إما أن الحكومة تفترض أن الشعب مجموعة من المختلين عقليا، أو أنها مصابة بداء عضال يجعلها ترى هلاوس وضلالات على أنها حقائق.. وفي الحالتين يبدو المشهد اليومي في العراق وقد انقلب إلى حالة كوميديا، بحيث تحول الخطاب الحكومي إلى قفشات، على اعتبار أننا شعب يسعى للد خول إلى موسوعة غينس في مجال السخرية .
خذ مثلا ذلك الربط العبقري الذي توصلت إليه وزارة الداخلية بين الفشل الأمني، و اصطياد العراقيين وحبسهم في البيوت ضمن نظرية الزوجي والفردي .
هذه المرة تخلت وزارة الداخلية عن أسلوبها المعتاد عند كل إجراء يضر بمصالح الناس.. في المرات السابقة كان غلق الشوارع يأتي ــ بمحض الصدفة السعيدة - وبعدها يجري حديث صاخب عن أن البلاد مستهدفة ،وان هناك مؤامرة تريد الإطاحة بالتجربة الرائدة في العراق.. وان المنطقة الخضراء أغلى من حدقات العيون ، ومن ثم لا مناص عن الإبقاء على حالة "التضييق"، ومطاردة الناس في أرزاقهم وحياتهم .
السيناريو هذه المرة جاء مختلفا، إذ أصدرت وزارة الداخلية بيانات تتحدث عن الانتصارات التي حققتها قواتنا الأمنية، وسوقت لنا بضاعة من الإجراءات الأمنية التي تريد ان تثبت من خلالها ان البلاد، ورغم أنها مقبلة على مرحلة من الاستقرار، فلا بأس ان تنفض الغبار عن قوانين سيئة السمعة، مثل قانون الزوجي والفردي لتبقى جاثمة على صدور العباد والبلاد .
ودعوني أتساءل هل يعلم السادة القائمون على وزارة الداخلية، أن العمل على تحقيق نظريتهم الأمنية "الغريبة" قد أصاب حياة العراقيين بالشلل؟!. فمنذ أن أعلنت الحكومة أن خطة وزارة الداخلية لحماية العراقيين قد أعدت بنجاح، والفوضى أصابت مرافق البلاد جميعها، ولأن الناس تعيش عصر قرارات الدائرة الضيقة فلا أحد يعرف ماذا يجري ولماذا كل هذه القرارات "القرقوشية"!
ودعوني أتساءل ما الذي يمنع المسؤولين على وزارة الداخلية من أن يخرجوا إلى الشوارع، ويروا ماذا فعلت قوانينهم وقراراتهم الغريبة، وكيف حولوا مدن العراق إلى غابات من السيطرات التي لا همّ لها سوى مضايقة الناس وفرض لغة التهديد والوعيد على كل من يعترض.
ولا أدري إن كانت وزارة الداخلية تصدق نفسها، وهي تحاول إيهام العراقيين بأن البلاد تمر بظرف استثنائي يتطلب الإبقاء على قوانين استثنائية، إلى الحد الذى دفع الناس الى الايمان بان السادة في الحكومة يعتقدون أنهم يحتلون بلدا اسمه العراق، ومن ثم فهم مضطرون لإصدار قوانين تحسب على الناس أنفاسها.
غير أن قائمة الأقوال المأثورة لوزارة الداخلية لم تخل من نظريات أخرى عبثية وتهريجية، منها مثلا ما صيغ على النحو الآتي: "ان هذا القرار جاء لتقليل السيارات في العاصمة بغداد ولتقوم الأجهزة الأمنية بتدقيق وتفتيش جميع المركبات".. ونسي القائمون على كتابة البيان ان الأجهزة الأمنية منذ سنوات وهي تطبق نظرياتها الأمنية وتحاصر مدن العراق.. وتطالب الناس بإثبات أنسابهم وقبائلهم ومناطق سكناهم حتى توهم البعض ان قرارا سيصدر بتحديد أيام خروج السنة، وأيام تسمح للشيعة بالتمتع بالإجازة والعطلات الرسمية. ورغم ذلك لا أمن جاء، ولا استقرار بقي على حاله. وكانت النتيجة الوحيدة أننا أهملنا بناء البلاد، وعلقنا كل مشاكلنا على شماعة الإرهاب والأجندات الخارجية .
لماذا يراد منا ان نعيش دوما في ظل دولة "الخبراء" الذين ربما سيختارون لنا في المستقبل الوان الملابس التي نرتديها؟
المشكلة في ضيق أفق القائمين على شؤون البلاد الذين عجزوا طوال السنوات الماضية على أخذ موقف واحد يدفع البلاد الى الأمام.. سيتصور البعض من ضيقي الافق بان الاهتمام بقضية الزوجي والفردي بعيد تماما عن الإهتمام بالحريات ومطالب العدالة الاجتماعية.. لهم اقول أنها دوائر مترابطة، فالحرية لاتتجزأ..
"زوجي" للشيعة و"فردي" للسنة
[post-views]
نشر في: 7 سبتمبر, 2013: 10:01 م
انضم الى المحادثة
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
جميع التعليقات 3
iraqeman
تحية طيبة قبل قرار الزوجي والفردي _المطبق حاليا في طهران للعلم_ كنا نتعرض لهجوم الارهاب بواقع 10 الى 12 انفجار كل 3 ايام _السؤال الن يضطر الارهابيون بسبب القرار الحكيم الى تقسيم سياراتهم المفخخة الى يوميين داميين بدل الواحد؟ كنا نأخذ استراحة يومين او ثلا
الناصري
مع الأسف هذا تالي العراقيين صرنا زوجي وفردي أيبااااخخ عحيب أمور غريب قضيه ...!بعد وين
ملينة
لو يفيد الحجي جان حجينة