السياسي الفاشل عادة ما ينتقم من جمهور يرفض سماعه.. هكذا يخبرنا خطيب الثورة الفرنسية ميرابو،، الذي اتهمه إبراهيم الجعفري قبل أيام بأنه كان مُنافِقاً، وسبباً في اغتيال الثورة.. لا يزال ساستنا مصرّين على أن يتعلموا من روبسبير لا من غاندي.. لا تفكر في أرواح الناس فهي لا تعادل خطبة ثورية واحدة.. هذا هو الدرس الذي يعطيه روبسبير للطغاة.. لم يكن صدفة أن تعطي البشرية في وقت واحد هتلر وغاندي.. يكتب غاندي: "حيثما توجد خطب وحيثما يتكاثر الخطباء.. فإن البلاد ستذهب في طريق الهلاك حتما"..
اختصرها غاندي الذي كان يرفض أن يخدع الناس: "إني أوثر الانتظار أجيالا وأجيالا، على أن ألتمس حرية شعبي بالخطب الزائفة والزاعقة "..يتكرر مشهد الخطباء على مر العصور دون أي تغيير.. مجرد إضافات جديدة.ألم يخبرنا الجعفري أمس: "ما لم تكن مثقفاً فاجلس في بيتك، لا نُريد أن نحكم العراق بالعصا، إنما نحكم العراق بخطاب"!
تأملوهم جميعا. كل واحد يستخدم لغة "القائد الضرورة" بجمله وتعبيرات وجهه وعصبيته وابتسامته.. يقال إن هتلر كان يلمّع شعره قبل كل خطبة نارية.. هل تعرفون ما اسم اللجنة التي أسسها هتلر لملاحقة خصومه؟ إنها لجنة " السلامة الوطنية ". بهذه اللجنة حكم بالموت على الملايين.. وبمساعدة أعضاء اللجنة من الثوريين كانت الناس تعدم في الزنازين وتغيب في أقبية المعتقلات.
كم سياسياً ومسؤولاً حرق البلاد بسبب لجان المصالحة والمساءلة والاجتثاث؟ كم سياسياً يريد ترويض الناس بجمل وشعارات عن الوطنية ومخافة الخالق؟ كم انتهازياً يشن كل يوم هجوما على أدمغة الناس باسم هيبة "السلم الوطني"؟
كم زمناً سنعيش تحت حكم المعقدين نفسياً والمصرين على أن نعيش معهم دهوراً من الجهل والتخلف؟ إلى متى سنتحمل سياسيي الخطب الرنانة وهلوساتهم؟ هل يمكن أن نصدق أنّ سياسيين جاءوا باسم الدفاع عن الحق والعدالة، نجدهم اليوم يحاولون إقناعنا بأن المشكلة في البلاد ليست في الأمن المفقود، ولا في غياب الخدمات وقتل الناس على الهوية.. وإنما مع الخطاب الإعلامي الذي يتربص بالسادة المسؤولين. ولهذا فإن مناقشة قواعد وآداب الخطابة، أهم وأنفع للناس من مناقشة الخراب الذي يحيط بنا من كل جانب!
كم عمراً سنضيّع مع أحاجي وحزورات يطلقون عليها ظلما صفة خطاب من شاكلة: " هذه تُثري السلطات الموجودة، لسنا في أزمة قوالب، وهياكل جديدة لا نُريدها سلطة جديدة، لكننا نُريدها أن تكون روحاً تتموَّج إلى بقية المُبادَرات الأخرى.".. لا تصدقوا ان هذه العبارة قالها فوكو انها من تدابير الجعفري.
قال روزفلت مرة لتشرشل: "إياك والصراخ.. إنه غير ضروري ويقلل من قيمة الإنسان " فيما نحن نعيش مع ساسة لا يقدمون لمواطنيهم سوى الصراخ والابتسامات الباهتة.
كم صدمة ستتحملها قدراتنا، ونحن نجد نائب رئيس الجمهورية يطالبنا نحن المواطنين بأن نتحمل مسؤوليتنا فيما لم يلتفت إلى أصحاب القرار ليقول لهم: " اتقوا الله في مواطنيكم "!
كم سنحتمل من استعراضات ساستنا "الأشاوس" الذين يريدون منا أن نتربى على خطبهم، وأن نرفع شعار السمع والطاعة؟ كم مرة سنتحمل سياسيا يريد منا أن نلغي كل إمكانية التفكير والبحث، من خلال استدرار عواطف البسطاء واستغفالهم؟!
والآن تخيلوا معي أن مواطنا بسيطا سمع ما قاله الجعفري والمالكي والنجيفي والخزاعي أمس في مؤتمر" السلم الاجتماعي "، فما ذا سيحدث؟ ولماذا نتخيل أصلا، وساستنا يصولون ويجولون في الفضائيات، بجمل وشعارات عن المؤامرات التي تحاك ضد العملية السياسية، دون أن يقولوا لنا إن المؤامرة التي يتعرض لها العراقيون، هي بسبب وجود سياسيين يصرّون على أن يحوّلوا الأوهام إلى حقائق، ويحرّفون الوقائع من أجل خدمة مصالحهم الشخصية.
أيها العراقيون لا تصدّقوهم إنهم يريدون لنا "الخراب" في لحظة يحلم فيها الناس بدولة حقيقية... دولة مواطنين، لا دولة تبحث عن فن وأصول الخطابة.
لماذا يُحبّ الطغاة الخطابة؟
[post-views]
نشر في: 20 سبتمبر, 2013: 10:01 م
انضم الى المحادثة
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
جميع التعليقات 3
عساكم بخير
المتتبع للاحداث في بلدنا منذ 2003 ولحد يومنا هذا يستطيع وبكل بساطة ان يشخص مواطن الاخفاق والخلل في مجمل الاوضاع السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والخدماتية فكيف بهم هولاء اللذين يتباكون على وحدة العراق وسلمه الاجتماعي وبيدهم زمام الامر لايعملون
رمزي الحيدر
زمن الدجل والانحطاط
علي العراقي
والله اتعبونا ....مللنا صراخهم ...وكلماتهم الزائفة ونعرف جيدا انها زائفة ومضللة وعلينا تصديقها ...ماذا نفعل وهم بهذا المستوى من التردى والتخاذل والتراجع .... لقد اصبح المجتمع في حالة تراخي وموت بطيء فمن يغير اذا اصبح بأيديهم كل شيء ويجب ان نقتنع بالواقع ا