اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عربي و دولي > جريمة كيمياوية وردود أفعــال معقدة

جريمة كيمياوية وردود أفعــال معقدة

نشر في: 18 سبتمبر, 2013: 10:01 م

في أوائل الربيع تناول السفير الفرنسي لدى الأمم المتحدة جيرارد آرود مع نظيره الروسي الأزمة في سوريا وناقشاها، حينها قال آرود ان فرنسا لديها معلومات استخبارية وعلى وشك ان تعلن بان الحكومة السورية استخدمت الأسلحة الكيمياوية ضد شعبها. ضحك الدبلوماسي الرو

في أوائل الربيع تناول السفير الفرنسي لدى الأمم المتحدة جيرارد آرود مع نظيره الروسي الأزمة في سوريا وناقشاها، حينها قال آرود ان فرنسا لديها معلومات استخبارية وعلى وشك ان تعلن بان الحكومة السورية استخدمت الأسلحة الكيمياوية ضد شعبها. ضحك الدبلوماسي الروسي قائلا "جيرارد، لا تحرج الأميركان". كانت مكاشفة متبادلة، حيث كانت فرنسا وبريطانيا تضغط على مدى عام من أجل ان تنخرط الولايات المتحدة بشكل مباشر اكثـر في الحرب الدائرة في سوريا حيث تدور معركة بين الرئيس بشار الأسد وتمرد شعبي كلّف حياة 100 الف شخص وتهجير اكثـر من ستة ملايين آخرين. لكن واشنطن كانت تقاوم المناشدات التي تدعوها للقيام باجراء ما، وتتردد في الاستدراج الى مستنقع آخر في الشرق الوسط بعد عقد من القتال والمغامرة في العراق وافغانستان.

لم تكن تريد من فرنسا ان تزيد الضغوط من خلال اخبار العالم بان الأسد يرتكب اعمالا وحشية باسلحة الدمار الشامل. حتى عندما اعلنت فرنسا ادعاءاتها في اوائل حزيران، فقد قالت ادارة اوباما انها بحاجة الى المزيد من الوقت والأدلة للحكم على ما حدث. بعد اسبوعين، قال البيت الأبيض بان وكالات الاستخبارات الأميركية لديها "ثقة عالية" بان الأسد قد شن هجمات كيمياوية على نطاق ضيق خلال العام المنصرم.
لكن بينما كانت باريس تقول إن كافة الخيارات مطروحة، كانت واشنطن تقلل من حجم الهجمات واكتفت بالوعد بتقديم المزيد من المساعدة لثوار سوريا. الفجوة بين الحليفين الغربيين كانت مجرد خطوة خرقاء في الرقص غير الطبيعي لمدة سنتين حول الحرب الأهلية في سوريا. ذلك الرقص صار اكثر تعقيدا خلال الأسابيع الاخيرة بعد ان نشرت أدلة بيانية عن هجوم كيمياوي اكبر يوم 21 آب على شاشات التلفاز والحاسوب في كل العالم، حيث أظهرت اشرطة الفيديو أشخاصاً في ضواحي العاصمة دمشق اصيبوا بمحنة غامضة وقاتلة. رجال ونساء واطفال يعانون من صعوبة التنفس مع رغوة في الفم وارتعاش في الجسم، بينما أظهرت لقطات اخرى عددا من الجثث ليس عليها جروح واضحة. قال الثوار ان الأسد قتل المئات من المدنيين بالاسلحة الكيمياوية، بينما نفى الأسد ذلك لكن الأدلة توحي بشيء آخر.
في الأيام القليلة التي أعقبت الهجوم كان يبدو من المحتمل ان الولايات المتحدة وبعض حلفائها سيشنون هجمات على الأسد وجيشه. في 2012 أطلق اوباما على أي هجوم كيمياوي في سوريا بانه "خط أحمر" لا يجوز تجاوزه. لكن بعد ان بدأ الرئيس الأميركي بمحاولة اقناع الكونغرس بدعم الضربات العسكرية، اتضح الافتقار الى الحماس السياسي - ليس في واشنطن فقط اذ ان كثيرين في الغرب راحوا يتساءلون عن المنطق في التدخل العسكري. بعد ان تعبوا ماديا وسياسيا وعاطفيا بسبب العراق وأفغانستان، بدأ المصوتون في الولايات المتحدة وبريطانيا وغيرها بالقلق فيما اذا كان العمل العسكري سيساعد في سوريا، وابلغوا مسؤوليهم المنتخبين بأنهم يعارضون الضربة. كما صوّت البرلمان البريطاني ضد العمل العسكري، وفي الأسبوع الماضي ومن خلال تصويت على الموضوع كان يبدو أن الكونغرس الأميركي يتجه نحو دحر المقترح وظهر بديل آخر – جزئيا من خلال التصميم وجزئيا عن طريق الصدفة. بعد ثلاثة ايام تقريبا من المحادثات بين واشنطن وموسكو - التي كانت منذ زمن تدعم الأسد وقواته – يصوت مجلس الأمن على مشروع قرار ينص على تسليم السيطرة على الأسلحة الكيمياوية السورية الى مفتشين دوليين يقومون بعدها بتدميرها. القرار يستهدف فقط الأسلحة الكيمياوية ولا يواجه الحرب الأوسع في سوريا والتي يبدو انها ستستمر.
إن الرئيس الفرنسي نيكولاس ساركوزي، الذي اندحر مؤخرا، هو الذي حث الغرب أولاً على مواجهة الأسد بالقوة العسكرية، فمع تمتع اغلب افراد الطبقة السياسية الفرنسية باجازاتهم خلال آب من العام الماضي، تحدث ساركوزي – الذي خسر الرئاسة في مايس لصالح فرانسوا هولاند – عبر الهاتف مع مسؤول بارز في المعارضة السورية – عبدالباسط سيدا رئيس المجلس الوطني السوري لمدة 40 دقيقة. كان هدف المحادثة هو الضغط على هولاند من أجل مزيد من المشاركة في سوريا. اما مدى تأثير ذلك على هولاند فمازال غير واضح، الا ان فرنسا سرعان ما دعت الى اجتماع مجلس الأمن على مستوى وزراء الخارجية. كان رد الفعل الأميركي فاترا؛ حيث لم تحضر هيلاري كلينتون – وزيرة الخارجية حينها، كما لم يحضر وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف ايضا. ان دفع فرنسا باتجاه تقديم مساعدة مباشرة للثوار واجه القليل من الدعم باستثناء بريطانيا وتركيا اللتان دعتا الى تأسيس مناطق آمنة فورية في سوريا. لم يستسلم الفرنسيون – الذين كان يطلق عليهم في الفترة التي سبقت حرب العراق بأنهم " القرود التي تخلت عن أكل الجبن " لكرههم للعمل العسكري- حيث بدأوا يجسون النبض حول امكانية فرض منطقة حظر جوي. أخبرت مصادر دبلوماسية فرنسية وكالة رويترز بان باريس تدرس امداد الثوار بمدفعية ثقيلة لحمايتهم من هجمات الحكومة اذا ما تمكنت المعارضة من تأسيس حكومة انتقالية. قال السفير الفرنسي في سوريا أريك شيفاليير – الذي انسحب من البلد بوقت مبكر بعد تزايد قمع الأسد – علنا ان هولاند قد ابلغه بالمساعدة في تنظيم المعارضة وادامة الاتصال بالمجاميع المسلحة، حيث قال ان باريس كانت تناقش " بجدية " قضية تسليح الثوار. كما كان شافاليير اول مبعوث غربي للقاء الجنرال سالم ادريس – الذي انشق عن قوات الأسد واصبح رئيس اركان الجيش السوري الحر.
لم يكن الفرنسيون يميلون بشكل واضح الى العمل العسكري؛ كانوا يشعرون ان المشاركة الأميركية الكاملة كانت ضرورية من أجل اتخاذ إجراءات أخرى بما فيها التعامل مع روسيا. قال دبلوماسي فرنسي "الفكرة كانت كما يلي، من حيث توازن القوى، اذا لم تشارك الولايات المتحدة بالكامل بكل قوتها فلن نتمكن من مصارعة الروس. لم تكن الفكرة إقناعهم بالسير الى الحرب وانما المشاركة بجدية في الملف السوري "، أي بالكلام وليس بالعمل، الا ان تردد اوباما في المشاركة قد اتضح في مقابلة معه في كانون ثان مع المجلة الأميركية (الجمهورية الجديدة) ". حيث قال "في موقف كسوريا، عليّ ان اسأل، هل يمكننا تغيير ذلك الموقف؟ هل سيكون للتدخل العسكري أي تأثير؟. هل يمكن ان يشعل عنفا اسوأ او يؤجج استخدام الأسلحة الكيمياوية؟.. وكيف أوازن عشرات الالاف من القتلى في سوريا مقابل عشرات الالاف من الذين يقتلون اليوم في الكونغو؟".
كان البريطانيون افضل حالا من الفرنسيين في اقناع اوباما باتخاذ موقف متشدد. قال دبلوماسي فرنسي " كان البريطانيون على الدوام اقرب الينا من الأميركان، واوضح مثال هو الاسلحة الكيمياوية لأننا عندما اعلنا ما كشفناه طلب الأميركان المزيد من الأدلة".
خلال اجتماع الماراثون لوزراء خارجية الأتحاد الأوربي في بروكسل يوم 27 مايس، نجح البريطانيون – بدعم من باريس – في رفع حصار الأتحاد الاوربي مقابل ارسال الاسلحة الى ثوار سوريا – رغم ان البلدين اتفقا على ايقاف اتخاذ قرار بشأن تسليم الاسلحة لغاية الأول من حزيران. لم يشارك الأميركان في القرار الأوربي رغم دعمهم له. كان البرود واضحا بين الولايات المتحدة وفرنسا. في ذلك المساء كان من المقرر ان يلتقي جون كيري وزير الخارجية الأميركي بنظيره الروسي لافروف في باريس لمناقشة مبادرة جنيف 2 لحمل الأسد والمعارضة على الجلوس الى مائدة المفاوضات. لكن رغم مكان الاجتماع فلم يكن الفرنسيون مدعوين للمشاركة في المحادثات، حسب مصادر دبلوماسية.
في حزيران، عندما اعلنت فرنسا ان فحوصاتها لعينات التربة والدم والملابس قد اظهرت استخدام السارين، كان موقف واشنطن متذبذبا وبالتالي وافقت على ان السارين قد استخدم بكميات "محدودة". بقيت واشنطن تهتم بالتفاوض لايجاد حل للازمة بدلا من أي شكل من اشكال العمل العسكري. في حينها قال دبلوماسي اميركي لوكالة رويترز " هذه الادارة الأميركية قلقة جدا من الوقوع في فخ اقليمي والغرق في الشرق الأوسط، وبالنسبة لسوريا فان الادارة تواجه بلدا مسلحا تسليحا جيدا وانها لا تدري حقا ما هي العواقب ولهذا السبب لا تريد الادارة ان تنشغل به ".
بعد عامين ونصف من بدء الأحتجاجات لأول مرة في سوريا، لم يقدم الغرب الا القليل من المساعدة للثوار، على الأقل اسلحة قادرة على مواجهة قوة الأسد النارية المتفوقة، خاصة طائراته المقاتلة.
