1في التقديم التعريفي تذكر المترجمة و الروائية ابتسام عبدالله ، ان مؤلف الرواية ( ج . م . كوتزي ) أو جون ماكسويل هو من جنوب أفريقيا ، و يحمل الجنسيتين الجنوب أفريقية و الأسترالية ، و قد نال العديد من الجوائز : جائزة بوكر في أعوام 1983 ، 1999 ، 2..3 ،
1
في التقديم التعريفي تذكر المترجمة و الروائية ابتسام عبدالله ، ان مؤلف الرواية ( ج . م . كوتزي ) أو جون ماكسويل هو من جنوب أفريقيا ، و يحمل الجنسيتين الجنوب أفريقية و الأسترالية ، و قد نال العديد من الجوائز : جائزة بوكر في أعوام 1983 ، 1999 ، 2..3 ، كما تنوه المترجمة الى أن المؤلف أقتبس عنوان ( في إنتظار البرابرة ) من قصيدة الشاعر اليوناني كفافي ، و ربما يكون متأثرا" بمسرحية الكاتب الإيرلندي صامويل بيكيت ( في إنتظار غودو ) ، و كذلك كان متأثرا" برواية الكاتب الإيطالي دينو بوتزالي ( صحراء التتر ) عنوانا" و مضمونا".
تجتهد الرواية في تقديم عالم مدهش و مشحون بالتنوعات التصويرية في السرد و الحبكة و الإنتقالات المقنعة و المقبولة ، فالروائي يدخلك في مشاهد من الحروب المفتعلة تارة ، و الوهمية تارة أخرى ، و هو يريد بذلك أن يجعل القارىء يطلع على الذرائع التي تتشدق بها الإمبراطوريات و الحكومات في ممارسة التنكيل و الإرهاب بحق شعوبها ، و من خلال هذه المشاهد التصويرية ، يطرح المؤلف أفكارا" متداخلة من الفلسفة و المواقف التي يُروج لها عنصر المخابرات ، بإعتباره الحامي و المدافع عن هذه الإمبراطورية و تلك الحكومة ، تسويقا" لشعارات و لافتات بإسم الوطنية ، لن يضيرها إذا ما دهمت تخريبا" و تدميرا" ، الحياة الهانئة و السعيدة ! .
الرواية تبدو للقارىء في البداية صعبة الإستيعاب ، بل و تُشعرك بجفافها التشويقي ، كونها في لغتها السردية ، تُكثر من التداخل لعوامل و حالات و أحداث ، حيث يشعر القارىء ، إنه أمام عالم مزحوم و مضغوط بأحداث و أحلام و أفكار و رؤى ، و يتطور هذا التداخل الى إختلاط هذه الأحداث و الأفكار بالأزمنة التي ربما تكون غابرة أو معاصرة أو حتى متخيلة ، إذ من الممكن أن تكون كل هذه الأحداث التي تدور في إمبراطورية ما ، مختزلة في بلد المؤلف ( جنوب أفريقيا ) أو حتى من الممكن أن تنطبق هذه الأحداث و زمن من هذه الأزمنة على بلد مثل أمريكا ، و هو من وراء هذا التداخل يريد المؤلف ، التركيز على محور الصراع البشري ، الصراع الإجتماعي ، الصراع الحضاري ، بل و يعطي صورة جلية
2
عن العلاقة السائدة بين الفئات ، و هو بهذا التركيز يعطيك عموما" ، مشاهد من الصراع الفئوي والطبقي في آن .
فالرواية في الجانب الآنف ، تستعرض في سرد مكثف – و هنا أشير الى اللغة المتوافقة التي أفلحت في مقاربتها المترجمة و الروائية ابتسام عبدالله – حالة التصنيف و التمييز بين المستوطنين الذي يدعوّن التحضر ، و هم من هذا الإدعاء ، يظهرون حالة التكبر و روح الإستعلاء في تصرفاتهم حيال السكان الأصليين ، و هذه المشاهد تأريخيا" و إجتماعيا" ، إذا ما عدنا الى سياسة التمييز العنصري أو الفصل العنصري ، تنطبق تماما" على جنوب أفريقيا و أمريكا ، و الرواية من هذه السياسة ، قدمت لنا توصيفا" ساخنا" للأجواء السائدة بين المستوطنين ( المتحضرين ) و الذين يمثلون ( الحضارة ) من جانب ، و من جانب آخر السكان الأصليين ( المتخلفين ) أو البدو ( البرابرة ) الذين يعملون في الرعي و الصيد و الزراعة ، و الذين يمثلون شريحة الفقراء البسطاء .
و على ذكر البرابرة ، فهؤلاء في الحقيقة مثلما يصفهم لنا المؤلف ، قوم هادئون و مسالمون، بل و يتعرضون غالبا" للنصب و الاحتيال من بعض أهل المدينة التي يمرون بها في المواسم فقط ثم يقضون بقية السنة بين البادية و الجبال و السهول و ضفاف الأنهار و البحيرات متتبعين مواسم الرعي و الصيد و الطقس البارد و الحار ، و هم بالتالي يكونون من ضحايا المستوطنين ( الأسياد ) الذي يتعاملون معهم بفوقية و إستعلائية ، من خلال إبتزازهم و خداعهم في البيع و الشراء و المقايضة ، كونهم فئة غير مرغوب بها من قبل الدولة المدينة ( دولة الحضارة ) التي تنعم بالعيش الرغيد ، بفضل المنتوجات و الخدمات التي يحصلون عليها من السكان الأصليين ، غير المرغوب بهم ، السكان الذين يبيعون في المدينة الجلود و الفراء والثمار والحيوانات التي يصيدونها أو يربونها ، ويشترون الملابس و الأغذية و السكر و الشاي و سائر احتياجاتهم في الريف و البادية و الجبال .
(( لقد حدث تدفق من اللاجئين الى البلدة ، صيادون من المستوطنات الصغيرة المتناثرة على طول النهر و شاطىء البحيرة الشمالي ، يتحدثون بلغة لا يفهمها أحد ، حاملين حاجياتهم المنزلية على ظهورهم فضلا" عن كلابهم الهزيلة و أطفالهم المترنحين يدبون في تثاقل خلفهم ، عندما جاؤوا للمرة الأولى ، أحتشد الناس حولهم ، هل كان البرابرة هم الذين قاموا بطردكم الى هنا ؟ سألوا بوجوه ضاربة ، يشدون أقواسا" وهمية.
لم يسأل أحد ما عن الجندية الأمبريالية أو عن حرائق الأدغال التي يضرمونها )) .
و خلال قراءتي للرواية ، بدا واضحا" و كما نوهت به المترجمة و أشرت إليه سلفا" ، أن الرواية أقتبست عنوانها من قصيدة الشاعر
3
سي . بي . كفافي و تحمل نفس العنوان ( في إنتظار البرابرة ) ، بيد أن كفافي الذي كتب قصيدته في العام 1898 ، كان مضمون قصيدته يأتي على عكس مسميات الرواية التي نحن بصددها في هذه القراءة ، فالبرابرة في القصيدة غزاة ، و المدينة القديمة و إمبراطورها هي الأصل ، إذ يقول فيها ( يتجه سكان مدينة قديمة إلى بواباتها بقيادة إمبراطورهم ، لانتظار وصول البرابرة الغزاة ) .
في رواية كوتزي و على عكس عنوانها ( في إنتظار البرابرة ) ، فهنا المؤلف في تصوير مشاهده ، يجعل من المخابرات في الإمبراطورية ، بأمس الحاجة الى البرابرة ، و بغرض إختلاق الأعداء ، حتى يتسنى للإمبراطورية إستخدام شتى وسائل القهر و العسف ضد الشعوب ، بذريعة محاربة البرابرة ، و يبدو في المقاربة العصرية و الواقعية ، أن حقبتنا الزمنية السائدة ، تتواجد فيها مقاربة حقيقية لمثل هذه اللافتة الذرائعية ، مثلما تقوم به أمريكا و الغرب عبر شعار ( الحرب على الإرهاب ) .
تهتم الرواية بأجواء العمل المخابراتي ، و تجعل منه محورا" لسرد الأحداث و الوقائع ، من خلال شخصية القاضي الذي يؤدي دور الراوي ، و قد عمد المؤلف الى عدم إعطاء أسم لهذه الشخصية ، كتأكيد من المؤلف على سرية المصدر ، و لا غرو إذا ما كان هذا المصدر هو نفسه الحاكم ( القاضي ) ، فقد رأينا في حقبتنا الزمنية المعاصرة ، وجود حقيقي لحاكم وصل الى سدة الحكم من تحت عباءة المخابرات ، كما هو حال الرئيس الروسي بوتين الذي كان أحد عناصر المخابرات الروسية ، لا سيما و أن أجهزة الأمن و المخابرات في أتون عملها تحرص أشد الحرص على عدم الكشف عن الأسماء الحقيقية لعناصرها ، و ربما أراد المؤلف من وراء ذلك ، التلميح أو حتى التأكيد على أن الحاكم ( القاضي ) كان في السابق يعمل في جهاز أمني و مخابراتي أو هو يستقي معلوماته من المخابرات ، و هذا الأمر لا يعني أن الرواية تجاهلت أسم المخابرات ، و إنما أفصحت عن هذا الأسم عبر تسمية تعميمية و ليست شخصية و تخصيصية ، عندما ذكرت ( المكتب الثالث ) .
اللافت في الرواية أن المؤلف جعل من الإختلاق ( الوهم ) ، نقطة محورية في إيجاد مقاربة مسبقة من الماضي ، عاكسا" إياها على الحاضر ، و هذا العمل تجسير بين الماضي و الحاضر على صعيد الصراع الطبقي و الفئوي و المجتمعي ، و كذلك هو صراع بين المجتمع المديني ( الحضر ) من جهة ، و من جهة أخرى مجتمع البداوة و الريف ، و ما ترتب على هذا الصراع من تداعيات و تطورات و إنعكاسات .
و الرواية في ما خلصت إليه ، بدت سياسية و تأريخية و شيئا" من الفلسفة ، وهي في السياق العام تناولت الصراع بجوانب عدة ، كما كشفت عن ديدن الدول الإستعمارية في مطامعها من خلال
4
الإستيلاء على خيرات البلدان المستعمرة – بفتح الميم - و ممارسة سياسات التمييز العنصري و الإستعلاء الفئوي .
و بالتالي ، فإن الرواية تدوين لسياسات القهر و إختلاق الأعداء المحليين ، مثلما هي رواية أماطت اللثام عن الأساليب المخابراتية التي تلجأ اليها الإمبراطورية و البلدان ذات النهج الإستعماري .
و تبقى بصمة الروائية و المترجمة أبتسام عبدالله ، واضحة في لغة السرد المنقبضة و المعقدة ، بعدما نقلتها الى لغة محكمة في التوضيح و الدلالة شيئا" فشيئا" ، و الى حد كأنك تشعر فيه أن نفس ابتسام عبدالله يتخلله بحنو و أُلفة !.