لم أجد في كلمات النائب مطشر السامرائي أمرا يغيظني، لكن توريطه في النيابة هو الذي يغيظ. وقبل ان أسمع كلمات النائب، سمعتها من كثيرين، يفرحون حين تأتيهم أموال أو فرصة "خلاص فردي" ويقولون انهم يغتنمونها كي لا تضيع أو "تديح" عوائلهم، حتى لو تجاهلوا معايير قانونية أو أخلاقية. النائب قال بالحرف "لا أريد لعائلتي أن تديح، مثل الشعب التايه..". وكثير من العراقيين يوافقون مطشر المواطن، لا مطشر النائب، حول هذا. ولو ان مواطنا عاديا قال هذه الكلمة لما انزعج احد، فالمرء أثناء اللحظة السوداء يصف نفسه بنحو قاس، ويهجو حظه ونصيبه.
لم تزعجني كلمات السيد مطشر، لكن ما يزعجني هو ان صانعي وعرابي القوائم الانتخابية، لا يحترمون هذا الشعب في أحيان كثيرة، فيملأون البرلمان بشريحة واسعة من المساكين الذين كانوا يشبهون مساكين عديدين في هذه البلاد، يندبون حظهم العاثر وسوء الزمان، وبدل ان يعثروا كنواب على طريقة لتخفيف آلام البلاد، فإنهم ظلوا يرددون صياغات لغوية يائسة يرددها مساكين في الشارع لاحول لهم ولا قوة.
القضية المركزية لا تتعلق بما قاله مطشر، ولا بكثير من التصريحات التي تنقصها الحكمة وتصدر عن نواب ومسؤولين بلا استثناء لأي حزب. المشكلة المركزية ان صانعي الكتل وعرابي قوائم الانتخابات والمناصب العليا، لم يؤمنوا بما يكفي، بأنهم أمام شعب قوي يدرك ما حوله، وتصرفوا بعدم احترام كبير حين اختاروا شريحة واسعة بلا كفاءة، للبرلمان او للمسؤوليات الأخرى، وحتى للمناصب الخطيرة.
يحسن بنا ان نتساءل: كيف نجعل العرابين وصانعي البرلمانات والحكومات، يشعرون باحترام مناسب لنا؟ هل يكفي ان نشتمهم في المظاهرة او التلفزيون او فيسبوك؟ ام نحمل السلاح ونضاعف كمية البارود التي تحرق الأخضر واليابس؟ ام نقف مكتوفي الأيدي كي يمتلئ البرلمان ثانية بمساكين لا يعرفون اختيار الكلمات والمفاهيم المناسبة للتعبير حتى عن وجهات النظر المعقولة، مع ان الفشل المنطقي واللغوي كثيرا ما اشعل الحروب والفتن، ومنح للعوامل السيئة فرصة ان تنتعش وتعبث وتصنع أسوأ الأقدار؟
ان قيمة الحراك الاحتجاجي انطلاقا من مظاهرات الكهرباء في البصرة، صعودا الى ساحة تحرير ٢٠١١، والجزء الصحيح والمهم من اعتصامات الغربية، وليس نهاية بحدث ٣٠ آب الماضي، وبينهما كل الفعاليات النخبوية وصوت النقد في الصحافة.. قيمة كل هذا انه كان بروفا كبيرة وتدريبا على فعل يمكنه ان يجعل "العرابين" يبدأون باستشعار الخطر، وينتبهون الى أن تقليلهم من شأن الجمهور وعدم احترامهم للشعب، لن يبقى بلا نقمة أو حساب.
ولذلك فإن تصاعد الاعتراض، سيجعل من الآن فصاعدا، عرابي الداخل (والخارج كذلك)، ينفقون وقتا أطول في صناعة الخيارات أثناء اختيار من يمثلهم في مراكز اتخاذ القرار. لقد بدأوا يقلقون حقا. لكن هذا لا يكفي، لانهم سيفكرون بطرق لامتصاص "النقمة"، طالما ظل الاعتراض مجرد "نقمة" تقريبا.
كيف نتخذ من "رصيد الاحتجاج" منصة لفعل شيء اكبر؟ هذا ما حاول كثيرون الإجابة عليه، غير ان فخري كريم انشغل طيلة الأيام العشرة الماضية، في وصف "حكومة ظل" و"مكاتب ادعاء عام شعبي" بتفاصيل إجرائية واسعة. وليس الجمهور ملزما بأن يتبع "فتاوى" فخري كريم بالطبع، لكن الرسالة الكبيرة وراء ما كتب، هي ان "رصيد الاحتجاج" لا بد ان يترجم إلى مؤسسات رقابة شعبية، تعترض وتفاوض وترشد وتعبئ. وحتى نتعلم كيف نترجم نقمتنا إلى فعل اعتراض منظم ودقيق ومتواصل، بآليات شبيهة بتلك التي فصلتها مقالات "حكومة الظل" وأخواتها، فإن "العرابين" لن يحترمونا بما يكفي، وسيملؤون البرلمان بمساكين مثل السيد مطشر.
حكومة ظل وطنية يا مطشر
[post-views]
نشر في: 10 سبتمبر, 2013: 10:01 م
جميع التعليقات 4
الناصري
فعلا فقد سئمنا وجزعنا من هؤلاء المتخلفين الذين يملأوون البرلمان ومجالس المحافظات وتصريحاتهم الساذجه التي في كل يوم تورطنا في مشكله جديده أقترح أن يشترط على من يرشح حصوله على شهادة الماجستير لكي نبني دولة على مستوى عالي لأان الجماعه أغلبهم مزورين شهادة الس
السامرائي
عاش قلمك ايها المبدع .. فعلا هذا الرجل مسكين لانه ابن قرية ولا يعرف ما هي السياسية .. هم سياسيوا الصدفة كما يسميهم الكثيرون ولو انهم لم يأتوا بصدفه الرجل اختصاصهة الفلاحة والزراعة لذلك فهو مسكين بسبب ان حزبه وظعه في هكذا موقع .. يجب ان يعلم عرابوا القوائم
عماد السهلاني
عاش قلمك ياخي وانت الاروع الكن هذا القدر من نضال وشهداء اصابنا الحنين اليهم دائما الئ مطشر الذي ينطق والايفهم ماذا ينطق
الكربلائي
لا شك ان المقال تضمن الكثير من الحقائق واشار الى الكثير من الوقائع التي لا يختلف عليها اثنان ، ولكني قد اتباين مع السيد الكاتب في وجهة نظره في تحميل ما سماهم بصانعي وعرابي القوائم الانتخابية المسؤولية في اختيار المرشحين للانتخابات ، لاني ارى ان هؤلاء انما