يرى كثيرٌ من المراقبين أنّ وقت تسوية ملف إيران النووي قد حان، بعد وضع كيماوي سوريا في عُهدة المجتمع الدولي تمهيداً لتدميره، خصوصاً أن الحرب في سوريا صدّعت الهلال الممتد من طهران إلى الضاحية الجنوبية في بيروت مروراً بدمشق، التي تتلقّى اليوم تداعيات السيطرة على سلاحها الستراتيجي، وفقدت القدرة على أن تكون حليفاً فاعلاً لإيران، في حال تعرضت لتهديد غربي جدي، واستفدت طهران كل طاقتها في دعم نظام الأسد، حتّى جاء كيماوي الغوطة ليقلب الطاولة، ويغير قواعد اللعبة، ويضع الحلف الروسي الإيراني، في خانة العجز عن إنقاذ النظام السوري من مصيره، الموضوع اليوم بيد المفتشين الدوليين، وتحت رحمة لعبة الأمم. بعد الاتفاق على تدمير كيماوي سوريا بمبادرة روسية، فتحت طهران عينيها على وسعهما، وشنّفت آذانها لتسمع دبيب النمل، خشية مبادرة جديدة يطلقها بوتين، بعد أيّ حادثة تقود الغرب لتهديد إيران عسكرياً، وتؤدي بالتأكيد إلى تسوية تضع النووي الإيراني على جدول أعمال التخلص منه، وعلى الأرجح بنقل اليورانيوم عالي التخصيب إلى روسيا، باعتبارها بيتاً آمناً وصديقاً لطهران، وبما يسمح لاحقاً بقرع طبول الانتصار على المؤامرة الغربية، على غرار ما تصدح به حناجر مؤيدي الأسد، وهنا فقط يمكن فهم استعجال الرئيس الإيراني "المعتدل"، الطلب إلى موسكو البحث عن تسوية مُستعجلة لملفها النووي، تُرضي الغرب وإسرائيل في آن معاً.هنا تتبدّى البراغماتية، التي تمنع طهران من وضع بيضها كُلّه في سلة بوتين، بعدما رأت تصرفه مع كيماوي حلفائه السوريين، وهي لذلك تحاول فتح خطوط مع الغرب، فيغازل رئيسها واشنطن معلناً عن تبادل رسائل مع أوباما، قد تؤدي إلى أمر مهم، ويتعهد بإغلاق أهم المحطات النووية بشروط ميسرة، ويدعو الحرس الثوري إلى عدم التدخل في السياسة، بينما يمارس المرشد علي خامنئي لعبة تهيئة الحرس وجموع الإيرانيين، لقبول نتائج ليونة التعامل مع الغرب، لتفادي المواجهة العسكرية معه، وما ستجره من مصائب على شعوب إيران، ومستقبل جمهورية ولاية الفقيه، التي تواجه أوضاعاً داخليةً صعبةً، أقل صعوبةً من ما يجري في سوريا، المثقلة بحرب النظام مع معارضيه، وسيطرة بعض الفصائل المسلحة على مناطق معينه، حد إقامة إمارات إسلامية فيها، بينما حدودها منتهكة بالجهاديين، المؤيدين للنظام والمعارضين، وكُلهم يُقاتل دفاعاً عن الإسلام ومقدساته . تُدرك طهران أن الغرب حسم خياره، برفض أيّ تردد أو تلكؤ أو مماطلة منها، في الرد على مطالب وكالة الطاقة الذرية، لذلك تسعى للانقلاب على مواقفها المتشددة، رغم ارتفاع أصوات بعض ديماغوجييها عن نظام دولي جديد، تملك فيه موسكو الرأي الأرجح، وتلعب فيه إيران دور المُهيمن على مصائر الشرق الأوسط، بينما ترتفع أصوات تدعو لاغتنام الفرصة الاستثنائية، لإنهاء عقود من العداء المتبادل مع واشنطن، من خلال التنازل عن الجانب العسكري في مشروعها النووي، مقابل بقاء الأسد في السلطة، تجنباً لأكلاف انهيار نظامه، الذي استثمرت فيه الكثير، وتداعيات ذلك على نفوذها في العراق ولبنان، وعند حركة حماس. إيران لا تترك حدثاً في حجم تدمير الكيماوي السوري يمر، دون الاستفادة من دروسه، ولذلك طلب روحاني من بوتين التدخل في التفاوض مع الغرب، لأنّ بلاده تريد حلاً في أقرب وقت ممكن، في إطار المعايير الدولية، لكن ذلك يطرح سؤالاً عن إمكانية نجاح ذلك، مع معارضي الأسد وحلفائهم في المنطقة وخارجها
نووي إيران بعد كيماوي سوريا
[post-views]
نشر في: 20 سبتمبر, 2013: 10:01 م