بعد ثلاثة أيام من المحادثات المُرفهة على ضفاف بحيرة ليمان، وبعيداً عن رائحة الدم وأصوات الانفجارات، توصلت أميركا وروسيا إلى اتفاق، على آلية للتخلص من أسلحة سوريا الكيماوية، وتم وضع جدول زمني، يعد بأن هذه المهمة الشفافة وذات المصداقية والقابلة للتطبيق، حسب تعبير كيري، ستنتهي منتصف العام المقبل. لكن الاتفاق لم يحسم كمية ونوع الأسلحة الكيماوية التي يملكها الأسد، الذي تلقى تهديداً أميركياً جديداً باللجوء إلى مجلس الأمن، في حال انتهاكه للاتفاق، الذي يبدو واضحاً اطلاعه المسبق عليه، وموافقته على بنوده، بعكس معارضيه الذين جرى الاتفاق من خلف ظهورهم، ما دعاهم لرفضه على الفور، باعتبار عدم تلبيته الحد الأدنى من مطالب الشعب السوري.
الجانب الروسي اعتبر الاتفاق مقدمة لجنيف 2، المنتظر انعقاده هذا الشهر أو الشهر القادم، وقال لافروف إنه يجب على المعارضة السورية أن تكون مستعدةً للمشاركة فيه، وشدد على ضرورة تجنب السيناريو العسكري، والذي سيكون مدمراً للمنطقة، ويضع العلاقات الدولية على شفا هاوية، ويلفت النظر في تصريحات لافروف قوله، إن التخلص من الأسلحة الكيميائية في سوريا، خطوة نحو التخلص من أسلحة الدمار الشامل في منطقة الشرق الأوسط بالكامل، لكن كل هذا، معطوفاً على تصريحات كيري، لم يجد غير رد سلبي من الجيش الحر، جاء على لسان قائده سليم إدريس، الذي اتهم بوتين ولافروف بقبض رشوة من عائلة الأسد، أكد أنهم غير معنيين بتنفيذ أي جزء من الاتفاقية، وأنهم مستمرون في القتال حتى إسقاط النظام، وبرر الرفض بإهمال الاتفاقية للشعب السوري وضحاياه، متسائلاً هل تكون نتيجة تضحيات شعبنا أن نُسلّم اداة الجريمة ونترك المجرم؟
العالم الغربي وكما هو متوقع رحب بالاتفاقية، ولندن أكدت أن المهمة الملحة لتطبيقها تبدأ من الان، وباريس اعتبرت الاتفاق تقدماً مهماً، وبرلين اعتبرت أن فرص التوصل إلى حل سياسي للنزاع في سوريا، ستزيد بشكل كبير بعد الاتفاق، وفي المقابل فإن تركيا وكندا شككتا في عزم النظام السوري على تفكيك ترسانتة الكيميائية. ومن جانبه أعلن أمين عام الأمم المتحدة أن الاتفاق ينبغي أن يتيح إنهاء المعاناة المروعة للسوريين، ووعد بالمساعدة في تنفيذه، على أمل أن يفضي إلى حل سياسي، يضع حدا لمعاناة السوريين، ولعله بهذا كان يمهد لفكرته، عن تنظيم مؤتمر سلام حول سوريا خلال الشهر المقبل.
الاتفاقية اعتمدت كأولوية لها، تحقيق مصالح من أبرمها، قبل مصلحة الشعب السوري، الذي تقول المعارضة إنه بات يتيماً، تجري التضحية به من أجل تحقيق مصالح أخرى، لا تمت له بصلة، وفقد الأمل في الحصول على أي مساعدة، لأن المجتمع الدولي يهتم فقط بسلاح الأسد الكيماوي، وهو يختصر ما يجري في سوريا منذ ثلاثين شهراً، إلى قضية التخلص من هذا السلاح، ولا يهتم بمعاناته ولا بأهداف ثورته، وتبعا لهذا الفهم فإن معارضي الأسد يشككون بأهداف جنيف 2، وانعقاده أحد أهم أهداف الاتفاقية، ويعتبرون أنه لن يقدم جديداً بعد قتل الشعب وتهجيره، وإذا افترضنا أن المعارضة على حق، فإن الواقع يقول إنها لاتمتلك أدوات التغيير، وأن غيابها عن مائدة التفاوض، لن يمنع التوصل إلى اتفاق يضمن مصالح الحاضرين ولا يأخذ بالاعتبار مطالب الغائبين.
الحسنة الوحيدة للاتفاق أنه ألغى أو أجّل التدخل العسكري الغربي، لكن سيئاته أكثر من أن تُحصى، ولعل أبرزها ترك الطريق مفتوحاً للحرب الأهلية الطائفية وامتدادها إلى دول الجوار.
اتفاق جنيف .. لمصلحة من؟
[post-views]
نشر في: 15 سبتمبر, 2013: 10:01 م