جاء تقرير خبراء الأمم المتحدة، الذين حققوا في استخدام أسلحة كيماوية ضد المدنيين في غوطة دمشق، ليؤكد توفر أدلة واضحة ومقنعة على استخدام غاز السارين خلال المجزرة، إضافة لتأكيدهم استخدام السلاح الكيماوي ضد مدنيين بينهم أطفال على نطاق واسع نسبياً في النزاع المستمر بين الأطراف المتصارعة، وأن العينات البيئية والكيماوية والطبية التي جُمعت، تُقدم أدلة واضحة ومقنعة على أن صواريخ أرض-أرض استُخدمت في الهجمات جنوب وغرب دمشق، وأن هذه النتيجة تثير قلقاً كبيراً، وفي جزئية ذات أهمية ودلالة، شدّد التقرير على أن الصواريخ المُستخدمة في مجزرة الغوطة، من نوع لايمتلكه غير نظام الأسد، ما يثبت مسؤوليته عنها.
السؤال المطروح اليوم حول استعجال لافروف وكيري بإبرام اتفاق جنيف قبل صدور قرار المفتشين، وقبل أن يعلن أمين عام الأمم المتحدة، أن تقريرهم الذي يثير الرعب في النفوس، أكد أن غوطة دمشق شهدت أسوأ هجوم بالأسلحة الكيماوية في القرن الحادي والعشرين، وأن على مجلس الأمن التحرك بشكل عاجل، ومحاسبة من استخدم الكيماوي، مُطالباً بان لايفلت من استخدمه من العقاب، بدل الاكتفاء باتفاق، لايعلم أحد ان كان سينفذ بتفكيك ترسانة الاسد الكيماوية، وبما أبعد شبح الضربة العسكرية التي هدد بها أوباما، أقله على المدى القصير، ولن يريح ضمير من عقد الاتفاق ومن أيده من الجانب الغربي، إعلانهم ضرورة استخدام تقرير المحققين، لإبقاء الضغط على نظام الأسد، لإجباره على احترام تعهداته بالتخلص من ترسانته الكيماوية، فيما ترفض موسكو أي تهديد بعمل عسكري ضد حليفها السوري.
يُثرثر الأميركيون وبعض الغربيين، أن إبرام صفقة جنيف، ليس سوى خطوة أولى لحل الأزمة، مع إعلان متهافت عن إبقاء واشنطن فعلياً على التهديد بعمل عسكري، وفي الوقت عينه يُنوه أوباما بما قام به بوتين من تحمل للمسؤولية دفع الأسد إلى تفكيك أسلحته الكيماوية، ويكشف عن الهدف المنشود من تفكيكها، وهو الخشية من وقوعها في أيدي بعض أفراد المعارضة المناهضين لواشنطن، وهنا طبعاً لاأهمية لموت عشرات آلاف السوريين، ومع أن أوباما يُبشرنا بانقضاء فترة الحرب الباردة مع روسيا، فإنه مشكوراً يرفض مزاعم بوتين، حول مسؤولية مقاتلي المعارضة السورية عن هجوم الغوطة الكيماوي.
كانت اتفاقية جنيف التي برع بوتين بتمريرها، بمثابة طوق نجاة سياسي وعسكري للأسد، ورغم أنها ستجبره على دفع الثمن غالياً، فإنها ستحرمه من أفضلية عسكرية تُرهب معارضيه، على أنها ستمنحه دوراً لا غنى عنه خلال الأشهر القادمة، في المساعدة على تدمير مخزون الأسلحة الكيماوية، وبما يعني إضفاء الشرعية على نظامه، باعتباره المحاور الرئيسي مع المجتمع الدولي، ما يُلغي وصف واشنطن له بأنه "مثل جثة تتحرك على قدمين"، ويبدو مُضحكاً اليوم إعلان الخارجية الأميركية، أن اتفاق جنيف لم يغير موقف واشنطن من الأسد، بأنه فقد الشرعية ويجب ألاّ يستمر كحاكم، لأن ذلك يطرح سؤالاً عن من بوسعه غير الأسد تنفيذ الإتفاق الذي سمح للنظام بالعودة إلى ما كان يرتكبه قبل الهجوم الكيماوي، حيث تقمع قواته بضراوة المناطق الموالية للمعارضة حول دمشق، ما يعني أن الخشية من عقاب غربي لأي شيء يفعله الجيش لم يعد قائماً.
يصف البعض ما حدث بأنه اتفاق يضفي شرعيةً كاملةً، على وجهة النظر القائلة بأن الغرب يعمل فقط لمصالحه، ولن يتدخل إلاّ بما يتفق معها، فهل من يُكذّب ذلك، بعد اكتفاء الغرب بالقبض على السلاح، وترك من استعمله طليقاً؟
الكيماوي والعقوبات
[post-views]
نشر في: 17 سبتمبر, 2013: 10:01 م