رغم وقوفنا ضد أيّ تدخل عسكري في الأزمة السورية، فإننا رحبنا بالتهديد الأميركي، بتوجيه ضربة محددة لقوات الأسد، وهو تهديد أسفر عن مبادرة روسية عاجلة، قبلتها دمشق والعالم فوراً، لنزع السلاح الكيماوي السوري وتدميره، غير أنّ النظام السوري عاد ليعلن أنه لن ينفذ المبادرة، ما لم تكف واشنطن عن التهديد بضرب سوريا، وتتوقف عن تسليم الأسلحة لخصومه، وهو في هذه الحالة، توقّع بدء تسليم المعلومات عن أسلحته الكيماوية، إلى هيئات دولية، بعد شهر من الانضمام إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة الكيماوية، ورفضت واشنطن على الفور منحه مهلة الشهر، رغم تقديمه طلباً للانضمام إلى المعاهدة، وأكدت أن ذلك لا يمكن أن يكون بديلاً عن نزع الأسلحة أو وسيلة للمماطلة، وأن خيار استخدام القوة العسكرية ما زال مطروحاً على الطاولة.
نعترف ببراعة النظام السوري في المراوغة، ونحن نستذكر المراقبين العرب والدوليين، الذين تاهوا في أنفاق ودهاليز وشروط مهماتهم في سوريا، خصوصاً وأنه ليس سهلاً التحقق من تسليم ألف طن من المواد القاتلة، الموزّعة على المخازن العسكرية، وأماكن أخرى مموهة في بلد تسوده الفوضى، ولايعرف أحد من المسيطر على هذه المنطقة أو تلك, ، ورغم أن الوزير المعلم وافق في موسكو، على أن تكشف دمشق عن مواقع تصنيع وتخزين أسلحتها الكيماوية، وتسمح للمفتشين الدوليين بدخولها، والإشراف على ما فيها من مخزون ستراتيجي، ثم يتم الاتفاق على كيفية تدميرها والجهة المنفذة للعملية.
في الأثناء تُسند السياسة الروسية مواقف دمشق المُراوغة، إذ توسع دوائر الحوار، لتمنح نظام الأسد أطول فترة ممكنة للتسويف، مع تجنب الضربة العسكرية، التي يقول بوتين إنها قد تقوض الجهود الدولية لتسوية مسألة النووي الإيراني، والنزاع الفلسطيني الإسرائيلي، وتؤدي لاحقاً إلى زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وقد تُخلخل منظومة القانون الدولي برمتها، ما يعني عند دمشق وموسكو، أن على العالم قبول المواقف والاجتهادات السورية بشأن الأسلحة الكيماوية، اتقاءً لنتائج الضربة العسكرية، غير أن واشنطن تبدو مدركة لأبعاد اللعبة، وهي تؤكد أن لا تغيير في الموقف الأميركي، وأن بشار الأسد لا يمكن أبداً أن يكون جزءاً من مستقبل سوريا السياسي، برغم استعداد واشنطن للعمل مع حكومته، بخصوص إزالة الأسلحة الكيماوية.
بعد الموافقة المستعجلة، التي قال الأسد إنها كُرمى لعيني بوتين، وليس خشية تنفيذ تهديد أوباما، كان متوقعاً أن تسعى دمشق للمماطلة والتسويف، رغم أن الوقت الطبيعي اللازم لتدمير سلاحها الكيميائي هو 3 سنوات، في حال سارت الأمور بشكل طبيعي، وهو وقت كاف للقضاء على آخر معارض للنظام البعثي. ولكن لمعرفة النظام بأن البدء بتدمير الكيماوي، هو الخطوة الأخيرة قبل انهياره، والتخلص منه مرة واحدة وإلى الأبد، فإنه يناور ويُسوّف، دون حساب لرد الفعل، الذي سيتجاوز مبادرة موسكو وكل مواقفها، وهو رد لايبدو الأسد معنياً بنتائجه، حيث سيدفع السوريون ثمنه، مع انهيار دولتهم، وتحولها إلى إمارات يحكمها الشبيحة والتكفيريون.
والسؤال.. هل يستحق السوريون المغامرة بمستقبل وطنهم ليظل الأسد رئيساً بضعة شهور إضافية؟
الكيماوي المُراوغ
[post-views]
نشر في: 13 سبتمبر, 2013: 10:01 م
جميع التعليقات 1
نبيل
امريكا همها الوحيد امن اسرائيل ولك سياستها في الوطن العربي تدور حول هذا الهدف كل مصائب العراق سببها انه تخطى الخطوط الحمراء في التصنيع العسكري والان سوريا نفس السيناريو