TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > ما بعد الكيميائي والتلويح بالعقاب

ما بعد الكيميائي والتلويح بالعقاب

نشر في: 11 سبتمبر, 2013: 10:01 م

حرّكت المُبادرة الروسية لنزع سلاح سوريا الكيميائي مياه التسوية الراكدة، لكن يبدو أن هذه المبادرة لم تنجح بسبب افتقارها للتفاصيل، وفيها تكمن الشياطين، في إقناع الأطراف كافةً بالمُضي قُدماً لتنفيذها، على أنّها على الأقل حففت من حدة التوتر، الناجم عن تهديد أوباما بشن ضربة عسكرية محدودة ضد نظام الأسد، ففرنسا أعلنت عن مشروع قرار دولي يتعلق بتلك الأسلحة، وتم رفضه فوراً من قبل موسكو، وأُلغيت جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي لبحث هذا الملف، وأعلنت دمشق استعدادها لتوقيع معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية، في حين اعتبر مجلس التعاون الخليجي، أنّ المبادرة الروسية لا توقف نزيف الدم في سوريا، وطالب مجلس الأمن الدولي باتخاذ إجراءات رادعة ضد النظام السوري، وأكد الاستعداد لتداعيات أيّ ضربة عسكرية محتملة ضد نظام دمشق، ومعارضو الأسد يؤكدون أنّ الموضوع ليس متعلقاً بنزع السلاح الكيميائي فقط، فالقضية متعلقة بقتل النظام للسوريين بكل صنوف الأسلحة، ويرون أنّه إن لم تتم معاقبة النظام، فسيكرر جرائمه ضد المدنيين، لكن هؤلاء يعرفون أن ليس بمقدورهم القيام بأي خطوة فاعلة في هذا المجال.
الرئيس الأميركي رحّب بأي حل دبلوماسي للمسألة، ولكن بضمانات دولية تؤدي للتخلص من السلاح الكيميائي السوري، ورغم أنّه طلب من الكونغرس تأجيل التصويت على الضربة العسكرية، فإنّه أعطى الأمر للجيش كي يبقى مستعداً لإبقاء الضغط على الأسد، باعتبار أنّه من المبكر جداً القول إذا كانت المساعي الدبلوماسية ستكلل بالنجاح، وأنّ أيّ اتفاق يجب أن يضمن التحقق من وفاء نظام الأسد بالتزاماته، لكنه يرى أنّ  الممكن للمبادرة الروسية أن تزيل خطر الأسلحة الكيميائية دون استخدام القوة، مُعتبراً أنّه في حال فشلت هذه الجهود، فسيكون توجيه ضربة محدودة الزمان والمكان ضد النظام السوري ضرورياً، مع استبعاده أن يشكل ضرب سوريا تهديداً للأمن الأميركي، واعتباره أن النظام السوري أقل من أن يُشكل تهديداً لذلك الأمن.
حراك الكبار مستمر منذ اتفق بوتين وأوباما على تكثيف الجهود، للتحفظ على الأسلحة الكيميائية السورية، وبحث وضعها تحت رقابة دولية، وزير الخارجية الأميركي سيجتمع مع نظيره الروسي اليوم لمناقشة المسألة، ما يؤكد أن الصراع في جوهره يدور بين الدولتين العظميين، ولكل منهما حساباته، فبوتين يرى أنّ سوريا كانت تعتبر سلاحها الكيميائي في مقابل السلاح النووي الإسرائيلي، وتكمن أهمية هذه الرؤية في أن موسكو قررت وضع سوريا تحت مظلتها النووية، لقاء تخلّيها عن قوة الردع الكيميائي، وسيكون على روسيا، تبعاً لذلك، ضمانة عدم اعتداء أميركا على حلفائها السوريين والايرانيين ومعهم حزب الله، وزيادة وتيرة تزويد النظام السوري بالسلاح والعتاد، بما في ذلك نظام صواريخ إس 300، وتفعيل الدور الروسي في منظومة الدفاع السوري، من خلال شمول سوريا بالمظلّة النووية الروسية.
مع كل هذا التخبط والدوران في حلقات مفرغة، إلاّ من دم السوريين، فقد وصلت واشنطن إلى مبتغاها، منذ ان لوّحت بالخيار العسكري كضربة تأديبية تتعلق بالسلاح الكيميائي، فالتهديد  أعطى مفعوله من دون أن تحصل الضربة، بغض النظر عن كل التأويلات بانتصار فريق النظام او المعارضة، لكن ذلك لايعني أنّ روسيا لم تستعد دورها على الساحة الدولية، وإن كان الثمن مزيداً من دماء السوريين، الذين يبدو أنّ قتلهم سيتم بعد اليوم دون كيمياء، وسيكون ضمير الغرب، والأميركي على وجه الخصوص، مرتاحاً لمنعه ذلك، وربما يجد النظام والمعارضة أنّ التفاوض في جنيف أكثر جدوى، لكن الأكثر أهميةً هو أنّ الستار لن ينسدل على الأزمة السورية إلى زمن سيطول، وتلك هي المأساة.  

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

عمليات بغداد تغلق 208 كور صهر و118 معمل طابوق وإسفلت

أسعار الصرف اليوم: 143 ألف دينار لكل 100 دولار

ترامب: أوقفتُ 8 حروب وأعدتُ "السلام" للشرق الأوسط

الأنواء الجوية: انتهاء حالة عدم الاستقرار وطقس صحو مع ارتفاع طفيف بالحرارة

حصار فنزويلا ينعش النفط… برنت وغرب تكساس يقفزان في آسيا

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram