TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > فقه القتل

فقه القتل

نشر في: 18 سبتمبر, 2013: 10:01 م

أدار المُصلي المؤمن "الجهادي" في الطقس الأخير من تعبده رأسه ناحية اليمين، مُردداً " السلام عليكم ورحمة الله"، التقت عيناه بعيني المؤمن الجالس على يمينه، بينما كانت يده تتحسس ما لفّه على خصره من متفجرات، لكنه لم يشأ الالتحاق بالحور العين قبل إكمال ما عليه من فروض، فأدار وجهه إلى اليسار مُردداً "السلام عليكم ورحمة الله"، فعل ذلك ببغاوية، بعيداً عن فهم مغزى ما يردده، ولا الهدف الذي شرعت لبلوغه الصلاة، سحب الحبل المربوط على خاصرته، فانفجر وهو يردد بصوت أجش: الله أكبر، كان أول من قُتل الجالسَين على يمينه ويساره وهما من كانت عيناه في عينيهما قبل لحظات، وتلاهما من كان قبل قليل يرص معهم الصفوف ويسويها ابتغاء رحمة ربه.
شهيد وقاتل في آن معاً، تلك هي الحالة التي تستحق الدرس والفحص والمتابعة من رجال الدين، بدل تفرغهم لحشو رؤوس الشباب بالغيبيات، ومحاولة حثهم على ارتكاب جرائم باسم الدين والطائفة، فالرجل لم يتخل عن حياته لمجرد شعوره باليأس، كان عقله محشواً بأنه يقوم بعمل جهادي يتقرب به الى خالقه بقتله كُفّاراً، تعلم ذلك من شيوخه الجاهلين، أو المتجاهلين بأن التكفير حكم شرعي مرده إلى الله والرسول، وأن إهدار دم المسلم أو المُتعاهد أو المُستامن ليس بيد المخلوق وإن ادّعى العلم بالدين ، والأدلة في ذلك كثيرة جداً، وهي مما أجمع عليه المسلمون، لكنهم مع ذلك يُفرّخون تكفيريين مستندين إلى الشبهات والتأويلات الباطلة، يستحلون ويستبيحون الدماء، وانتهاك الأعراض، وسلب الأموال الخاصة والعامة، وتفجير المساكن والمركبات وتخريب المنشآت.
قاتل الإمام علي الخوارج، لكنه لم يُكفّرهم، واعتبرهم مسلمين مع وجوب قتالهم لدفع ظلمهم، بعد أن سفكوا الدم الحرام، وأغاروا على أموال المسلمين، وإذا كان من ثبت ضلالهم بالنص والإجماع لم يُكفّروا، فكيف يجوز لمسلم تكفير الغير، ممن يعتقد أن الحق اشتبه عليهم في مسائل أخطأ فيها من هو أعلم من الإثنين، وهكذا فإنه لايحل لطائفة من المسلمين أن تُكفّر الأخرى، أو تستحل دمها ومالها، وإن كانت فيها بدعة مؤكدة، لأن في ذلك تجاوزاً على جملة من أحاديث الرسول، ومنها "كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه"، و "من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فهو المسلم له ذمة الله ورسوله" ولعل أهمها في الحال التي نعيشها اليوم قوله "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، قيل هذا القاتل، فما بال المقتول ؟ قال إنه أراد قتل صاحبه"
لانبالغ إن قلنا إنها الفتنة، حيث يتسيّد مفتو "جمع مفتي" الجهالة الموقف، فيفتنوا المسلمين عن دينهم، ويغرقوهم في مستنقع من اللغو يقود لكراهية الآخر وتكفيره وقتله، وبعيداً حتى عن التعصب الطائفي، يقود ذلك إلى أن نعود إلى العادات القبلية البائدة، فنستحل الثأر وما فيه من ظلم فاحش، ورغم أن العقلاء من رجال الدين على اختلاف طوائفهم، يدعون للأخوّة في الإسلام، ويُحلّون التعبد على مذاهبه كافة، حيث لا فرق بين سُنّي وشيعي،  فإن هناك كثيرين يزعمون أنهم رجال دين، وهم لايتقنون غير اذكاء الفتنة، وصب الزيت على النار، دون أن يرف لهم جفن، وهم ينظرون إلى دماء المسلمين المسفوحة في المساجد والحسينيات، إنهم مبتدعو فقه القتل، حلّت عليهم اللعنة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram