TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > لعنة مارتن لوثر على المسلمين

لعنة مارتن لوثر على المسلمين

نشر في: 8 سبتمبر, 2013: 10:01 م

كان الإفرنجة قبل ألف عام يبحثون في "العهد القديم" عن نبوءة حول مصير الإمبراطوريات الإسلامية، واعتقدوا ان الخليفة هو المسيح الدجال، الذي سيعني ظهوره قيام الساعة. لكن ريتشارد سوذرن في بحث مكثف ترجمه رضوان السيد قبل ربع قرن تحت عنوان "صورة الإسلام في أوروبا القرون الوسطى"، يرصد كيف نجح أذكياء أوروبيون في انتزاع الصراع السياسي مع الإسلام، من بطون التأويلات اللاهوتية، وحاولوا عقلنته، (وقالوا ان المسيح الدجال "اكثر فخامة" من الخليفة المسلم البدائي). فرفعوا حظر الكتب العلمية التي انجزها المسلمون، وترجموها وبدأوا بفهمنا بشكل براغماتي، سهل عليهم تحقيق تقدم مع انفسهم، ومعنا بالتأكيد.
وليس حالنا اليوم سوى لحظة تشبه كل ذلك التخبط الإفرنجي في صوغ معاني الصراع، اذ ان خلافاتنا السياسية الداخلية كمسلمين تطورت إلى درجة رهيبة تشبه عصر الكراهية اللاعقلانية في القرون الوسطى، ما جعلنا اسرى التأويل اللاهوتي، الذي يستخدم تناحر الفتاوى السنية الشيعية، في تعبئة الشباب على الجانبين، وجعلهم مستعدين للانخراط في أسوأ أشكال الذبح المقدس.
وربما لم يسبق للمسلمين تاريخيا، ان انشغلوا بهذا القدر الواسع من التكفير المتبادل، عبر الفضائيات المخصصة للثرثرة المذهبية، وكل هذا الاستخدام الطائفي للإنترنت. كل فريق يشيطن فريقه، ويرسم خرائط للسفياني والخراساني واليماني، ويبحث عن نبي جديد "يبيد" الفرق الضالة. ويتفاقم الأمر بالساعات، فالنقاشات تقوم بإسكات العقلانية الممكنة، والقراءات "الستراتيجية" لدى الطرفين باتت مجرد ترجمة لكراهية زخر بها الخلاف العقائدي، بحيث غابت أية جهود معقولة للبحث عن صلح أو سلام بين الطائفتين المنكوبتين، والجميع يضغط على الزناد انتظارا للحظة إبادة حاسمة.
إن سوريا والعراق وما اتصل بهما من ملفات، يمثلان اليوم اختبارا ثقافيا وأخلاقيا للشيعة والسنة، وليسا مجرد نزاع عابر. وفي وسع ما يجري في وادي الرافدين وأرض الشام ان يرسم مسارات ١٠٠ سنة مقبلة. وها هي مراكز القوى تحاول ان تخفي وراء عباراتها السياسية الحديثة، حقيقة أننا محتجزون داخل منطق الإبادة الذاتية الذي تزخر به حكايات الملاحم والفتن القديمة، كي نتقيأ أسوأ غرائزنا على المنابر، ثم يتحول ذلك إلى مواقف سياسية مليئة بالحمق والمآل الأسود. والمصيبة ان الدماء التي سالت حتى الآن، ليست في توقع كثيرين سوى مقدمة "للملحمة الكبرى" الآتية لا محالة. وهكذا يجري تخدير كل خيارات الوسطية والاعتدال، وفتح بوابات التاريخ أمام منطق اللاعودة الفريد.
ولكن هل فاتت الفرصة حقا وصرنا عاجزين عن تحويل لحظة الذبح العظيم هذه في سوريا والعراق، إلى محاكمة أخلاقية وعقلانية لكل ارث العداوات اللاهوتية والسياسية، كي نطرح الأسئلة الأولى: هل حقا ان من المستحيل على الطائفتين تقاسم خير هذه الأرض دون إراقة الدم؟ وهل حقا ان تعاليم الإمامية والمعتزلة والأشاعرة وحتى الحنابلة التيميين، تبيح دعم دكتاتوريات الموت او تنظيمات الموت، انتصارا لأهل "الحق"؟ من المستفيد من "تشويه الإيمان" وتعبئة "الجمهور المؤمن" ضد بعضه؟ وكيف سنضمن بقاءنا داخل المستقبل، وانتزاع اعتراف من الكون بأننا طرف مسؤول وشريك ملتزم، حين نعلن بصراحة عجزنا عن تصميم صيغ سلام، وحين يرتفع صوت مجانيننا، ويتظاهر عقلاؤنا بالصمت ويلوذون باليأس؟
ان احتجاز خلافنا السياسي في نزاع اللاهوت الذي يصوغ العلاقات الداخلية بين المسلمين اليوم، سيسهل تحقق لعنة توقعها المصلح المسيحي مارتن لوثر نهاية القرن ١٦ ذروة عصر الكراهية، يوم كان طاعنا في السن وغاضبا على بابا الكنيسة وخائفا من تقدم العثمانيين، فكتب ما يشبه نبوءة يائسة تقول "دعوا المسلمين يفعلون ما يشاؤون حتى ينزل بهم غضب الله في النهاية، ولننصرف للاهتمام بأنفسنا وطاعة ربنا حتى لا ندخل في عداد المحمديين الملعونين".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: ماذا يريد سعد المدرس؟

العمودالثامن: الخوف على الكرسي

العمودالثامن: قضاء .. وقدر

العمودالثامن: لماذا يطاردون رحيم أبو رغيف

لماذا دعمت واشنطن انقلابات فاشية ضد مصدق وعبد الكريم قاسم؟

العمودالثامن: أين لائحة المحتوى الهابط؟

 علي حسين لم يتردد الشيخ أو يتلعثم وهو يقول بصوت عال وواضح " تعرفون أن معظم اللواتي شاركن في تظاهرات تشرين فاسدات " ثم نظر إلى الكاميرا وتوهم أن هناك جمهوراً يجلس أمامه...
علي حسين

كلاكيت: رحل ايرل جونز وبقي صوته!

 علاء المفرجي الجميع يتذكره باستحضار صوته الجهير المميز، الذي أضفى من خلاله القوة على جميع أدواره، وأستخدمه بشكل مبدع لـ "دارث فيدر" في فيلم "حرب النجوم"، و "موفاسا" في فيلم "الأسد الملك"، مثلما...
علاء المفرجي

الواردات غير النفطية… درعنا الستراتيجي

ثامر الهيمص نضع ايدينا على قلوبنا يوميا خوف يصل لحد الهلع، نتيجة مراقبتنا الدؤوبة لبورصة النفط، التي لا يحددها عرض وطلب اعتيادي، ولذلك ومن خلال اوبك بلص نستلم اشعارات السعر للبرميل والكمية المعدة للتصدير....
ثامر الهيمص

بالنُّفوذ.. تغدو قُلامَةُ الظِّفْر عنقاءَ!

رشيد الخيون يعيش أبناء الرّافدين، اللذان بدأ العد التّنازلي لجفافهما، عصرٍاً حالكاً، الجفاف ليس مِن الماء، إنما مِن كلِّ ما تعلق بنعمة الماء، ولهذه النعمة قيل في أهل العِراق: "هم أهل العقول الصّحيحة والشّهوات...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram