TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الكيماوي المُراوغ

الكيماوي المُراوغ

نشر في: 13 سبتمبر, 2013: 10:01 م

رغم وقوفنا ضد أيّ تدخل عسكري في الأزمة السورية، فإننا رحبنا بالتهديد الأميركي، بتوجيه ضربة محددة لقوات الأسد، وهو تهديد أسفر عن مبادرة روسية عاجلة، قبلتها دمشق والعالم فوراً، لنزع السلاح الكيماوي السوري وتدميره، غير أنّ النظام السوري عاد ليعلن أنه لن ينفذ المبادرة، ما لم تكف واشنطن عن التهديد بضرب سوريا، وتتوقف عن تسليم الأسلحة لخصومه، وهو في هذه الحالة، توقّع بدء تسليم المعلومات عن أسلحته الكيماوية، إلى هيئات دولية، بعد شهر من الانضمام إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة الكيماوية، ورفضت واشنطن على الفور منحه مهلة الشهر، رغم تقديمه طلباً للانضمام إلى المعاهدة، وأكدت أن ذلك لا يمكن أن يكون بديلاً عن نزع الأسلحة أو وسيلة للمماطلة، وأن خيار استخدام القوة العسكرية ما زال مطروحاً على الطاولة.
نعترف ببراعة النظام السوري في المراوغة، ونحن نستذكر المراقبين العرب والدوليين، الذين تاهوا في أنفاق ودهاليز وشروط مهماتهم في سوريا، خصوصاً وأنه ليس سهلاً التحقق من تسليم ألف طن من المواد القاتلة، الموزّعة على المخازن العسكرية، وأماكن أخرى مموهة في بلد تسوده الفوضى، ولايعرف أحد من المسيطر على هذه المنطقة أو تلك, ، ورغم أن الوزير المعلم وافق في موسكو، على أن تكشف دمشق عن مواقع تصنيع وتخزين أسلحتها الكيماوية، وتسمح للمفتشين الدوليين بدخولها، والإشراف على ما فيها من مخزون ستراتيجي، ثم يتم الاتفاق على كيفية تدميرها والجهة المنفذة للعملية.
في الأثناء تُسند السياسة الروسية مواقف دمشق المُراوغة، إذ توسع دوائر الحوار، لتمنح نظام الأسد أطول فترة ممكنة للتسويف، مع تجنب الضربة العسكرية، التي يقول بوتين إنها قد تقوض الجهود الدولية لتسوية مسألة النووي الإيراني، والنزاع الفلسطيني الإسرائيلي، وتؤدي لاحقاً إلى زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وقد تُخلخل منظومة القانون الدولي برمتها، ما يعني عند دمشق وموسكو، أن على العالم قبول المواقف والاجتهادات السورية بشأن الأسلحة الكيماوية، اتقاءً لنتائج الضربة العسكرية، غير أن واشنطن تبدو مدركة لأبعاد اللعبة، وهي تؤكد أن لا تغيير في الموقف الأميركي، وأن بشار الأسد لا يمكن أبداً أن يكون جزءاً من مستقبل سوريا السياسي، برغم استعداد واشنطن للعمل مع حكومته، بخصوص إزالة الأسلحة الكيماوية.
بعد الموافقة المستعجلة، التي قال الأسد إنها كُرمى لعيني بوتين، وليس خشية تنفيذ تهديد أوباما، كان متوقعاً أن تسعى دمشق للمماطلة والتسويف، رغم أن الوقت الطبيعي اللازم لتدمير سلاحها الكيميائي هو 3 سنوات، في حال سارت الأمور بشكل طبيعي، وهو وقت كاف للقضاء على آخر معارض للنظام البعثي. ولكن لمعرفة النظام بأن البدء بتدمير الكيماوي، هو الخطوة الأخيرة قبل انهياره، والتخلص منه مرة واحدة وإلى الأبد، فإنه يناور ويُسوّف، دون حساب لرد الفعل، الذي سيتجاوز مبادرة موسكو وكل مواقفها، وهو رد لايبدو الأسد معنياً بنتائجه، حيث سيدفع السوريون ثمنه، مع انهيار دولتهم، وتحولها إلى إمارات يحكمها الشبيحة والتكفيريون.
والسؤال.. هل يستحق السوريون المغامرة بمستقبل وطنهم ليظل الأسد رئيساً بضعة شهور إضافية؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. نبيل

    امريكا همها الوحيد امن اسرائيل ولك سياستها في الوطن العربي تدور حول هذا الهدف كل مصائب العراق سببها انه تخطى الخطوط الحمراء في التصنيع العسكري والان سوريا نفس السيناريو

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram