اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تشكيل وعمارة > المدينة في العراق ومايمكن أن تقدمه للمراهق

المدينة في العراق ومايمكن أن تقدمه للمراهق

نشر في: 20 سبتمبر, 2013: 10:01 م

يبدو أن دور المراهقة Adolescence في حياة الفرد كان – وربما لايزال – أكثـر الأدوار تعرضا ً للإهمال والنسيان، والتأريخ لا يذكر الكثير عن هذا الدور الذي يعادل في طول مدته تقريبا ً فترة الطفولة، ولعل الاكثـر من ذلك أن يقابل المراهقون في الأغل

يبدو أن دور المراهقة Adolescence في حياة الفرد كان – وربما لايزال – أكثـر الأدوار تعرضا ً للإهمال والنسيان، والتأريخ لا يذكر الكثير عن هذا الدور الذي يعادل في طول مدته تقريبا ً فترة الطفولة، ولعل الاكثـر من ذلك أن يقابل المراهقون في الأغلب بالازدراء من قبل البالغين. غير أن الدراسات السايكولوجية المعاصرة تدرك أهمية وخطورة هذه المرحلة في حياة الإنسان كفرد وكذلك أهميتها وخطورتها في حياة المجتمع.

تشكل المراهقة مرحلة انتقالية في حياة الفرد ليس من السهل السيطرة عليها وتوجيهها، وتشكل هذه الفئة (المراهقين) من المجتمع جزءا ً غالبا ً ما يميل الى العزلة والخروج عن الفئات العمرية الاخرى، وغالبا ً ما يقابل بعدم الفهم فيقع في دوامة انقطاع الاتصال ببقية المجتمع قد تقود المراهق الى قرارات متطرفة كالرفض أو العزلة في حين أن من الممكن أن تقوده علاقاته السليمة الى طريق بناء الذات وطريق العمل والإنتاج. " فمرحلة المراهقة من أخطر المراحل التي تواجه كل من يقوم بالتربية، وذلك لانها مرحلة انتقال جسمي وعقلي وانفعالي واجتماعي، بين مرحلتين متميزتين هما : مرحلة الطفولة ، الساذجة الهادئة، ومرحلة الشباب التي تُسلم المراهق الى الرشد والنضوج والتكامل ..." ( الشافعي، ناصر. 2009. فن التعامل مع المراهقين. ص 3 ).
فما الذي تقدمه المدينة لفئة المراهقين من إمكانات؟ وما هي الفعاليات الممكن لهم انجازها فيها؟ وكيف يعيش المراهق مدينته؟ وماهي العلاقات التي تربطه بمسكنه وبحيّه السكني وبمدرسته وبمدينته في العموم؟ وهل يجد المراهق في مدينته بيئة مناسبة للتنفيس عن طاقاته وللنمو بشكل صالح؟
لدراسة طبيعة علاقة المراهق بمدينته يمكن ذلك من خلال التركيز على ثلاثة عوامل تؤثر وتشكل هذه العلاقة اثنان منها إيجابيان هما: إحساس المراهق بالحرية Freedom & Release وتمتعه بها، وشعوره بالمسؤولية Responsibility وتقبله لها، أما العامل الثالث فهو سلبي يتمثل بفقدان السيطرة Uncontrollably وانعدام المراقبة. ما يهمنا هنا هو النسيج الحضري للمدينة City Urban Structure ودوره خلال هذه العوامل.
يتمثل العامل الاول فيما توفره المدينة من مؤسسات Institutions ومبان ٍ Units وأوساط Milieus وإمكانات Possibilities وتسهيلات Facilities للمراهق لاستخدام طاقاته الكامنة وخاصة الجسدية منها لتنمية الثقة بالنفسIndependence والتي تمثل الهاجس الاهم لدى المراهق، و يمكن ترجمة هذه الطاقات على شكل فعاليات رياضية أو فنية أو أدبية أو علمية أحيانا ً أو بشكل مبالغ به ومغامِر في أحيان أخرى.
تسهم المدينة هنا فيما توفره من صالات رياضية ومسارح وأماكن ترفيه وملاعب وحدائق ومخيمات ملائمة لهذه الفئة العمرية، وتمثل هذه المؤسسات أهم ما يمكن أن تقدمه المدينة للمراهق للاستغلال الامثل لوقت الفراغ Leisure Time والذي يشكل لدى المراهق وقتا ً يعادل في أهميته ووزنه وقت الدراسة School Time ، هذه الموازنة التي لابد للبالغين أن يتنبهوا لها ولابد للمخطط الحضري Urban Planner أن يضعها ضمن حساباته. وتمنح المدن المعاصرة في الدول المتقدمة شطرا ً وميزانية ً كافية ً لإقامة وإدارة هذه المؤسسات.
يكاد يكون النقص في مدننا في العراق في هذه المؤسسات فاضحا ً، لا تكاد تجد الفتاة المراهقة أي مؤسسة حضرية تلبي احتياجاتها هذه، في حين يجد الفتى المراهق نفسه دوما ً عنصرا ً مضافا ً ضمن مؤسسات أخرى لاتخصه هو ذاته كملاعب البالغين والمتنزهات العامة والصالات الرياضية لفئات عمرية أخرى مما يفقده هذا الاحساس بالحرية والثقة بالنفس ويجعله عرضة لضغوط نفسية وجسدية تدفعه غالبا ً الى اعتزالها أو الى لعب دور سلبي فيها.
اضافة الى ذلك عادة ما تنسى مدننا هذه الفئة من المجتمع وتتجاهل مؤسساتها مما يدفع بالمراهق الى البحث عن أماكن أخرى تتحول في الاغلب الى بؤر غير صحية داخل النسيج الحضري للمدينة City Urban Pattern، فتتحول بعض الشوارع بما تتضمنه من أخطار وإزعاجات للسكان الى ملاعب كرة قدم، وتتحول شواطئ الأنهار الخطرة والمستنقعات غير الصحيّة الى مسابح للمراهقين، وتتحول بعض الحدائق والمتنزهات المفترضة الى ملاعب غير أمينة لرياضات متنوعة مثل الدراجات الهوائية.
