في زمن البلبل حاح ، والدعبل والجعاب وغيرها من ألعاب الأطفال قبل الغزو الإلكتروني ، كانت الطائرات الورقية ، تشغل حيزاً واسعاً من سماء أحياء شعبية متفرقة من العاصمة بغداد ، وللعبة قواعد يلتزم بها الصغار ، تشبه الى حد ما أعراف الحرب النظيفة ، والصراع يعتمد المهارة للإطاحة بالخصوم بإسقاط طائراتهم باستخدام خيط خاص قادر على قص خيط الطائرة الأخرى .
في لعبة الطائرات الورقية لا يسمح لاحد باختراق قواعدها ، والمخالف يتعرض للمقاطعة ، ويصبح بنظر أقرانه محتالاً لاستخدامه المكر والقوة المفرطة في المنافسة ، وبموجب اتفاق شبه معلن يحافظ الجميع على براءة اللعبة ، لحين انتهاء موسمها ثم الانتقال الى لعبة أخرى هي الأخرى لها تقاليدها وأعرافها ، ولا تنطوي على أي مظهر للعنف والإبادة المقصودة ، كما يحصل في النزاعات المسلحة بين الدول باستخدام الأسلحة الكيمياوية والدمار الشامل .
في لعبة الطائرات الورقية يكون" الساقلّاب " وهو خيط مشدود بحجارة ، يرميه الشخص لإسقاط طائرة ورقية بمثابة استخدام سلاح كيمياوي ، وصاحبه منبوذ من اللاعبين ، وموضع استهجانهم لأنه لا يتمتع بمواصفات الفرسان لخوض منافسة بريئة ، تهدف لاستعراض المهارة في قيادة طائرة ورقية بخيط أبو البكرة علامة "الباخرة" .
الجيل السابق من العراقيين وربما يكون بينهم عدد كبير من الساسة والمسؤولين الحاليين ، تعرفوا على أصول وقواعد لعبة الطائرات الورقية ، وليس من المستبعد ان يكون احدهم قد مارسها في سنوات طفولته بصورته السابقة بالدشداشة او البيجاما البازة المقلمة ، واستخدم الساقلاب لانتهاك اللعبة ويبقى الأمر من الأسرار الشخصية المحفوظة في سجلات الماضي .
يقال ان معظم الأشخاص "ينظرون الى الوراء بغضب" لأسباب تتعلق بعوامل نفسية واجتماعية ، وبعضهم يرى الماضي قاعدة تشكيل وعيه المعرفي ، وانطلاقته الاولى في النجاح والحضور والتأثير ، فهو يفتخر بكل ممارساته السابقة على عكس أشخاص آخرين يطلقون يومياً النار على ماضيهم للتخلص من الشعور بملاحقة اللعنة .
صاحب الساقلاب على الرغم من إدانة واستهجان تصرفه من قبل اللاعبين الصغار ، لم تصل عقوبته الى الملاحقة والمطاردة والتهديد بالتصفية الجسدية ، لان سلوكه يندرج ضمن مشاكسات الطفولة ، وعفا الله عما سلف .
في المشهد السياسي العراقي الراهن بكل تناقضاته ، الجميع من أصحاب الدشاديش والبيجامات البارزة المقلمة ، يحمل الساقلاب لتخريب أصول اللعبة ، بمعنى آخر لإجهاض الديمقراطية ، بابتكار وسائل جديدة للاحتيال والخديعة ، ليحتفظ من تصدر المشهد بسلاح الساقلاب من النوع الكيمياوي للإطاحة بالخصوم والشركاء والحلفاء، الجيل السابق كان متمسكاً بالأصول والقواعد، ولكن بعد الغزو الإلكتروني حصلت متغيرات كثيرة ، منحت الكبار وسائل حديثة للإطاحة بالمنافسين لامتلاكهم مؤيدين يرددون على الدوام أهزوجة "هلهولة للحزب الحاكم".
ساقلّاب
[post-views]
نشر في: 14 سبتمبر, 2013: 10:01 م