بالفعل، وفاة عبد الستار ناصر ستكون مناسبة لي لتذكر تلك الأيام، خاصة بعد مرور أربعينيته في يوم الأحد الماضي، أقول مناسبة لكي أروي بعض ما أعرفه أنا، منذ بداية تعرفي عليه، إذا لا تكون أيضاً من بداية نشره هو قصصه الأولى، لأن الفارق الزمني بين صعود نجم عبدالستار ناصر وتعرف نجم والي عليه، هو فارق زمني بسيط. فعبدالستار ينتمي بالتالي للجيل المتأخر ممن أُطلق عليهم جيل الستينات، هو أصغر من مؤيد الراوي مثلاً أو فاضل العزاوي بنفس فارق السنوات التي تفصل بيني وبينه، هو من مواليد 1946، وأنا من مواليد 1956، لكن لا ضير، عبدالستار ناصر بدأ بسن مبكر بالنشر، ونفس الأمر حدث لي. القصة الأولى "مستطيل من الضوء عند الجانب الآخر"، نشرتها عام 1972، وكان لي من العمر ستة عشر عاماً، العام الذي تعرفت فيه عليه، وبأمر من ليس غير سعدي يوسف، على أية حال ليعذرني القراء، بأن المنطقة المحررة التي تخصني على الصفحة هذه ستكون محجوزة في الأسابيع القادمة لتذكر تلك الأيام. الحلقة الأولى منها تبدأ بعبدالستار ناصر. وحلقتها الأخيرة ستنتهي به. تذكر عبد الستار ناصر هو في النهاية مناسبة للمرور على أربعة عقود. أربعة عقود من الصعود والهبوط، من التقدم والانهيار، إذا لا تكون أربعة عقود من كل هذا الخليط، من بداية صعود الحداثة الأدبية في الستينات، إلى انحطاطها اللاحق بعد عقد الجبهة الوطنية والقومية التقدمية، ثم اندلاع الحرب العراقية الأولى في 22 أيلول/سبتمبر 1980، ثم دخول المارينز بغداد في 9 أبريل/نيسان 2003، وحتى اليوم.
المرة الأولى التي التقيت بها بعبد الستار ناصر، في بداية أعوام السبعينات، في شتاء 1972، لم تكن تلك هي زيارتي الأولى لبغداد، لكنها الزيارة الأولى التي جعلتني أتعرف على العديد من أدباء بغداد. والفضل يعود بذلك في المقام الأول للصديق أحمد خلف، الذي اضافة لإعجابي بالقصص التي نشرها في ذلك الحين، فإنني سبق أن تعرفت عليه في زيارة سابقة له لمدينة العمارة، جاء إليها بصحبة مثقف عماري عرفني عليه، اسمه حسين عجة (يقيم اليوم في باريس). طبعاً أشكر أحمد خلف على دخولي مبنى اتحاد الأدباء، ليس لأنني لم أملك في حينه بطاقة عضوية للاتحاد تسمح لي بالدخول حتى اليوم! ، بل لأنني - باستثناء أحمد - لم أعرف أديباً آخر في بغداد. حتى حسين عجة الذي كان موجوداً في تلك الليلة في النادي، أراد مغادرتي بأسرع وقت، ربما ظن أنني ما زلت صغيراً على النادي، مازلت طالباً في الصف الخامس الثانوي، على عكس أحمد، الذي كان فرحاً بمصاحبتي إلى هناك، ولم يهمه فارق السنّ الذي بيننا، أحمد خلف من مواليد 1943، وأنا من مواليد 1956، وهذا يعني عندما دخلنا نادي اتحاد الأدباء في تلك الليلة، كان له من العمر 29 عاماً، فيما دخلت أنا للتو السادسة عشر من عمري.
من الضروري رواية ذلك، لأن من الصعب لي الحديث عن عبدالستار ناصر، دون الحديث عن زملائه من الأدباء، الحديث عن المحيط الأدبي الذي عاش فيه، الحديث عن المرحلة الحاسمة تلك من حياة الأدب العراقي، بكل ما مر به الأدب من صعود وهبوط، من نجاح وأزمات، أما البناية هذه الواقعة في العلوية التي بناها الإنكليز أصلاً عل خطى بنائهم النوادي الأخرى في الحي الذي أقاموا فيه، أقول البناية هذه لعبت وما تزال دوراً مهماً في حياتنا جميعاً، سواء كعاطلين عن الأدب أو أدباء! الدخول إليها كان مفتاح لدخول عاصمة الأدب بغداد، وهذا ما شعرت به في تلك الليلة، عندما دخلت مبنى اتحاد الأدباء، مع أحمد خلف، قادمين من شارع السعدون، من مكتبة حياوي بالضبط. هناك اتفق معي أحمد على اللقاء. ومن لا يعرف المكتبة العريقة ؟ بالنسبة لي أعرفها من زيارات سابقة لبغداد.
يتبع
أربعينية عبد الستار ناصر مناسبة لتذكر تلك الأيام
[post-views]
نشر في: 17 سبتمبر, 2013: 10:01 م