كما يمكن للمدينة أن ترفد المراهق بإمكانات متعددة من خلال مؤسسات أخرى لها وظائف أخرى تشكل المدرسة أولها وأهمها، وهناك العديد من المدن التي تتحول فيها المدرسة مباشرة بعد نهاية ساعاتها التعليمية الى مؤسسات لفعاليات أخرى رياضية وأدبية وترفيهية، ولهذه العملية وجهان كلاهما إيجابيان؛ الاول هو الاستفادة القصوى من المدارس وتجنب تحولها الى مبان ٍ فاقدة للحياة بعد انتهاء التعليم فيها، وكذلك جعلها مكانا ً محببا ً للطالب والتخلص من فكرة كونها مكانا ً مملا ً لتلقي الدروس فقط والابتعاد عن الطابع العسكري والذي يغلب على معظم أو كل مدارسنا في العراق. تنحو الدراسات والاتجاهات التخطيطية الحديثة الى نبذ فكرة اقتصار المدرسة على التعليم المنهجي فقط وتحويلها الى مؤسسة لتنمية قدرات الطالب الاخرى والذي يفضي بدوره الى التركيز على فضاءات أخرى في المدرسة عدا الصفوف الدراسية والادارة، كالصالات الرياضية والقاعات المتعددة الاغراض وباحات المدرسة التي بدأت تتخذ شكلا ً جديدا ً على أنها صفوف دراسية مفتوحة. فأين مدارسنا في العراق من كل هذا؟ وهل يجد التلميذ – وخصوصا ً المراهق – في العراق تلك البيئة التي تحبب المدرسة اليه دون أن يشعر بضغوط نفسية وجسدية؟ هناك الكثير من المدارس في دول عديدة تفتح أبوابها للطلاب لممارسة فعاليات متعددة حتى في أيام العطل الصيفية.
يتمثل العامل الاخر في خلق وتنمية شعور المراهق بالمسؤولية تجاه مدينته عموما ً وتجاه مرافقها المتنوعة ومبانيها وخدماتها وبالخصوص تجاه المؤسسات التي تقدم خدماتها له بالذات. يشكل المراهق في العادة فردا ً مربكا ً للنظام الحضري في المدينة ولطرق الاستفادة منه وبشكل فوضوي نوعا ً ما، وغير ملتزم، فالمراهق يميل عادة الى عدم الالتزام بالتعاليم المرورية ويتعامل مع الاثاث المديني City Furniture مثل أماكن الجلوس العامة والمصطبات ومواقف الباصات ولافتات الاعلانات والإشارات المرورية وإنارة الشوارع وواجهات المحال وغيرها بشكل خشن وفظ. لكن ذلك لايعني أن المدينة تتراجع عن تقديم خدماتها تجاه الفرد المراهق والآخرين، وتشكل الخدمات التي تقدمها المدينة للمراهق والمذكورة ضمن العامل الاول أكثر الوسائل فعالية لامتصاص هذه الرغبة الفوضوية لدى المراهق، كما يمكن توجيهه وتنمية الشعور بالمسؤولية لديه بطرق عدة.
بعض هذه الطرق لايرتبط مباشرة بالتخطيط الحضري للمدينة، ولكن بسياسات المدينة وإداراتها. من هذه الطرق هو أشراك المراهقين ببعض الاعمال مقابل بعض الاجور ولا شيء كالعمل يدفع الى الشعور بالمسؤولية. ومن هذه الطرق أيضا ً هو سعي أدارات المدينة الى تأسيس الجمعيات التي تهتم بشؤون المراهقين وتشجيعهم على الانتماء اليها والمشاركة في أدارتها مما ينمي فيهم روح المشاركة الفعّالة كأفراد بالغين في المجتمع.
ولكن للتخطيط الحضري دوره أيضا ً في خلق الشعور بالمسؤولية هذا لدى المراهق، يأتي أولا ً من خلال إيجاد المؤسسات والإمكانات التي تلبي احتياجاته والتي تم الإشارة اليها، وكذلك من خلال الإشارة الى حضور الفرد المراهق في مكونات المدينة وعدم إهماله والازدراء به. من الأمثلة على ذلك وضع أماكن الجلوس الملائمة لهذه الفئة العمرية في الاماكن العامة والمتنزهات والمكتبات – يرغب المراهق بالجلوس بحرية أكبر بكثير من الفرد البالغ -، أو وضع بعض التجهيزات الملائمة لركوب الدراجات الهوائية ورياضة Skateboard في الحدائق العامة وفي ساحات المدارس، وغيرها.
أما العامل الثالث فهو سلبي يتأتى من إهمال هذه الفئة وفقدان السيطرة والمراقبة مما يدفعهم الى إيجاد حلول متطرفة وربما شاذ ّة لإنجاز فعالياتهم والى أيجاد نقاط وأماكن منعزلة بعيدة عن هذه السيطرة يمارس فيها المراهق بعض العادات والاعمال التي لايمكن له ممارستها في الاماكن العامة كالتدخين وتعاطي الكحول والمخدرات وقضاء أوقات فراغه في أمور سلبية لافائدة فيها ومنها، يلعب التخطيط الحضري الخاطئ دورا ً مهما ً في خلقها وإيجادها، وخاصة حين يتعامل مع مخطط المدينة بطريقة غير متوازنة وغير عادلة أذ يركـّز ويهتم بنقاط معينة ويهمل أخرى فيجعلها أماكن ثانوية مهملة مثل المناطق الخضراء الصغيرة الخلفية للأحياء السكنية والأماكن المظلمة والسيئة الإنارة وخلفيات المباني غير المدروسة وما شابه، وهي التي يحولها المراهق غالبا ً الى بؤر لممارسة هذه الاعمال بعيدا ً عن الرقابة.
كما أن للتخطيط الحضري دوره الايجابي في تنظيم المدينة فأن له دوره السلبي أيضا ً في خلق أجزاء غير صالحة ضمن هيكل المدينة هذا. ويظهر ذلك بوضوح من خلال تعامل هذه الفئة – المراهقين – مع مثل هذه الاجزاء من الهيكل الحضري. هذه الفئة التي تشكل أصعب فئات المجتمع توجيها ً والتي مازالت أكثرها تعرضا ً للإهمال والنسيان.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. خالد السلطاني

    مضمون المقال هام جدا، واعتقد بان فحواه يطرح لاول مرة بهذا الوضوح والاهمية، في لفت انظار المخططين الى فئة عمرية، اهملت، ولا احد اضحى يهتم بها اهنئ الكاتب لتطرقه الى هذه الاشكالية التخطيطة، باسلوب مهني وواضح ومركز وممتع ..ايضا

  2. المهندس ضياء محمد هاشم

    شكرا على المقال الذي ينور من يهتم بالمدينه و شريحة المراهقين من سكانها و حبذا لو وصلت هذه المقاله الى مجلس محافظة بغداد التي تعدادها 6 ملايين نسمه و تتطلب العنايه بمراهقيها ذكورا و اناثا و امانة بغداد كذلك شكرا للمره الثانيه املين المزيد في هذا الخط من ا

يحدث الآن

واشنطن تحذر بغداد من التحول الى "ممر" بين ايران ولبنان

تقرير أمريكي: داعش ما زال موجوداً لكنه ضعيف

انتخابات برلمان الاقليم..حل للازمات ام فصل جديد من فصولها؟

صورة اليوم

المباشرة بتطبيق الزيادة في رواتب العمال المتقاعدين

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

باليت 42 بدايات عام جديد

السُّخرية السريالية ودلالة الأيقون في أعمال الفنان مؤيد محسن

المصرف الزراعي في السنك: بزوغ الحداثة المعمارية العراقية

عمارة تلد مسابقة!

دار هديب الحاج حمود.. السكن رمزاً للانتماء

مقالات ذات صلة

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

شباب كثر يمرون بتجارب حب وعشق فاشلة، لكن هذا الإندونيسي لم يكن حبه فاشلاً فقط بل زواجه أيضاً، حيث طلبت زوجته الأولى الطلاق بعد عامين فقط من الارتباط به. ولذلك قرر الانتقام بطريقته الخاصة....
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram