يروي فيلم "لم أمت" للمخرج التونسي المقيم في فرنسا مهدي بن عطية قصة طالب عربي متفوق يتقمص شخصية أستاذه الفرنسي في الفلسفة السياسية بعد وفاته المفاجئة . "انه جميل" ، ربما يكمن في ظل البساطة الواضحة لهذه العبارة الأخيرة في الفيلم ، احد
يروي فيلم "لم أمت" للمخرج التونسي المقيم في فرنسا مهدي بن عطية قصة طالب عربي متفوق يتقمص شخصية أستاذه الفرنسي في الفلسفة السياسية بعد وفاته المفاجئة .
"انه جميل" ، ربما يكمن في ظل البساطة الواضحة لهذه العبارة الأخيرة في الفيلم ، احد أعظم الأسرار، أو واحد من اكتشافات فيلم مهدي بن عطية، فالجمال ربما يكون ذات يوم احد القضايا الأكثر جدية بشأن اندماج العرب الفرنسيين وذوبانهم في المجتمع الفرنسي.
"إنه جميل" عبارة قالتها اليانور (ماريا دي ميديروس) عن الشاب الوسيم جمال (إدريس رامدى)،عندما رأته في النهاية وكما كانت تنظر لشقيقه ياسين (المتألق مهدي الذهبي)، بأنه لطيف جدا ايضا، فقد بدأت معه علاقة ينتهي بها الفيلم. واليانور هي أرملة ريتشارد (إيمانويل سالينغر، الذي اسعدنا بموهبته هنا)، أستاذ الفلسفة السياسية الرائع في معهد العلوم السياسية، الذي كان ياسين من الطلبة المعجبين به. وعند وفاته المفاجئة يتقمص ،ياسين شخصيته حين يستيقظ من نومه بعد ليلة حلم فيها انه اصبح استاذه، وعندما ذهب الى بيته، ويبدو انه مات فعلا، فأخبر زوجته ورفاقه ان الاستاذ لم يمت، وأنه هو ريتشارد نفسه.
تتضح الجرأة الكبيرة للفيلم والسيناريو الذي اهتم بأدق التفاصيل في معالجته لاضطراب الهوية الذي يعانيه ياسين والذي يبرز في ليلة مفعمة بالطلاسم عندما تصطدم جهوده الاجتماعية، التي تفوق طاقة البشر بطموحه الجامح و لعبة الإغواء وسحر تفاعله مع ريتشارد وفيما بعد مع إليانور، وكراهيته لوالده المنبوذة وحتى للفتاة إيلودي التي لا يعرف كيف يجيب على اسئلتها (جوديث ديفيس، التي تبرز مرة أخرى في أداء جيد جدا في دور قصير).
ينتمي "لم أمت" إلى فئة الأفلام التي تعالج المشاكل المتغيرة، وتغير الأشكال وتبادل الأدوار. انه يضخ اللعبة في متاهة من الاراء. ويتناول القضايا السياسية والاجتماعية الأكثر إلحاحا من وجهة نظر فلسفية وحسية ويجعل من بطله ياسين ، نموذجا واضحا للاندماج الناجح (أو في الأقل الواعد)، كما يجعل منه حالة رومانسية مؤثرة .
لكن ياسين يفشل في تقمص شخصية استاذه، وحين يعود الى شخصيته ينجح في حل مشكلاته مع اهله، بالتزامن مع لقائه مع شريكة حياة استاذه، اليونورا.
يبدو ياسين في صالات المثقفين والبرجوازيين الباريسيين، مثل السمكة سواء اكان في الماء او خارج الماء، فالمجتمع يتعايش معه لكنه لا يلهو معه. يتعامل بشكل جيد مع الرموز الثقافية للنخبة التي يطوف في وسطها ويعرض نوعاً من اللباقة المعتدلة ما يزيد من اضطراباته. تقريبا حتى النهاية، سيكون من الصعب أن نقرر بالضبط، هل ان التأكيد على تدهور حالة ياسين أو ذوبان شخصيته؟ في الواقع، ينجح مهدي بن عطية في إضفاء انطباع غريب من السقوط رأساً على عقب ، والصعود نحو الضياع .
هل يعكس فيلم "لم امت" رغبة بالحديث عن السينما الفرنسية "الاجتماعية"، ووسائلها السيئة وضيق افقها ومأزقها؟ هذا ممكن تماما، ولكنه ثانوي تقريبا.
يظهر الفيلم كيف يمكن ان يمنح "الجمال" تقديرا ثقافياً، وبنيوياً، ويرسم أيضا فكرة ليست بالضرورة متشائمة ولكنها لاتبدو اقل سخفا ،مفادها اننا اذا حكمنا على بعضنا البعض بأننا "جميلون"، فهذا يعني أن قسماً جيداً من المشاكل، في طريقها الى الحل ،فمهدي الذهبي يفتح النوافذ أمام تيار من الهواء المضطرب ، النقي، والمهيمن... ومرحبا بكل هذه الصفات.
الطريف ان الممثل الشاب مهدي الذهبي قد واجه في حياته الحقيقة شيئا مما يقدمه في هذا الدور. فهو يدرس العلوم السياسية في باريس، حيث جاء اليها في الثامنة عشرة من عمره للدراسة وهو طالب مجتهد كما انه حاول التخلص من كل ما يجعل منه عربيا في نظر الآخرين و هو لايرغب بالعودة الى تونس .
عن: ليبراسيون الفرنسية
