للمرة الثانية تضعني الظروف بمواجهة عدو للعراقيين يظهر بين فترة وأخرى ليضعف معنوياتهم ويضاعف من مخاوفهم من كائنات مجهولة إضافة الى المخاوف الطبيعية من الكائنات البشرية بهيئة إرهابيين او قوات حكومية مأمورة !
كانت المرة الأولى في أواخر التسعينات حين سمعت بانتشار ظاهرة الجان في الأرياف العراقية فسعيت بحماس صحفية شابة لتتبع خيوطها حتى تمكنت من محاورة الجان في اغرب محاورة صحفية نشرت في ذلك الوقت في صحيفة عراقية وأخرى عربية قال لي فيها الجان ,عبر الفتاة الممسوسة به وبمساعدة الشيخ الذي يعمل على إخراجه منها , انه يسيطر فقط على الأشخاص الذين يعانون من ضعف في المعنويات والأعصاب كأن يمروا بأزمة نفسية او يتعرضون لصدمة فضلاً عن الأشخاص الذين يخشون الظلام...وعن سؤالي له عن سبب انتشاره في الأرياف قال ان سكان القرى والفتيات خصوصاً لايمتلكون الوعي الذي يجنبهم الوقوع تحت سيطرة الجان . وعن الشرائح الاخرى التي كان يستهدفها آنذاك قال ان هناك قوات من الجان –اغلبها جنيات – تستهدف الجنود العراقيين لتضعف معنوياتهم فيفروا من الجيش ..أما حين سألته عمن يسخره ومن أين مقدمه فقال انهم يأتون من اسرائيل ..وقتها دار الحديث الغريب على لسان فتاة تجهل القراءة والكتابة ولاتعرف ماهي اسرائيل وماذا يعني استهداف الجيش والأرياف كما ان الصوت الذي كانت تتحدث به وهي شبه نائمة كان صوت رجل مادفعني الى وضع مفاهيمي العلمية والمنطقية جانباً ومحاولة تصديق ما لايصدق رغم اني وضعت مع ذلك احتمالات استخدام علوم الباراسيكولوجي والتنويم المغناطيسي لاستغلال الفتيات والجنود خاصة وان الحكومة سمحت للعديد من اولئك الأشخاص الغرباء بافتتاح عيادات الاستشفاء بالقرآن الكريم وتبين فيما بعد ان اغلبهم لايعملون على إخراج الجان من المصابين بل إدخاله في أجساد اكبر عدد منهم أي ان العراق تعرض آنذاك لهجمة من عدو خفي أثرت على أعصاب أبنائه وجنوده وكانت نواة لظهور الفكر الإسلامي المتطرف في العراق ...
مؤخرا عادت أعصاب العراقيين الى الانهيار أمام حجم خساراتهم الأكبر ،وقبل أسابيع وبينما كنت في مجلس عزاء لاحد مسؤولي الصحوة الشجعان في قرية من قرى حزام بغداد واجهت ( الجان ) من جديد حين تلبس ابن الشهيد وابن شقيقته فصارا يصرخان بأصوات لا آدمية ويتلوى جسديهما تحت رحمة ألم نجهل كنهه ..كان المصابان قد شاهدا جثة الشهيد الذي فجر الإرهابيون سيارته بعبوة لاصقة فاختلط لديهم الخوف الشديد من المنظر الرهيب بالألم الأشد على فقدانه ليصبحا عرضة لصدمات نفسية ظهرت بهيئة (جان ) ..كان هذا تصوري رغم إنني شاهدت وسمعت ما لايدل على الإصابة بصدمة عصبية فقط والغريب أنها ليست الحالات الاولى في المنطقة وقد سبقتها حالات مماثلة كثيرة ..ربما هو عصر اللامنطق ذلك الذي يعيش فيه الشباب والفتيات في مختلف أنحاء العالم حياتهم بتلذذ بينما يشاهد الشباب العراقي نثار أجساد آبائهم او ينسون ملامح وجوههم القابعة في المعتقلات وينتظرون بلا امل فرص عمل وحياة آمنة ومستقبل خال من الرعب والظلم والإحباط..بعد كل هذا ايصعب على من يحاول إضعاف معنويات العراقيين وتدمير نفسياتهم ان يرسل لهم من يوهمهم بزحف جيوش الجان فيمعن في إخافتهم ...انها الحرب غير المتكافئة بين شعب أرهقته الحروب وسنوات الحصار والظلم والعنف والإرهاب وبين قوى مختلفة تتنازع أرضه وتاريخه وتحاول قضم ما أمكن من كعكته ..حرب بين شعب نفد رصيد أعصابه فصار عرضة للأمراض النفسية والجان وكل مايعمل على إعادته الى الخلف في زمن السباق نحو حياة افضل ..
زحف (الجان)
[post-views]
نشر في: 9 سبتمبر, 2013: 10:01 م