآخرين ورؤاهم ، السير فوق خطواتهم ومزاحمتهم على طريقهم الخاص الذي أسسوه لأنفسهم بشق الأنفس . ليس هناك فنان لم يتأثر بفنانين آخرين ، فتأثرنا بأعمال فنان ما هو دليل على ذائقتنا الجمالية وحساسيتنا أزاء الأعمال الفنية الجميلة والمؤثرة والتي علينا أن ننجز أعمالاً بقوتها وأهميتها ، لا أن ننسخها هي نفسها بالذات ، ففي الفن علينا أن نكون أسياداً لا عبيداً ، أن نفتح نافذة تطل على عالمنا الخاص ، أن نزرع أرضاً جديدة حتى وأن كانت بذورنا من نتاج حقل بسيط .
الانتباه الى ذلك في الفن بشكل عام والفن العراقي بشكل خاص ليست عملية شائكة أو صعبة ، هي موجودة ، لكن بدرجات مختلفة بالتأكيد ، وليس على الفنان أن يستشيط غضباً حين يشير الآخرون الى أن عمله قريب من هذا أو ذاك من الفنانين ، فدرجة الكمال لن يبلغها أحد وهنا يكمن السر والعظمة ، هنا يكمن البحث المشوّق في الفن . علينا أن نواجه أعمال الآخرين ، وآرائهم كذلك حول أعمالنا بقميص مفتوح الأزرار وبروح محبة للجمال والعدل أيضاً . في النهاية يبقى التأثر بكل درجاته شيئاً مشروعاً في الفن ، أما السطو على أعمال الآخرين ونسخها فالعملية رخيصة ولا تختلف عن تزييف السلع أو حتى النقود .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: أحلام المشهداني

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

قناديل: بغدادُنا في القلب

عنوانان للدولة العميقة: "الإيجابية.. و"السلبية"

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

 علي حسين ما معنى أن تتفرغ وزارة الداخلية لملاحقة النوادي الاجتماعية بقرارات " قرقوشية " ، وترسل قواتها المدججة لمطاردة من تسول له نفسه الاقتراب من محلات بيع الخمور، في الوقت نفسه لا...
علي حسين

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
د. فالح الحمراني

السرد وأفق الإدراك التاريخي

إسماعيل نوري الربيعي جاك لوغوف في كتابه "التاريخ والذاكرة" يكرس الكثير من الجهد سعيا نحول تفحص العلاقة المعقدة، القائمة بين الوعي التاريخي والذاكرة الجماعية. وقد مثل هذا المنجز الفكري، مساهمة مهمة في الكتابة التاريخية،...
إسماعيل نوري الربيعي

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

توماس ليبلتييه ترجمة: عدوية الهلالي بالنسبة للبعض، تعتبر الرغبة في استعمار الفضاء مشروعًا مجنونًا ويجب أن يكون مجرد خيال علمي. وبالنسبة للآخرين، فإنه على العكس من ذلك التزام أخلاقي بإنقاذ البشرية من نهاية لا...
توماس ليبلتييه
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram