انطلاقاً من العاصة بغداد وامتداداً الى سائر مدن البلاد، تشنّ حكومة السيد نوري المالكي الآن صولة "فرسان" جديدة، الهدف منها هذه المرة إفهام مؤسسات الإعلام المحلية غير الحكومية بانها مزدراة، وان والعاملين فيها غير مرغوب بهم حيث توجد الحكومة ومسؤولوها، وانهم يستحقون التعنيف وسوء المعاملة.
هذه الصولة أطلق أشارتها السيد المالكي، بالتعبير في غير مناسبة عن انزعاجه مما وصفه بتركيز هذه المؤسسات على السلبيات واغفالها الايجابيات في العمل الحكومي، وبتحريضها على العنف واثارتها النعرات الطائفية. ويبدو ان مرافقي المالكي وكبار المسؤولين في حكومته فهموا اشارته جيداً، ونفذ كل منهم دوره ومسؤوليته في الصولة الجديدة. واليكم ما حدث في يوم واحد فقط، هو أمس الاول (السبت)، فقد منع أفراد حماية رئيس الحكومة الاعلاميين في محافظة ذي قار من الدخول الى ملعب الرفاعي لتغطية حفل تدشين حقل الغراف النفطي بحضور المالكي نفسه، واستثني من الاجراء مراسلو قناة العراقية الحكومية (الفرات نيوز). وفي الوقت نفسه منعت قوة مشتركة من الشرطة الاتحادية والمرور ممثلي وسائل الإعلام من تغطية الاحتفالية المركزية لجامعة بغداد بمناسبة تخرج الطلبة للعام الدراسي 2012-2013 بحضور وزير التعليم العالي، بالرغم من حضور الإعلاميين بدعوة رسمية من الوزارة (المدى برس). وفي مكان آخر في بغداد، هو نادي الصيد، انسحب مراسلو وسائل إعلام محلية وعالمية من احتفالية نظمتها جبهة الحوار الوطني بزعامة نائب رئيس الوزراء صالح المطلك بمناسبة الذكرى السنوية العاشرة لتشكيل الجبهة بعد اعتداء حماية المطلك عليهم بالسب والشتم (بلادي نيوز).
حتى السلطة القضائية تبدو معبأة ضد الإعلام والإعلاميين، ففي يوم الثلاثاء الماضي أقدم حراس مجلس القضاء الأعلى على طرد ممثلي وسائل الإعلام بالقوة من مقر المجلس، وهم الذين كانوا مدعوين لحضور مؤتمر صحفي للحديث بشأن نقض قانون المجلس أمام المحكمة الاتحادية، ولم يقدّم مسؤولو المجلس أي تفسير لإلغاء المؤتمر الصحفي وللسلوك العدواني تجاه الإعلاميين (المدى برس).
هذه التصرفات صارت نمطية، يواجهها الإعلاميون يومياً تقريباً، وهو ما يدلل على ان في دولتنا تُطبق شريعة ذات علاقة بشريعة الغاب وليس بالدستور الذي انبثقت عنه الحكومة والبرلمان ومجلس القضاء وكفل حرية الإعلام.
السيد المالكي له بعض الحق في انتقاده لبعض المؤسسات الإعلامية والإعلاميين، لكن المشكلة في ما يتعلق بالسلبيات والإيجابيات إن سلبيات حكومته، وعموم مؤسسات الدولة وعلى رأسها مجلس النواب، كثيرة للغاية فيما ايجابياتها ضئيلة للغاية وتحتاج الى عدسات مكبرة للغاية لرؤيتها. يكفي أن نشير الى الفشل التام والكامل في حفظ الامن ومواجهة الارهاب وفي توفير الخدمات العامة الرئيسة، وفي مكافحة الفساد المالي والاداري والفقر والبطالة، وفي تحقيق أدنى حد من العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص. فأية ايجابيات ذات قيمة يريد رئيس الحكومة أن تكرّس لها الصحافة مانشيتاتها ووسائل الاعلام الاخرى عواجلها وتقاريرها المستفيضة؟
أما في ما خصّ التحريض على العنف واثارة النعرات الطائفية، فان رئيس الحكومة ومن حوله يرون الى الاشياء بعين واحدة، فهذا التحريض وهذه الإثارة لا يأتيان من مؤسسات اعلامية سنية أو بعثية أو وهابية فحسب، وانما أيضاً من مؤسسات شيعية تعمل داخل العراق وخارجه، وبينها موالية للحكومة ولحزب رئيس الحكومة (الدعوة الإسلامية)، بل حتى مؤسسة الدولة الإعلامية لا يمكن تبرئتها من تهمة العمل كمؤسسة حكومة وليست مؤسسة دولة.
ما يتعيّن أن يُدركه رئيس الحكومة ومن حوله ومن يواليه ان أفضل وسيلة وأنجع طريقة لضمان أن يكون الإعلام مهنياً، هما في عدم ازدراء مهنة الإعلام والتجاوز على كرامة الإعلاميين، وفي كفالة حقهم، وحق الناس من خلفهم، في الوصول الحر الى المعلومات وفي النشر الحر لهذه المعلومات .. أي باختصار شديد: الشفافية.
صولة جديدة
[post-views]
نشر في: 22 سبتمبر, 2013: 10:01 م