في أحد أيام زيارتي لعمّان ، أثناء إقامة معرضي نساء التركواز في دار الأندى ، كنت ضيفاً مع بعض الأصدقاء الفنانين في بيت عائلة صديقة . في الصالة كان هناك عمل فني معلق لفنان عراقي أثار انتباهنا ، فقال أحدنا ، هذا العمل لفلان من الفنانين ، فجاء جواب مضيفتنا بالنفي ، وقال الآخر بل أنه لفلان وأيضاً جاء الجواب لا ، وقال ثالث لقد عرفت ، أنه للفنان فلان وكانت المفاجئة أيضاً لا ، وعندما تجاوز عددنا الأربعة ، نحن الذين حاولنا أن نحزر أسم الرسام ، عندها تبرعت صاحبة البيت وذكرت أسم الفنان ، والذي يعرفه جميع الحاضرين أيضاً !! . ماذا يعني هذا والى ماذا يشير ؟
سأقول هنا ، بدون مواربة وبكل وضوح أن هناك احتمالين فقط لحدوث مثل ذلك ، أما أن ذائقتنا نحن الموجودين ، بسيطة وخبرتنا الجمالية لا يعوّل عليها في الحكم على الأعمال الفنية ومعرفة مرجعياتها ، أو أن الأعمال التي ينتجها الكثير من الفنانين اليوم متشابهة الى حد التلاصق والتقليد والنسخ ، وكأنها تتناسل من بعضها . فهل هناك ثمة حدود بين السرقة والتأثر ، وكيف يمكننا قياس أو معرفة أو تأكيد أصالة العمل الفني ، ترى الى أين يمكن أن تقودنا خطواتنا عندما نتأثر بالآخرين ، وما هي الضوابط التي تتحكم بذلك ؟ وأن وجدت فهل هي أخلاقية ؟ هل تعتمد على معايير معينة ومعروفة ؟ أم هي محض مسألة خاصة لها علاقة بشخصية ( الفنان ) الذي يتأثر وسهولة انقياده الى تجارب الآخرين ؟ والسؤال المهم أيضا برأيي هو ، كيف يمكن لأحدهم أن يفتح الأسوار المؤدية الى بساتين الآخرين ليقطف أزهارهم كما يشاء ويدوس عشب لوحاتهم الأخضر بقدميه دون تردد وبلا تحفّظ أو رادع ؟
لقد تأثر الكثير من الفنانين بفنانين آخرين وذهبوا بعيداً في ذلك ومدوا أصابعهم الى أقصاها للحصول على نتائج أجتهد آخرون في الوصول اليها ، وفي حالات كثيرة لا نستطيع التمييز بين الاثنين ، أو الثلاثة أو الأربعة .... إلا بفروقات بسيطة . برأيي هذا شيء خطير وفيه استسهال كبير في الاتكاء على تجارب الآخرين ورؤاهم ، السير فوق خطواتهم ومزاحمتهم على طريقهم الخاص الذي أسسوه لأنفسهم بشق الأنفس . ليس هناك فنان لم يتأثر بفنانين آخرين ، فتأثرنا بأعمال فنان ما هو دليل على ذائقتنا الجمالية وحساسيتنا أزاء الأعمال الفنية الجميلة والمؤثرة والتي علينا أن ننجز أعمالاً بقوتها وأهميتها ، لا أن ننسخها هي نفسها بالذات ، ففي الفن علينا أن نكون أسياداً لا عبيداً ، أن نفتح نافذة تطل على عالمنا الخاص ، أن نزرع أرضاً جديدة حتى وأن كانت بذورنا من نتاج حقل بسيط .
الانتباه الى ذلك في الفن بشكل عام والفن العراقي بشكل خاص ليست عملية شائكة أو صعبة ، هي موجودة ، لكن بدرجات مختلفة بالتأكيد ، وليس على الفنان أن يستشيط غضباً حين يشير الآخرون الى أن عمله قريب من هذا أو ذاك من الفنانين ، فدرجة الكمال لن يبلغها أحد وهنا يكمن السر والعظمة ، هنا يكمن البحث المشوّق في الفن . علينا أن نواجه أعمال الآخرين ، وآرائهم كذلك حول أعمالنا بقميص مفتوح الأزرار وبروح محبة للجمال والعدل أيضاً . في النهاية يبقى التأثر بكل درجاته شيئاً مشروعاً في الفن ، أما السطو على أعمال الآخرين ونسخها فالعملية رخيصة ولا تختلف عن تزييف السلع أو حتى النقود .
أسياد وعبيد الفن
[post-views]
نشر في: 6 سبتمبر, 2013: 10:01 م
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...