كان مفاجئاً تصريح النائبة العراقية من كتلة الأحرار السيدة مها الدوري، أنّ تخصيص منحة نفطية للأردن مقدارها 25 مليون دولار، يُعد بمثابة "دعم للإرهاب"، كون المملكة تستضيف الكثير من قيادات حزب البعث العراقي المنحل، وكان مطلبها المفاجئ أكثر هو توزيع هذه الأموال على الشعب العراقي، والواضح أن السيدة الدوري "غايبة فيله"، وتجهل أن الأردن كان مستقراً للكثير من معارضي صدام قبل سقوطه، ولم يأخذ بالاعتبار سطوة الدكتاتور، ولا شعبيته الجماهيرية، الناجمة عن ما كان يُعلنه من مواقف قومية، بغض النظر عن صدقها أو ديماغوجيتها، والمدهش أنّ قيادات المعارضة التي اتخذت الأرض الأردنية مُنطلقاً لنشاطها، تصمت اليوم صمت القبور إزاء تهجّمات السيدة الدوري.
تجهل السيدة النائبة على ما يبدو، أنّ الأردن من أوائل الدول التي اكتوت بنار الإرهاب، وأن الجزء الأهم من موازنة أجهزته الأمنية، مُخصص لمكافحة هذه الآفة، سواءٌ داخل حدوده أو في دول الجوار، ولها أن تسأل حكومتها عن مساهمته في دحر التكفيريين، الذين سيطروا على الأنبار في مرحلة ما، دون منّة أو طلب المقابل، وتتجاهل أنّ الجهد الاستخباري الأردني تحديداً، كان السبب الأول والأخير في القضاء على الإرهابي أبو مصعب الزرقاوي، ودون أن يسمح لنفسه بالتدخل في الشؤون الداخلية للعراق، فإنه قدم هذه الخدمة المجانية للعراقيين جميعاً دون تمييز بينهم، وهو في الوقت عينه ظل يستضيف ما يقرب من نصف مليون عراقي، يُعاملهم معاملة الأردنيين، من حيث الخدمات والتمتع بالدعم المفترض أنه موجه للمواطنين تحديداً، وليس للمقيمين أو العابرين.
منذ أطيح بمملكة الهاشميين في العراق، وبالرغم من الأسى الناجم عن مجزرة قصر الرحاب، ظلّ الأردن وفياً لعلاقات حسن الجوار مع الشعب العراقي، بغض النظر عن حكامه، ذلك أن حسن الجوار من أساسيات السياسات الأردنية، وحتى بعد إطاحة صدام، الذي كان يقدم للأردن منحةً نفطيةً، تتجاوز كثيراً الخمسة وعشرين مليون دولار، ظل الأردن مُنفتحاً على حكام العراق الجدد، ولنا تذكيرها بأنّ أول زيارة قام بها الرئيس العراقي جلال طالباني إلى خارج العراق كانت للاردن، ولا نُذيع اليوم سراً حين نكشف أن بعض القوات الأجنبية، التي خلعت صدام والبعث، وأحلت مكانهم السيدة الدوري والذين معها، انطلقت من الأردن، تعبيرا عن القناعة بحق العراقيين في الحرية والديمقراطية والحياة الأفضل، حتى وهو يُدرك أن من سيحل محل صدام، لن يتعامل مع الأردن بنفس الأسلوب ولا بنفس الكرم.
بلغة الأرقام التي طرحتها السيدة الدوري، وكنا نكره ذكرها ونتجنب الحديث عنها تعففاً، يتمتع العراقيون المقيمون في الأردن، وهم عراقيون بغض النظر عن انتمائهم السياسي، رضيت الدوري أو رفضت، بكل الامتيازات الممنوحة للأردني على قلتها، فالعراقي يشتري كيلو الخبز ب 160 فلساً، بينما كلفته على الدولة تتجاوز 350 فلساً، ويتمتع بالكهرباء بأسعار مدعومة بأكثر من ثلثي كلفتها وبالماء المدعوم أيضاً، وأبناء العراقيين يدرسون مجاناً في المدارس الحكومية، وسياراتهم معفاة من الجمارك، وهي تستهلك البنية التحتية لشبكة الطرق، والمستثمرون في مشاريع يعمل بها العراقيون، يتمتعون بإعفاءات تستثير غيرة نظرائهم الأردنيين، وكنا نتمنى لو كانت مطالبة الدوري بتوزيع المنحة على الفقراء والمحتاجين منهم، أو لو اعتبرتها مساهمة في التزام الأردن بهم، دون أن يحاول مرةً واحدة، استغلال وجودهم على أراضيه من النواحي السياسية.
لسنا مع السياسات الأردنية الرسمية تجاه عراق ما بعد صدام، لكننا نأسف لنكران موقف الأردنيين من أشقائهم العراقيين، ونفتش عن عذر للسيدة الدوري، ربما يكمن في جهلها بواقع الأمور.
الأردن والمنحة العراقية والإرهاب
[post-views]
نشر في: 8 سبتمبر, 2013: 10:01 م
جميع التعليقات 1
مصطفى كامل
ولا نُذيع اليوم سراً حين نكشف أن بعض القوات الأجنبية، التي خلعت صدام والبعث، وأحلت مكانهم السيدة الدوري والذين معها، انطلقت من الأردن، تعبيرا عن القناعة بحق العراقيين في الحرية والديمقراطية والحياة الأفضل هذه شهادة يجب ان تكتب بماء الذهب، حفظاً لها من