في حديث له قبل الهجمات الكيمياوية في نيسان، قال مصدر دبلوماسي غربي كبير" اوباما لديه العراق ووراءه افغانستان، حيث قال لحاشيته (اثبتوا لي ان التدخل الأميركي في سوريا سيؤدي الى تحسين الموقف). انه موقف شرعي ". واضاف المصدر " اوباما يركّز على اعادة بناء اميركا ووضع مصالحها في المقام الأول ". كما ان مصلحة واشنطن في سوريا كانت متأثرة بالموقف الروسي.
بعد ان استخدمت موسكو اولا حق الرفض في مجلس الأمن لمنع اية خطوة باتجاه فرض عقوبات على الأسد في ت1 2011، شعرت الولايات المتحدة ان من العبث الدفع باتجاه عمل قوي. توصلت واشنطن الى ان " اعادة بوتنة (نسبة الى بوتين) السياسة الخارجية الروسية – كما اسماها دبلوماسي اوربي كبير – تعني ان اي اتفاقية مع موسكو لن تكون مفيدة بدون تغيير كبير في الموقف العسكري على الأرض".
كان ديفيد كاميرون على البلاج لقضاء اجازته مع عائلته عندما انتشرت انباء الهجوم الكيمياوي في سوريا يوم 21 آب. تحدث هاتفيا مع اوباما عما يجب القيام به. لغاية تلك اللحظات كان كاميرون – الذي استحوذ عليه التدخل في العراق عام 2003 والمرفوض شعبيا – يستبعد تسليح المعارضة السورية، ويركز بدلا من ذلك على تقديم المساعدات الأنسانية ومحاولة اجراء محادثات سلام. الا ان الصور التي رآها غيرت تفكيره. وعد كاميرون اوباما بان القوات البريطانية ستشارك في ضربات عسكرية عقابية اذا ما أثبتت الأدلة القاطعة ان الأسد وضباطه هم من استخدمها. دعا كاميرون الى انعقاد البرلمان – الذي كان في اجازته الصيفية السنوية – ليوم واحد من اجل التصويت على القيام بعمل عسكري ضد سوريا " مبدئيا ".
خلال الأيام التي سبقت النقاش، كان اعضاء البرلمان البريطاني منشغلين بالاتصالات الهاتفية والرسائل الألكترونية من مصوتين يعارضون العمل العسكري على اساس انه يؤجج المزيد من العنف ويغرق بريطانيا في حرب مكلفة اخرى. خسر كاميرون التصويت بمعدل 285 مقابل 272 صوتا، وهي اول مرة يندحر فيها زعيم بريطاني في مسألة كهذه منذ عام 1782. حتى ان بعض زملاءه من حزب المحافظين ثاروا عليه، كما اصطف حزب العمال المعارض ضده رغم حصوله على العديد من التنازلات. اعترف كاميرون بهزيمته وهو غاضب، حيث قال " اتضح لي ان البرلمان البريطاني – الذي يعكس آراء الشعب البريطاني – لا يريد ان يشهد عمل عسكري بريطاني، وسنعمل انا والحكومة وفقا لذلك ". فيما بعد قال مسؤولون في الحكومة البريطانية انهم كان باستطاعتهم كسب الاصوات بعد اسبوع لأن المزيد من النواب المحافظين سيكونون حاضرين ولكانوا اعطوا كاميرون المزيد من الوقت للتوصل الى صفقة مع حزب العمال.
في واشنطن، ادرك مسؤولو البيت الأبيض حتى قبل التصويت في لندن بان العزيمة البريطانية بدأت تنهار، وقال مسؤول اميركي ان ذكريات العراق لاتزال تخيم على اعضاء البرلمان البريطاني وهو ما لم تحسب الادارة الأميركية حسابه. كان على اوباما ان يقرر التواصل في العمل العسكري من عدمه بدون الدعم البريطاني. بعد يوم من التصويت البريطاني وخلال نزهة حول البيت الابيض مع كبير مستشاريه، اختار اوباما مسلكا وسطا وقرر ان يجعل الكونغرس يوقع على ضربة عسكرية.
رغم تصويت البريطانيين بعدم الموافقة وقرار اوباما بالذهاب الى الكونغرس، بدت فرنسا عازمة على التصرف كعادتها. ذكرت اخبار من باريس حتى لو قرر الكونغرس التصويت ضد الضربة فان فرنسا ستزيد من مساعدتها العسكرية للثوار السوريين كوسيلة لتغيير موازين القوة على الأرض. رثى مسؤول فرنسي بارز الغرب لأنه كان يجب ان يتدخل قبل ثمانية اشهر " اخبرنا الأميركان ان عليهم الذهاب بثبات لكنهم أصروا على انهم سيقودون هذا العمل وسيكونون في الخط الأول اذا ما حصل ذلك ".
في موسكو، كان بوتين ينظر للأمر بشكل مختلف، حيث أعلن ان الثوار كانوا وراء الضربة الكيمياوية. لكن رغم ذلك ووراء الكواليس كان بعض الدبلوماسيين يسمعون بان روسيا وسوريا ستحاولان تفادي الضربة من خلال صفقة للتخلي عن اسلحة الأسد الكيمياوية.
