ما نُشاهده من قبح في شوارع المدن العراقية غالبا ما يُجمّله الليل، حيث تختلف الصورة تماماً إذا غابت الشمس فتبدو الاشجار خضراء ملونة والسيارات لاصفةً باهرة، والناس أكثر أناقة، حتى أن الفضائيات الحكومية تحرص على مراكمة لقطات طويلة منها تدأب على بثها ساعة تشعر بالإخفاق في مشاريعها الخدمية، في سعي لتغطية العجز عن إظهار مدننا كاملة، لذا فهي تمنحنا صورة الكترونية، افتراضية هكذا كما نفعل في صداقاتنا على الفيسبوك ومواقع التواصل الأخرى.
الغريب أيضاً أن الأمكنة التي نشاهدها في النهار، خلال تجوالنا اليومي كثيرا ما تصادفنا جميلة على الشاشات، وقد أضفت مصابيح الشوارع والسيارات عليها من الألق ما يخلب اللب لذا فهي تجعلنا في منطقة الحسرة والتمني أحياناً، ثم تدعونا للأسئلة التي منها تُرى لماذا تستحيل رؤية مدننا بذات الصورة الليلية، وهل لدى الحكومات ما يبرر عجزها؟ ثم ألا يليق بإنساننا المتعب المسكين ان يوجد في شوارع نظيفة، كازينوهات انيقة تقدم أفضل الخدمات، حدائق واسعة بأزهار كثيرة وأطفال حلوين، في المقابل من ذلك تقول الفطرة إن الانسان يحب المكان النظيف الجميل ويكره المكان الوسخ الملوث، يميل إلى من يشاركه الشعور بالجمال وينفر ممن لا يشاركه ذلك، حتى نصل إلى معلومة تفيد بأن الحكومة بعجزها وتخلفها هذا جعلتنا لا نشعر بأهمية أوطاننا، القضية التي جرت الكثيرين إلى التفكير بالهجرة إلى امكنة وبلدان تحترم وجودهم، والوجود العراقي مهدد دائماً.
تستوقفني أنماط الحياة في بلدان لا تمتلك ربع مخزون العراق من النفط والغاز والمعادن ولتكن كندا أنموذجا مثلا، فالتقارير تفيد بأنه لتعيش البشرية بمستوى معيشة الشعب الكندي، سنحتاج في هذه الحالة إلى ستة كواكب مثل كوكب الأرض. حتى تتوفر لكل إنسان نفس المصادر الطبيعية المتوفرة للمواطن الكندي. وكندا بثلاثين مليونا منذ ثلاثين سنة، ومعدل إنجاب المرأة طفل ونصف فقط، وهناك توازن واستقرار شبه دائم في الاقتصاد يبنى على ضوء الموارد لضمان توفير الخدمات في التعليم والصحة والمسكن والمعيشة.
النموذج الكندي أو أي أنموذج متطور آخر يقودنا إلى السئوال التقليدي جداً هذا الذي يقول: لماذا لم تستفد حكوماتنا من تجارب الآخرين، وما أجمل كلمة مهاتير محمد رئيس الوزراء الماليزي: "حين أردنا الصلاة توجهنا نحو مكة لكننا حين أردنا العلم والتطور والبناء توجهنا نحو طوكيو" هذا الرجل الذي أحدث اكبر انقلاب في حياة الشعب الماليزي، وقد أخرج قومه من الغابة المطرية ليبلغ بهم واحداً من أهم اقتصاديات جنوب شرق آسيا، ذلك لأن الحكومة وجدت أن البلد السياحي هذا بمقدوره ان يبني اقتصاداً متطوراً، وهكذا كانت كوالالامبور واحدة من أهم العواصم العالمية حيث يتشابه النهار والليل في شوارعها، ومن يسافر بين مدن وضواحي وجزر العديد من البلدان يجد ان الأمكنة هي هي، ليلا ونهاراً. اللهم إلا أنها تزداد جمالاً في الليل ساعة خروج الناس الكازينوهات والحدائق والمولات الواسعة ضاحكين، فرحين، آمنين.
وغالبا ما ألتقط الصور بهاتفي النقال حين أقف على شط العرب مثلا فأجد متعة في منظر السفن الراسية على جهته الشرقية (التنومة). سائقو السفن الصغيرة يصبغونها بألوان متعددة، خط الماء بالأزرق وفوقه الأبيض الحليبي وعليه من الأحمر والأصفر خطوط وخطوط ، مقاعد النزهة وردية وكذلك ألوان السقوف من الداخل زاهية وتأخذ من الطبيعة الكثير والكثير من الوانها، هي في النهار وتحت الشمس أجمل منها في الليل حيث يخيم الظلام على الشط، أستعيد ذلك لأقول بان الطبيعة في غالبية مدننا لا تخلو من جمال ما، وكل ما يجب فعله من الحكومة هو تنظيم الجمال ذاك، لكن صديقي المغترب يهمس لي: وهل تملك حكومتكم الاحساس بالجمال لكي تنظم الطبيعة؟ فأقول: لا والله، هي أبعد ما تكون عن ذلك وقد قادتني خطاي تجاه الخندق والداكير ومبنى الجوازات القديم، حيث الفوضى والقذارة والروائح الكريهة عنوان للمكان ليلا ونهاراً.
صورة النهار وصورة الليل
[post-views]
نشر في: 10 سبتمبر, 2013: 10:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...