بغض النظر عن النتائج التي ستسفر عنها الإنتخابات التشريعية في إقليم كردستان العراق، فإن المهم أن هذا الاستحقاق الدستوري مر بهدوء، رغم الظروف المتوترة المحيطة بالإقليم، ورسّخ فيه تجربتة الديموقراطية، التي استكملت أحد شروطها بخوض الحزبين الرئيسيين العملية الانتخابية بقوائم منفصلة، بعد أن كان مُعتاداً دخولها بقائمة موحدة، ما كان يعني أن تقاسم المواقع والمسؤوليات محسوم قبل معرفة نتائج الانتخابات، وما إذا كان عديد النواب لأي منهما يسمح بالمناصفة، أما اليوم فإن كُلاً منهما سيحصل على حصته بقدر ما يجمع من أصوات، مع ضرورة التنبه إلى ما ستحصل عليه حركة تغيير، والوزن الذي سيكون لها في البرلمان القادم، ما يعني حُكماً أن التحالفات ستكون مُغايرة لما كان معروفاً منذ تأسيس الإقليم، واعتماده نتائج الإنتخابات طريقاً لتسيير شؤون البلاد.
انتهت عملية الانتخابات، التي بلغت نسبة المشاركة فيها 74% بنجاح، وأظهر الكرد مواطنين ومسؤولين فهماً عميقاً للديمقراطية، يؤشر إلى وعي حقيقي، سيكون ساطعاً بعد إعلان النتائج وقبولها بروح رياضية من الجميع، من ربح منهم الجولة ومن خسر، خصوصاً وان المتنافسين أشادوا بالعملية الانتخابية قبل ظهور النتائج، حيث قال نائب رئيس الاتحاد الوطني برهم صالح، إن هذه الانتخابات تحمل مؤشرات إيجابية، على رغم التحديات التي تحيط بالمنطقة عموماً، ونحن سنحترم ما يقرره شعبنا، فيما قال زعيم حركة تغيير نوشيروان مصطفى، إن هذه الانتخابات بداية جديدة للشعب الكردي، والآن بات المطلوب تشكيل حكومة جديدة، على أساس النتائج النزيهة للانتخابات التاريخية، التي لن يقلل من أهمية نتائجها، أنها شهدت للأسف بعض الخروق والتعثر، الناجم عن سوء استخدام أجهزة حديثة تحد من حالات التزوير.
على هامش الانتخابات سعى بعض المغرضين، لاستحضار الخلافات السابقة والمؤسفة، بين الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني، علماً بأن الواقع يؤكد أن قيادة الحزبين تجاوزت تلك المرحلة البائسة، واعتمدت الحوار الإيجابي بديلاً وإرادة الناخبين حكماً، حيث يُدرك الجميع أن الحكومة التي ستسفر عنها هذه الجولة الانتخابية، ستتحمل مسؤولية أهم القرارات الستراتيجية، التي سيتبناها كرد العراق خلال العقود القادمة، ومن أبرزها تفعيل القرارات التي سيتخذها المؤتمر القومي الكردي حين انعقاده، والتعاطي الإيجابي مع ردود الفعل المنتظرة من الدول التي يقطنها أبناء الامة الكردية، ومع المواقف الدولية من تلك القرارات، دون أن يؤثر ذلك على أوضاع الإقليم المستقرة والمزدهرة،إضافة للتعامل اليومي مع الحكومة المركزية في بغداد، وهي تناور لمنع الكرد من تحصيل حقوقهم المشروعة.
المهم أن العملية الانتخابية، التي لم تحظ للأسف بالاهتمام الذي تستحقه من الإعلام العربي، مرت بهدوء، وأفشلت توقعات وآمال كثيرين بأن تصطبغ باللون الأحمر، الذي بات السمة الأساس للمنطقة، وتجاوزت تداعيات محنة كرد سوريا، الواقعين بين سندان النظام ومطرقة التكفيريين، ومعهم بعض فصائل القومجيين في الجيش الحر، الذين يستكثرون عليهم المطالبة بحقوقهم المشروعة، بينما يزعمون السعي لبناء سوريا ديمقراطية، ومرةً ثانيةً وثالثةً وعاشرة، لابد من الجهر بأن شعب اقليم كردستان العراق، أثبت أنه على قدر المسؤولية، وأن على سياسييه سماع صوته وتلبية طموحاته المستحقة، وأن على كل حزبي وسياسي هناك إدارك أن التجربة كرّست أن السلطة تنبع من إرادة الجماهير، وليس من الحلقات الحزبية، التي بات لزاماً عليها تكريس جهدها لفهم المطالب الشعبية، واستنباط الوسائل والبرامج لوضعها موضع التنفيذ.
مبروك للفائزين بثقة شعبهم وعلى من خسر الجولة تفهم الدرس والعمل من أجل المستقبل، وقبل وبعد كل شيء مبروك لشعب كردستان.
الانتخابات الكردية.. نجاحٌ مُستحق
[post-views]
نشر في: 22 سبتمبر, 2013: 10:01 م