خلال توجه القادة الى اجتماع جنيف 2 في سنت بطرسبورغ، انقسمت الآراء حول كيفية المضي قدما. لقد بدأ احتمال الضربة العسكرية يتضاءل، وبدأت الأحداث تأخذ منحى غير متوقع. خلال استراحة في جلسة الصباح، اقترب بوتين من اوباما وانزويا الى زاوية من القاعة حيث جلسا وتحدثا على مدى ثلاثين دقيقة بينما ينظر اليهما بقية القادة. قال مسؤول اميركي كبير اثناء رحلة العودة " لم يكن حديثا حادا" وفي نفس الوقت لم يكن مثمرا.الا ان الزعيمين، كما أكد بوتين فيما بعد، ناقشا " وضع اسلحة سوريا الكيمياوية تحت السيطرة الدولية ".
في التاسع من ايلول وفي مؤتمر صحفي في لندن، ذكر كيري بان الأسد قد يتجنب الضربة اذا ما قام بتسليم اسلحته الكيمياوية الى مفتشين دوليين " يمكنه تسليم كل قطعة من سلاحه الكيمياوي الى المجتمع الدولي في الاسبوع القادم وبدون تأخير والسماح بمحاسبة كلية وكاملة ". سارعت وزارة الخارجية الى التقليل من شأن التصريح واعتبرته " حجة خطابية ". لكن بعد ساعات اتصل كيري بلافروف من هاتفه، وذكر لافروف ملاحظات كيري في لندن وقال انه يرغب بالمشاركة في فكرة تسليم سوريا لأسلحتها الكيمياوية. نفى كيري ان يكون تصريحه مقترحا رسميا وقال بانه يبقى متشككا باي شيء يتم التوصل اليه لكنه وعد بدراسة أي مقترح جاد. اعطى المسؤولون الأميركان انطباعا بانهم يعتقدون ان العرض كان حيلة سياسية من جانب بوتين لتفادي العمل العسكري. لكن فيما بعد قال بعض معاوني اوباما ان فكرة تسليم الأسد لأسلحته الكيمياوية قد نوقشت من قبل اوباما وبوتين في جنيف 2 في المكسيك العام الماضي ومرة اخرى خلال دردشتهما الخاصة في سنت بطرسبورغ. بعد ذلك مباشرة التقى السفير الروسي لدى واشنطن سيرجي كسلياك بوندي شيرمان المسؤولة رقم 3 في وزارة الخارجية الأميركية وسلّمها وثيقة من صفحتين تحتوي افكارا عن كيفية تنفيذ المبادرة، حسب مسؤول في وزارة الخارجية الذي اضاف " عند هذه النقطة لم يكن لأي أحد خطة محكمة ".
اتصل كيري بلافروف مرة اخرى في العاشر من ايلول واقترح ان يلتقيا هما وفريقيهما في جنيف. غضب البيت الأبيض عندما ظهرت مسودة مشروع قرار فرنسية عن تفتيش الأسلحة الكيمياوية في وقت متأخر من ذلك اليوم. كان وزير الخارجية الفرنسي لورين فابيوس يريد مشروع قرار يمكن ان يقود الى استخدام القوة، ويلقي اللوم على الأسد، ويتوعد بمحاكمة مرتكبي هجوم 21 آب. من جانبهم اعلن مسؤولون اميركان بان فرنسا تحاول ان تبدو وكأنها هي التي تقود الأحداث.
رغم ان اوباما اخبر هولاند بانه يدعم مشروع القرار الفرنسي، فقد اتصل كيري بفابيوس وسأله عن المغزى من وراء تقديم المشروع، انزعج المسؤولون الفرنسيون من عدم دعوتهم الى جنيف، حيث كانوا يخشون من ان يقبل الأميركان بمشروع قرار ضعيف لكي ان يتجنبوا الضربات.
بعد محادثاته مع كيري اخبر وزير خارجية لوكسمبورغ جين اسلبورن بانه يشعر وكأن البيت الأبيض يتطلع الى وسيلة للتملص من الضربة العسكرية، " لرفع المسؤولية عن عاتقه".
استعد الأميركان للتفاوض في جنيف، وحمل كيري عرضا استخباراتيا – جاهز للمشاركة مع روسيا - يفصّل تقديرات الولايات المتحدة لترسانة الأسلحة الكيمياوية السورية وبنيتها التحتية: 1000 طن من الأسلحة والعوامل الكيمياوية، وعلى الأقل 24 بحثا، ومواقع انتاج ومزج، حسب مسؤولين اميركان.
اندهش المسؤولون الأميركان عندما علموا ان لافروف قد جلب معه فريقا كبيرا من المتخصصين بالأسلحة الكيمياوية وخبراء استخبارات وقانونيين، مما يبين بان موسكو كانت مستعدة للشروع بالعمل. قال مسؤول كبير في الخارجية الأميركية " جلبوا اشخاصا يعرفون حقا مادة الموضوع وهذه دلالة ايجابية مبكرة ". اجتمع الفريق في فندق جنيف الدولي المشهور باللقاءات الدبلوماسية التاريخية. كان من بين الخلافات الكبيرة الفرق الهائل في تقدير حجم الاسلحة الكيمياوية السورية.بالنتيجة تحول الروس الى جانب الموقف الأميركي.
انتشرت اشاعات عبر الصحافة بان الروس يخططون لأنهاء المحادثات لذلك اليوم ويغادروا. غادر لافروف الفندق مرتين لأستلام اتصالات من بوتين في المبعوثية الدبلوماسية الروسية القريبة من الفندق. استمرت المحادثات ليلا حتى صباح السبت. في احدى النقاط، ناقش المتفاوضون كيفية تدمير جزء من الاسلحة الكيمياوية السورية على الأقل دون اخراجها من سوريا. اقترح احدهم ان يتم سكب احد المكونات – الكحول – في الصحراء السورية، فعلق لافروف قائلا " نحن الروس لا نسكب الكحول في الصحراء ". حسب احد كبار المسؤولين الأميركان، فان المفاوضين الأميركان كتبوا اغلب المسودة حيث قال – بالاسلوب الدبلوماسي – " الأميركان هم من كان يمسك القلم "، فلم يتفق معه دبلوماسي روسي كبير قائلا " جميعنا نمسك القلم معا. لقد عمل خبراؤنا والخبراء الأميركان كفريق واحد.لم يفترق كيري ولافروف خلال تلك الأيام الثلاثة ".
تم التوصل الى اتفاق عند مائدة من الخشب الصلب بالقرب من مسبح الفندق حيث تجمّع كيري ولافروف واثنان من المعاونين. بعد التوقيع، تصافح كيري ولافروف واخذا يتنزهان على ناصية المسبح.
في 14 ايلول، اعلنت الولايات المتحدة وروسيا بانهما اتفقا على ارسال قرار المسودة الى منظمة حظر الأسلحة الكيمياوية التي تقوم بتنفيذ اتفاق 1997 الهادف الى تخليص العالم من الأسلحة الكيمياوية. نص القرار على " اجراءات تدمير برنامج الأسلحة الكيمياوية السورية والتحقق جيدا من ذلك ".
من جانبه سيصدر قرار من مجلس الأمن يعزز هذه الخطوة بما في ذلك خطوات تضمن التحقق والتنفيذ الفاعل. سيتم تدمير كافة مواد الأسلحة الكيمياوية السورية وتجهيزاتها في النصف الأول من عام 2014. ينص الأتفاق على " في حالة عدم التوافق مع ذلك او النقل غير المخول للاسلحة او أي استخدام لهذه الاسلحة من قبل أي شخص في سوريا، فعلى مجلس الأمن فرض اجراءات بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ".
حاليا، تركت طبيعة هذه الاجراءات دون القرار عليها مثل الكثير من التفاصيل الاخرى. تقول واشنطن ان العمل العسكري لازال محتملا. قال احد الدبلوماسيين الاوربيين بان تكرار التقلبات الدبلوماسية لواشنطن قد يضر بسمعتها، كما ان فرنسا قد تمت معاملتها على انها " احمق مفيد ".
عند سؤاله عن ملاحظاته الأولى بان الأسد لن يوافق على التخلي عن اسلحته الكيمياوية، قال كيري " لقد قلت فعلا ان ذلك مستحيل وانه لن يفعلها. احيانا تتطلب لغة الدبلوماسية اختبار الأمور وقد فعلنا ذلك ".
تحدث كيري ولافروف عن طريق الهاتف 11 مرة ما بين الهجوم الكيمياوي في سوريا حتى لقاءهما في جنيف الاسبوع الماضي. اقترح كيري ان الصفقة محتملة دائما.
" لقد تحدث مع رئيسه، وتحدث رؤساؤنا في سنت بطرسبورغ، اما ما بقي فمتروك للتاريخ ".
 عن/ ديلي ستار

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

طبيب الرئيس الأمريكي يكشف الوضع الصحي لبايدن

مقتل رجل اعمال سوري مقرب من الأسد بغارة إسرائيلية

ترامب يختار "جي دي فانس" مرشحا لمنصب نائب الرئيس

زلزال بقوة 7.4 درجة يضرب تشيلي

320 شهيداً ومصاباً "حرقاً" خلال 48 ساعة بأسلحة "محرمة دولياً" في غزة

مقالات ذات صلة

عربيا.. العراق يحتل المرتبة الرابعة بإنتاج لحوم الدجاج

عربيا.. العراق يحتل المرتبة الرابعة بإنتاج لحوم الدجاج

متابعة/ المدىقالت خدمة الزراعة الخارجية التابعة لوزارة الزراعة الأمريكية، إن العراق جاء بالمرتبة الرابعة عربيا والتاسع عالميا بإنتاج 200 ألف طن من لحوم الدجاج خلال العام الماضي.واحتلت البرازيل والولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي المراتب...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram