اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تحقيقات > الرشيــد..شارع المقاهي والمكتبات وحكايا الزمن الجميل

الرشيــد..شارع المقاهي والمكتبات وحكايا الزمن الجميل

نشر في: 14 سبتمبر, 2013: 10:01 م

شارع الرشيد من أقدم وأشهر شوارع بغداد، كان يعرف خلال الحكم العثماني باسم شارع (خليل باشا جاده سي) على اسم خليل باشا حاكم بغداد وقائد الجيش العثماني، الذي قام بتوسيع وتعديل الطريق العام الممتد من الباب الشرقي إلى باب المعظم وجعله شارعاً باسمهِ عام 191

شارع الرشيد من أقدم وأشهر شوارع بغداد، كان يعرف خلال الحكم العثماني باسم شارع (خليل باشا جاده سي) على اسم خليل باشا حاكم بغداد وقائد الجيش العثماني، الذي قام بتوسيع وتعديل الطريق العام الممتد من الباب الشرقي إلى باب المعظم وجعله شارعاً باسمهِ عام 1910م، وكان ذلك لأسباب حربية ولتسهيل حركة الجيش العثماني وعرباته فتم العمل في هذه الجادة بصورة مستعجلة وارتجالية حيث كان يصطدم بمعارضة العلماء ورجال الدين البغداديين عند ظهور عقبة تعلق استقامتهِ ببروز أحد الجوامع على الطريق كما كان يصطدم بالأملاك التابعة للمتنفذين والأجانب ممن هم مشمولون بالحماية وفق الامتيازات الأجنبية, وكذلك لقلة المال المتوفر لديهِ لاستملاكها, لذلك وجب حصول انحناءات في الشارع تبعاً لهذه العراقيل. وهكذا بدأ بتهديم أملاك الفقراء والغائبين ومن لا وارث لهم، فأصبح الطريق ممهداً واسعاً تسلك فيه وسائط النقل بسهولة.
aبداية التعبيد
وسير السيارات
بعد منتصف العشرينات بدأ مشروع تبليط شارع الرشيد أيام كان (نشأت السنوي) أمينا للعاصمة وبدأ التبليط بالتعديل أولا، ثم فرش بالرمل والحصو الناعم ثم المشبك الحديدي (بي أر سي) ثم التبليط باليد وبالشيبك الخشبي المدهون بالنفط الأسود كي لا يلتصق بالجير واستمر التبليط لأشهر طويلة، وما إن انتهى التبليط حتى أصبح شارع الرشيد المتنزه الأمثل لأهالي بغداد وخصوصا سكان الكرخ وبدا الناس يعمرون أملاكهم الواقعة عليه أما بشكل مقاه أو دكاكين أو مخازن .
أما التاكسيات فلم تبدأ العمل إلا في منتصف العشرينات وأول من بدأها سيارات الفيات الصغيرة ثم كثرت بعد ذلك. أما الباصات فلم تبدأ عملها إلا في نهاية العشرينات وقد بدأت بالباصات الكبيرة التي عملت أبدانها في بغداد وكانت أجرة الراكب من باب المعظم إلى الباب الشرقي عانة واحدة وصارت أربعة فلوس بالعملة العراقية الجديدة وكانت تعمل بين الباب الشرقي وباب المعظم فقط وفي الثلاثينات ظهرت الباصات الصغيرة واشتغلت بين بغداد والكرادة والاعظمية .

أول ظهور
لشرطة المرور فيه
وبالرغم من فتح شارع غازي فقد بقي شارع الرشيد هو المتنفس الوحيد لبغداد ومركز نشاطها وتظاهراتها وهوساتها ومواكب العزاء والمسيرات فيها وكثرت السيارات في أواخر العشرينات، وبقي نظام المرور غير مرتب وكانت السيارات تسير على وفق هواها، والمنبهات والأبواق المركبة على جهة السائق تزعج الناس ، وللعطل الدائم للسيارات والخيل الجانحة للعربات صدرت أنظمة وتعليمات إلى شرطة المرور في الشارع ، وكانت مؤلفة من مفوض شرطة وبضعة أفراد وفي الثلاثينات صدر نظام المرور وزيدت أفراد الشرطة وعين معاون مدير شرطة مرور لإدارتها وانيطت بها أيضا مهمة التصديق على متانة وسلامة اللوريات التي تنقل البضائع والركاب إلى خارج العراق وبدا امتحان سواق السيارات لإعطائهم الإجازة القانونية وكان الاختبار يجري في الزقاق الواقع خلف جامع السراي, أما السرعة داخل المدينة فممنوع أن تتجاوز 15 كيلومترا أما خارج المدينة فتكون 25 كيلومترا وكان معدل هذه السرعة في ذلك الوقت عاليا .
شركات استيراد السيارات
أما شركات استيراد السيارات فكانت شركة شفيق عدس تستورد الفورد وشركة كتانه تستورد الدودج والبلايموث ويوسف سعد للبكارد والمهدسن  وبيت لاوي للشفرولية واخواتها وبيت داود ساسون للسيارات الإنكليزية موريس وأوستن وفنكارد وغيرها أما السيارات الألمانية فكان يستوردها جورج عبديني
أهمية شارع الرشيد التراثية
تأتي أهمية الشارع الممتد من باب المعظم الى الباب الشرقي وسط العاصمة العراقية بغداد من خلال تراثه الذي يمثل تاريخها، فقد شق طريقه بين أهم الأماكن التراثية، سالكا طريق المساجد والجوامع، والأسواق الكبيرة، ماراً بأهم المقاهي والحوانيت، محتضناً أهم الصناعات والمهن والحرف الشعبية المنتشرة فيه بمحال متزاحمة على امتداده
وقد حافظ الشارع على التقاليد البغدادية العريقة بين ساكنيه ورواده حتى اذا ما ثبتت معالمه، بهدم مئات الدور والمحال تسابقت عليه إدارات الصحف، والسينمات، والملاهي، والشركات التجارية، والأطباء والصيادلة، وغيرهم كل يريد له مكاناً مميزاً على امتداده حتى أصبح مركزاً رئيساً للتجارة بين العاصمة بغداد وجميع مناطق العراق، بل كان الى عهد قريب المحتكر لكل أنواع التجارة.
من ينقذه من الانقراض
أما اليوم يعج شارع الرشيد بسيل من الفوضى ، فالعربات تتنقل بكل حرية ولم تفتح دكاكين عطارة وفواكه فيه فحسب بل فتحت محالا لتصليح السيارات وباعة الخردة ولافتات الدعايات المتعددة، وضاعت نظافته وانبعثت روائح كريهة من النفايات المتروكة قرب سوق الشورجة و قرب ساحة  التحرير. وتأثر كثيرا بالوضع الأمني المتدهور الذي تعيشه البلاد وقطعت الكتل الخراسانية أوصاله وأصبح التنقل أمرا مزعجا اضافة الى الانفجارات التي تحدث فيه من وقت لآخر .
شارع الرشيد ذاكرة حية في طريقها الى الانطفاء ولابد من انتشاله من الحالة المزرية التي يعيشها الآن ، والعمل على تشكيل لجنة وطنية لإنقاذ هذا المعلم البغدادي الأصيل،  لجنة على مستوى عال وبصلاحيات واسعة مدعومة بأموال كافية للنهوض بواقعه بعدما أصابه الدمار وعطلت نشاطاته وأصبح مهجورا تنشر فيه النفايات

شهادات تاريخية بأهميته
أما من الناحية السياسية، فقد شهد كثيرا من الأحداث التي شكلت نقاط تغيير وتحول بتاريخ العراق الحديث وانطلقت منه اكبر التظاهرات المناهضة للاستعمار والمنددة بالمواقف اللاوطنية . ويقول الباحث التاريخي العراقي باسم عبد الحميد حمودي : اذا قلت بغداد الحديثة فلابد أن تقرنها بالشارع العتيد، شارع الرشيد، فقد ظل ومنذ افتتاحه عام 1916 وزمن الحكم الوطني، معلما اساسيا من معالم بغداد  وينقل عن الأستاذ ديزموند ستيوارت الذي عمل لسنوات أستاذا في  دار المعلمين العالية وكلية الآداب ببغداد  قوله عندما سئل عن الشارع إن من زار بغداد ولم يدخل شارع الرشيد  فكأنه لم ير من بغداد شيئاً. وعن طريقة إقامة هذا الشارع يقول الباحث الاجتماعي الدكتور علي الوردي الواقع إن شقه كان يجري بطريقة عجيبة فقد جيء بحبلين طويلين ومدا فوق سطوح الدور لتحديد استقامته وعرضه بهما، وكان مرور احد الحبلين فوق إحدى الدور كان معناه نزول الكارثة على أهل تلك الدار أي إن دارهم ستتعرض للهدم. ويتابع إن صاحب الدار يسرع الى أصدقائه لكي يرشدوه الى من يساعده على إزاحة الحبل عن داره لقاء رشوة فكان الحبل يتحول من دار الى أخرى حسب مبلغ الرشوة التي تدفع أو النفوذ الذي يستخدم، واصفا الحالة بأنها كانت مهزلة فعلا تدعو الى البكاء والضحك معا.

أرقام السيارات الأولى ومالكوها
رقم واحد بغداد كان لسيارة السيد حاج سليم مدير الشرطة العام الأسبق ورقم 2 لجورج عبدين ورقم 3 لعلي جودت ورقم 4 لنشأة السنوي و5 لفخري الطبقجلي و 6 لجميل المدفعي و 7 لشهاب الدين الكيلاني و 8 لجلال بابان و 9 لرشيد عالي الكيلاني و 10 لحسام الدين جمعة و 12 ناجي السويدي و 14 أنطوان شماس و 15 عبد المنعم الخضيري و 17 لرؤوف الجيبه جي و 18 ناجي شوكت و 20 نوري سعيد و 22 رؤوف البحراني و 23 لعبد المحسن شلاش ومن الصعب تعدادهم كلهم ولكن لغرض الاطلاع فكان رقم 30 بغداد لجلال خالد و 33 الدكتور مظفر الزهراوي و 35 لتحسين علي و 40 لسكندر اصطيفان و 44 لناجي الخضيري و 47 لصالح جبر و 49 لعبد الرزاق فتاح و 58 لمحمود صبحي الدفتري و 59 توفيق السويدي و 66 لعلوان حسين و0 7 السيد محمد الصدر و 79 لجميل عبد الوهاب و 90 لإبراهيم كمال و 100 لعبد الحليم السنوي و 120 لعارف السويدي و 300 عبد الهادي الدامرجي أما في خارج لواء بغداد فلم يكن للمرور سوى رجل شرطة واحد في البصرة وآخر في خانقين وآخر في النجف ثم في كركوك ثم في الموصل وكان رسم تسجيل السيارات ورسم إجازة السوق عشر ربيات أما رسوم العربات فهي نصف رسوم السيارات أما الدراجات الهوائية والبخارية فلم تكن تدفع الرسوم.
قصة الرقم 4 وشارع الرشيد
ربما كانت شهرة شارع الرشيد في بغداد تضاهي شهرة الشانزلزيه  في باريس، فاسمه المرتبط بالخليفة هارون  الرشيد، سرعان ما يوحي للسامع به لأول مرة أنه شارع في العراق ولعله أقدم، وأشهر شوارع بغداد، وأن احتفاظه بالطراز العمراني القديم جعله من أبرز معالمها التراثية والحضارية. ومن المفارقات الغريبة أنه يلتقي بالرقم (4(  في العديد من الأمور، إذ أن طوله يبلغ حوالي (4) كيلو مترات، وهناك (4) جسور تطل عليه هي: جسر الشهداء، والأحرار، والسنك، و 30 تموز. كما أن فيه 4 جوامع كبيرة، و(4) دور سينما، و(4) مسارح. وإذا ما أردت أن تمر به من بدايته حتى نهايته سينبغي عليك ركوب الباص رقم (4). و تقع فيه أشهر (4) أماكن فريدة من نوعها في العراق ويعرفها الصغير والكبير وهي سوق الشورجة ويؤمه العراقيون من كل فج ويعد أقدم أسواق العراق، وشارع  المتنبي وهو صغير متفرع منه ، ويعد من أضخم وأشهر أسواق بيع الكتب الجديدة والمستعملة ولا يكاد يضاهيه سوق في العالم. ثم المتحف البغدادي الذي يعرض موروث التراث الشعبي، وأخيراً مقهى أم كلثوم الذي يحتوي أقدم أُلبومات كوكب الشرق وأندر صورها ويؤمه عشاق الغناء القديم من كل أرجاء العراق.
موقف الحكومة من الشارع
مع البدء في تنفيذ مستلزمات مشروع بغداد عاصمة للثقافة العربية عام 2013 ، تم الاتفاق بين وزارة الثقافة وكل من وزارة السياحة والآثار، وأمانة بغداد باختيار جزء من شارع الرشيد وبالتحديد المنطقة المحصورة بين شارع المتنبي ومنطقة الميدان،  لإعادة ترميميه وتطويره، وفق منهج علمي على أن لا يؤثر الترميم على الخصائص المعمارية للأبنية، المدير العام لدائرة التصاميم في أمانة بغداد وكالة الدكتور فتحي الاطرقجي أشار الى إنه تم الاتفاق على الخطوط العريضة مع الجهات المساهمة مع أمانة بغداد لتنفيذ مشروع ترميم وتطوير شارع الرشيد بعد أن وضعت الدراسات اللازمة، موضحا إن الأمانة جادة هذه المرة على إكمال المشروع، وتجاوز العقبات الفنية والمالية، التي حالت دون تنفيذه خلال الفترة السابقة.وأوضحت المديرة العامة لدائرة التراث في وزارة السياحة والآثار فوزية المالكي إن السبب في اختيار المنطقة المحصورة بين شارع المتنبي والميدان للتطوير يرجع الى كونها تحوي مبان تراثية مهمة، ولان المبالغ المخصصة لا تكفي لتطوير الشارع بالكامل. وان الدائرة شرعت بالفعل في تشكيل لجان الترميم التي تواصل عملها حاليا لتحويل تلك المباني والبيوت التراثية إلى متاحف.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية
تحقيقات

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية

 اياد عطية الخالدي تمتد الحدود السعودية العراقية على مسافة 814 كم، غالبيتها مناطق صحراوية منبسطة، لكنها في الواقع مثلت، ولم تزل، مصدر قلق كبيراً للبلدين، فلطالما انعكس واقعها بشكل مباشر على الأمن والاستقرار...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram