لايُمكن تصور أنّ هناك إنساناً يتمتع بالحد الأدنى من المشاعر الإنسانيّة، يرفض معاقبة الرئيس السوري بكل وسيلة مُمكنة، إن ثبت بالوجه القاطع المؤكد، استخدامه أسلحةً كيماويةً ضد شعبه، بينما تُحرّم القوانين الدولية اللجوء إليها حتّى مع الاعداء، كما لايمكن تصور أنّ هناك مواطناً عربياً شريفاً واحداً، يُمكن أن يؤيد ضربة عسكريةً غربيةً للنظام السوري، إن لم يكن هناك يقين باستخدامه السلاح الكيماوي ضد أطفال الغوطة، المؤيدون للضربة متأكدون من خطيئة الأسد، اعتماداً على ممارسات النظام القمعية، التي تجلّت بصورة فاضحة خلال الثلاثين شهراً الماضية، مع ضرورة تذكر مجزرة حماه، والرافضون لها يتبنّون فكرة أن الهجمة على سوريا، تستهدف محور المقاومة والممانعة، وبين الطرفين تتأرجح مصائر السوريين، ومشاعر المواطن العربي العادي، الذي يضع يده على قلبه خوفاً على سوريا والسوريين.
يتخبط النظام السوري هذه الأيام، وكأنه فوجئ بطبيعة رد الفعل الغربي على استخدامه الكيماوي، وهو الذي صمت ثلاثين شهراً على المجازر المرتكبة ضد السوريين، بعض من يدافعون عن الأسد يقدمون خدمات جليلة لأعدائه، ومن ذلك قول السيده بثينة شعبان مُستشارته الإعلامية والسياسية، "إنّ القاعدة والمنظمات المرتبطة بها، اختطفت كل هؤلاء الأطفال من اللاذقية، ونقلتهم إلى غوطة دمشق وأطلقت عليهم غاز السارين، حتّى يموتوا ويتم تصويرهم"،وقول نائب وزير الخارجية فيصل مقداد، إن نظام الأسد لن يغير مواقفه، وإن أدّى ذلك إلى اندلاع حرب عالمية ثالثة، وفي الوقت نفسه يحاول رئيس مجلس الشعب استعطاف البرلمانيين الأوروبيين والأميركان ليقفوا ضد أي ضربة تستهدف تدمير قوات النظام الذي يؤدي دوره في محاربة الارهاب والتكفيريين، في حين يتم تسريب أخبار عن استعداد الأسد للتنحي بشروط، ويحاول وزير الخارجية تصليب الموقف الروسي المؤيد.
لاتملك دول الجوار، رغم النتائج السلبية التي تحيق بها، ترف التفرج على ما يجري عند حدودها، وهي عملياً لاتستطيع منع القوى الغربية، من شنّ حرب تأديبية ضد نظام الأسد، خصوصاً إن حظيت بتأييد وتغطية مجلس الأمن الدولي، في حال حصوله على حجج دامغة، على استخدام النظام للأسلحة الكيماوية، وبديهي أنها لاتستطيع من النواحي الأخلاقية والوطنية والإنسانية والسياسية غير تأييدها، على أن تكون ضربةً جراحيةً محدودةً ومدروسةً بعناية، بحيث لا تُلحق الضرر بالمدنيين، فالأردن الواقع تحت الضغوط الخليجية الغربية المزدوجة، جاهر مؤخراً بتأييد الضربة دون الاشتراك بها، والعراق تحت الضغط الإيراني الأميركي يلعب لعبة دعم الأسد، ويعلن دعمه لمطالب الشعب السوري، ولبنان يعيش متوتراً بانتظار قرار حزب الله، ومصر تتأرجح بين عدائها لتنظيم الإخوان وعلاقتها المتميزة مع السعودية، أما الخليج فمنخرط بالعمل العسكري المرتقب.
لم يعد الأمر هو هل ستكون هناك ضربة أم لا، الحديث اليوم يدور على موعدها وحجمها، وآثارها المُحتملة سورياً وإقليمياً، مع ضرورة ملاحظة أن أوساطاً دفاعيةً أميركية، تتوقع أن تكون الضربة أكثر إتساعاً وقسوةً وحسماً مما يعتقد البعض، وأكثر من ضربة محدودة وضعيفة، خصوصاً بعد تأييد الاتحاد الأوروبي لرد قوي وحازم، يمنع أي "دولة مارقة" من التفكير باستخدام مخزونها من الأسلحة الكيماوية، مع القناعة المبنية على الوقائع، بأنّ الضربة لن تؤدي إلى اشتباك مع روسيا، التي أعلنت أن سوريا لا ترقى إلى هذا المستوى من الصراع، وهكذا ستدور الاشتباكات بين القوى الغربية والعربية المتحالفة، وبين نظام الأسد وبعض حلفائه، وليس من بينهم روسيا.
الأسد والعرب والعقوبات
[post-views]
نشر في: 10 سبتمبر, 2013: 10:01 م