TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > ساقلّاب

ساقلّاب

نشر في: 14 سبتمبر, 2013: 10:01 م

في زمن البلبل حاح ، والدعبل والجعاب وغيرها من ألعاب الأطفال قبل الغزو الإلكتروني ، كانت الطائرات الورقية ، تشغل حيزاً واسعاً من سماء أحياء شعبية متفرقة من العاصمة بغداد ، وللعبة قواعد  يلتزم بها الصغار ، تشبه الى حد ما أعراف الحرب النظيفة ، والصراع يعتمد المهارة للإطاحة بالخصوم بإسقاط طائراتهم باستخدام خيط خاص قادر على قص خيط الطائرة الأخرى .
في لعبة الطائرات الورقية لا يسمح لاحد باختراق قواعدها ، والمخالف يتعرض للمقاطعة ، ويصبح بنظر أقرانه محتالاً لاستخدامه المكر والقوة المفرطة في المنافسة ، وبموجب اتفاق شبه معلن يحافظ الجميع على براءة اللعبة ، لحين انتهاء موسمها ثم الانتقال الى لعبة أخرى هي الأخرى لها تقاليدها وأعرافها ، ولا تنطوي على أي مظهر للعنف والإبادة المقصودة ، كما يحصل في النزاعات المسلحة بين الدول باستخدام الأسلحة الكيمياوية والدمار الشامل .
في لعبة الطائرات الورقية يكون" الساقلّاب " وهو خيط مشدود بحجارة ، يرميه الشخص لإسقاط طائرة ورقية بمثابة استخدام سلاح كيمياوي ، وصاحبه  منبوذ من اللاعبين ، وموضع استهجانهم لأنه لا  يتمتع بمواصفات الفرسان لخوض منافسة بريئة ، تهدف لاستعراض المهارة في قيادة طائرة ورقية بخيط أبو البكرة علامة "الباخرة" .
الجيل السابق من العراقيين وربما يكون بينهم عدد كبير من الساسة والمسؤولين الحاليين ، تعرفوا على أصول وقواعد لعبة الطائرات الورقية ، وليس من المستبعد ان يكون احدهم قد مارسها في سنوات طفولته بصورته السابقة بالدشداشة او البيجاما البازة المقلمة ، واستخدم  الساقلاب لانتهاك اللعبة ويبقى  الأمر من الأسرار الشخصية المحفوظة في سجلات  الماضي .
يقال ان معظم الأشخاص "ينظرون الى الوراء بغضب" لأسباب تتعلق بعوامل نفسية واجتماعية ، وبعضهم يرى الماضي قاعدة تشكيل وعيه المعرفي ، وانطلاقته الاولى في النجاح والحضور والتأثير ، فهو يفتخر بكل ممارساته السابقة على عكس أشخاص آخرين يطلقون يومياً النار على ماضيهم للتخلص من الشعور بملاحقة اللعنة .
صاحب الساقلاب على الرغم من إدانة واستهجان تصرفه من قبل اللاعبين الصغار ، لم تصل عقوبته الى الملاحقة والمطاردة والتهديد بالتصفية الجسدية ، لان سلوكه يندرج ضمن مشاكسات الطفولة ، وعفا الله عما سلف .
في المشهد السياسي العراقي الراهن بكل تناقضاته ، الجميع من أصحاب الدشاديش والبيجامات البارزة المقلمة ، يحمل الساقلاب لتخريب أصول اللعبة ، بمعنى آخر لإجهاض الديمقراطية ، بابتكار وسائل جديدة للاحتيال والخديعة ، ليحتفظ من تصدر المشهد بسلاح الساقلاب من النوع الكيمياوي للإطاحة بالخصوم والشركاء والحلفاء، الجيل السابق كان متمسكاً  بالأصول والقواعد، ولكن بعد الغزو الإلكتروني حصلت متغيرات كثيرة ، منحت الكبار وسائل حديثة للإطاحة بالمنافسين لامتلاكهم مؤيدين يرددون على الدوام أهزوجة "هلهولة للحزب الحاكم". 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

العمود الثامن: المستقبل لا يُبنى بالغرف المغلقة!!

العراق.. السلطة تصفي الحق العام في التعليم المدرسي

شرعية غائبة وتوازنات هشة.. قراءة نقدية في المشهد العراقي

العمود الثامن: ليلة اعدام ساكو

 علي حسين الحمد لله اكتشفنا، ولو متاخراً، أن سبب مشاكل هذه البلاد وغياب الكهرباء والازمة الاقتصادية، والتصحر الذي ضرب ثلاثة أرباع البلاد، وحولها من بلاد السواد إلى بلاد "العجاج"، وارتفاع نسبة البطالة، وهروب...
علي حسين

قناطر: المسكوت عنه في قضية تسليم السلاح

طالب عبد العزيز تسوِّق بعضُ التنظيمات والفصائل المسلحة قضية الرفض بتسليم أسلحتها الى الدولة على أنَّ ذلك قد يعرض أمن البلاد الى الخطر؛ بوجود تهديد داعش، والدولة الإسلامية على الحدود مع سوريا، وأنَّ إسرائيل...
طالب عبد العزيز

ناجح المعموري.. أثر لا ينطفئ بعد الرحيل

أحمد الناجي فقدت الثقافة العراقية واحداً من أبرز رموزها الإبداعية، وهو الأديب ناجح المعموري الذي توزعت نتاجاته على ميادين ثقافية وفكرية متعددة، القصة والرواية والنقد والميثولوجيا. غادرنا بصمت راحلاً الى بارئه، حيث الرقدة الأخيرة...
أحمد الناجي

من روج آفا إلى كردستان: معركة الأسماء في سوريا التعددية

سعد سلوم في حوارات جمعتني بنخبة من المثقفين السوريين، برزت «حساسية التسميات» ليس كخلاف لفظي عابر، بل كعقبة أولى تختزل عمق التشظي السوري في فضاء لم تُحسم فيه بعد هوية الدولة ولا ملامح عقدها...
سعد سلّوم
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram