TOP

جريدة المدى > عام > اخشى على الاتجاه الوطني.. للثقافة العراقية

اخشى على الاتجاه الوطني.. للثقافة العراقية

نشر في: 7 سبتمبر, 2013: 10:01 م

لم يعد احد غافلا عن التحولات الفكرية التي انعطفت بقناعات الناس ومازالت تسيّر، او تفرض على الانسان محاولات اخر للتفكير والسلوك تهدف الى تأكيد ذاته بعد ان كانت لصالح الجماهير او الامة. المجالات الجديدة، من دون شك صنعتها المصالح الجديدة على مستوى المؤسس

لم يعد احد غافلا عن التحولات الفكرية التي انعطفت بقناعات الناس ومازالت تسيّر، او تفرض على الانسان محاولات اخر للتفكير والسلوك تهدف الى تأكيد ذاته بعد ان كانت لصالح الجماهير او الامة. المجالات الجديدة، من دون شك صنعتها المصالح الجديدة على مستوى المؤسسات الإنتاجية وعلى مستوى الامتداد الكولونيالي والاخير اليوم يتقدم بمظاهر مدنية ناعمة بدلا من العسكرية الخشنة.

فرح الفرد بتحقيق متعه الفردانية ادى الى زيادة هائلة في الاستهلاك فوقع الانسان نتيجة لذلك بين قطبي زيادة الانتاج وزيادة الاستهلاك وفي القطب الثاني يكمن الخطر.
خطورة القطب الثاني انه في الوقت الذي يسهم فيه بتوسيع وزيادة سطوة الانتاج او "رأس المال" يوفر لذه ومتعة في الاستجابة له "بدلا" من الاعتراض عليه.
كما صار اشباع اللذة التي حرمت الاجيال السابقة منها، هو التعبير عن حرية الفرد، وهذا أدى ويؤدي الى ضمور الاهتمام بالحياة العامة والمسؤولية الأخلاقية والوطنية عن حياة الجماهير ومستقبلها.
في هذا مكسب آني وفيه خسارة مستقبلية. ذلك ان توجيه الانسان الى فردانيته يؤدي بالتأكيد الى ضعف او غياب مشاركته الإنسانية في أهداف كبرى كالحرية والمستقبل، ونرى في المشاركة الأخيرة ضمانا اكبر فيما بعد لحريته الفردية.
قد لايكون لنا اعتراض على ما يجري لو كانت شعوب العالم الثالث وما دونها مستوى حضاريا، قد حققت حرياتها العامة وتخلصت من سطوة القوى المهيمنة واستطاع الفرد فيها ان يضمن قوتا وسكنا وصحة وامنا لكن هذه الشعوب دون ذلك كثيرا في وقتنا الحاضر والمصالح الكبرى ترسم للناس اليوم كيف تعيش وكيف تفكر وكيف تلبس وكيف تغنّى.. بما امتلكت من اجهزة واسعة ومؤسسات واجهزة تتحكم بالذوق والاحلام.
باختصار ما يجري اليوم هو هجوم على المشروع الانساني وعلى مفهوم الانسانية المشتركة سواء الاممية بعامة او الاسيوية او الافريقية او الاسلامية او العربية وحتى الشرق اوسطيه ان لم تكن كومونويلثَ جديدا.
والسؤال الان ماذا يعني ابتعاد الانسان او لامبالاته بالمهام الوطنية والانسلاخ عن روح الجماهير؟ انه يعني محو الحركات الوطنية والنضال الشعبي واعتبار الاهداف المستقبلية كحرية الشعب ومستقبله الافضل مهاما تحققها العولمة او التدويل وان الشعوب سيشملها التقدم والتقدم مرهون بتقدم وسعة نفوذ وفعل الشركات ومؤسساتها التي تشكل اليوم لا نفوذ الكولونيالية الجديدة ولكن جيشها المدني الحديث!
وللوصول الى الهدف تسعى هذه البرامج لاضعاف الصناعة المحلية وتحويلها الى صناعة تجميعية وثقافة تجمعية ثم نخب تجميعية مختارة تعوض عن الجيوش الحاكمة. وبهذا تكون الشعوب قد استسلمت تحت واجهات ثقافية رسمت بعلمية "صناعية" عالية.
ما دفعني لهذا الكلام هو اني ارى الثقافة الوطنية العراقية تخسر مذاقها وامتيازها الاصيل في توجهها الوطني النضالي امام ثقافة جديدة مغرية نحن في عطش لها وفي حاجة اكيدة ايضا. ولكن ضمن ذلك ومن خلال ذلك يتم التبشير باخلاقيات براجماتية تأخذ شكل فلسفة القوة يقابلها التكيف والاذعان. حتى بدأت تختفى كلمة الجماهير .. وما يؤخذ في الحسبان هو ان المقولات الجديدة تروج لاحداث تغييرات في المنظومات الفكرية لتقبل الجديد المقترح والمؤسس له.
لا اعتراض لنا قطعا ان كانت فرصة للاطلاع على المنجز الانساني في الثقافة والعلوم والادارة والفن فذلك ما يمكن ان يكون ضمن اسلحة النضال الوطني، لكنني امام اشكال هو ان المرحلة بين تحرر هذه الشعوب من الديكتاتوريات والعسكراتية والتخلف الى مرحلة تكون فيها ضمن المنظومة العالمية، هي مرحلة لاتبدو قصيرة وليس صحيحا تجميد الجهد النضالي الشعبي مبكرا بانتظار ان تحقق قوى الهيمنة و"التحريرية" ذلك وتوفر علينا جهد الوصول وتضحياته.. فالمسافة بيننا وبين ذلك كافيه لاتلاف كل القيم والطاقات في منطقة الانتظار هذه وقد يكون هذا مقصوداً اساسا ليكون التأسيس على ارض مدمرة من غير قيم نضالية من غير قيم وطنية ومن غير مشتركات انسانية. وهذا يعني اننا سنواجه اكبر تدمير في التاريخ للحلم والمشروع الوطني. ان الحاجة الى النضال الوطني من اجل المستقبل تزداد في ازمنة متخلخلة كهذه. و بروح النضال الوطني هذه يمكن الاستفادة كل الاستفادة من ايجابيات العولمة الثقافية والفكرية والاقتصادية وليس ابدا بمعزل عنها.
الاتجاه الوطني للثقافة العراقية هو امتيازها التاريخي الذي طبع ادابها وفنونها ورسم خط تواصلها مع روح الشعب. فبم تمتاز اذا خسرته؟ اننا لن نستطيع امتلاك مزية اصيلة تعوضنا عن هذا المذاق الوطني وعن هذا الأفق الإنساني الذي يصلنا بجبهة الشعوب المناضلة من اجل حريتها وتقدمها. ان فكرة التحديث الحقيقي لاتتم بمعزل عن نزوع وطني حي يصاحب مفهومي الإنماء والتطور. فليس خافيا انهم اليوم يمنحون الثقافة دورا ايديولوجيا مضادا يفضحه انهم بكل وقاحة يضعون مصطلح "الرأسمالية العلمية" مقابلا "للاشتراكية العلمية"!
الطريق الصحيح هو ان تحتفظ الثقافة العراقية باتجاهها الوطني وتغتني بكل المنجز الإنساني الحديث والباهر لضمان الوصول الى منطقة الضوء حيث القاسم المشترك لكل اتجاهات التقدم الحضاري دونما أي كراهية او نفور من أي جديد، بل الاستفادة الحقيقية من كل ذلك. هذا هو الطريق الصحيح للوصول الى ثقافة وطنية حديثة وهو ايضاً طريق الوصول الى كونية او عالمية حقيقية سليمة!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

تضاربات بين مكتب خامنئي وبزشكيان: التفاوض مع أمريكا خيانة

حماس توافق على وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى

البرلمان يعدل جدول أعماله ليوم الأحد المقبل ويضيف فقرة تعديل الموازنة

قائمة مسائية بأسعار الدولار في العراق

التسريبات الصوتية تتسبب بإعفاء آمر اللواء 55 للحشد الشعبي في الأنبار

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: الدرّ النقيّ في الفنّ الموسيقي

في مديح الكُتب المملة

جنون الحب في هوليوود مارلين مونرو وآرثر ميلر أسرار الحب والصراع

هاتف الجنابي: لا أميل إلى النصوص الطلسمية والمنمقة المصطنعة الفارغة

كوجيتو مساءلة الطغاة

مقالات ذات صلة

علم القصة: الذكاء السردي
عام

علم القصة: الذكاء السردي

آنغوس فليتشرترجمة: لطفيّة الدليميالقسم الاولالقصّة Storyالقصّة وسيلةٌ لمناقلة الافكار وليس لإنتاجها. نعم بالتأكيد، للقصّة إستطاعةٌ على إختراع البُرهات الفنتازية (الغرائبية)، غير أنّ هذه الاستطاعة لا تمنحها القدرة على تخليق ذكاء حقيقي. الذكاء الحقيقي موسومٌ...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram