البايسكل هو الدراجة الهوائية، لأن الكثير من العرب يسمونها (البسكليت) وهي أحد أحلامي شبه المستحيلة عندما كنت طفلاً نظراً لضيق ذات اليد.
لم يتحقق هذا الحلم، شبه المستحيل، إلا في لندن عندما بلغتها أوائل أربعينياتي!
حصلت على أول بايسكل (ذي ثلاث عجلات) عندما كان عمري حوالي سبع سنوات من احد أبناء أختي في حي الأكواخ الشهير (العاصمة) خلف السدة/ سدة ناظم باشا ببغداد، لكنني لم أهنأ بحلمي الصغير، آنذاك، إذ انكسر البايسكل (لا أدري لم نذكّره بالإنكليزية ونؤنثه بالعربية) بعد يومين، ولفرط شغفي حاولت إصلاحه بلاصق عادي!
لم ينصلح، طبعاً، فأمضيت ليلتي قلقاً على بهجة يوم الغد، ونام ذلك الطفل على مخدّة مبللة بضوء القمر وبضع دمعات لم يرها أحد.
كبر الطفل وصار يسرق دراجة أخيه الكبير لكن ساقيه لا تطالان دواستيها فابتكر طريقة ما هي أن يمد ساقه جانبياً من تحت العارض ليقود دراجته مثل أعرج صغير.
الفضل لابن عمي الراحل جاسم حسين الخصاف الذي كان لا يفارق الدراجة الهوائية برغم أن عمله في السفارة البريطانية لا يتطلب هذا.. كانت السفارة تضع تحت تصرفه دراجة هوائية حمراء ماركة (كومريد = رفيق) جديدة دائماً، فهو من النوع الذي يضيق بدراجة انخدشت أو تعرضت لسوء، وهكذا كلما لمح في جسمها أي خدش أو أنها صارت عتيقة يتبرع بها لأخي الكبير أو أحد أقاربنا، وهكذا: دائما في بيتنا دراجة حمراء ماركة (كومريد) شبه جديدة، لكنها ممنوعة علي إلا وقت الظهيرة البغدادية الحارقة حيث ينام الجميع في قيلولة قلقة لأسرق الدراجة وأطوف الشارع المحيط بقاعة الخلد بكرادة مريم (الشاكرية بالأحرى).
الفضل للإنكليز!
منذ وصولي لندن وأنا أجهد لتحقيق حلم بغداد: امتلاك دراجة هوائية.
لم يتسن لي هذا حتى أهداني الشاعر الصديق صادق الصائغ دراجة هوائية مستعملة (جداً) لا يحتاجها وصرت أقودها تحت وطأة شعور غريب هو خليط من القلق والفرح واختبار الخيال في أن تتحول هذه الدراجة إلى حصان.. لكن هيهات!.
بالمناسبة سمعت من بعض أهلي من يسمي (البايسكل) (حصيّن الحديد) و (حصيّن) كما هو واضح: تصغير حصان!
برغم تقدم السن ما زلت أذهب إلى عملي بالدراجة الهوائية التي اشتريتها قبل عشر سنوات تقريباً، والفضل، ثانية، للإنكليز، لكنها ما زالت في أفضل حالاتها.
ثمة سر: بعض أصدقائي لم يصدق بأنني أذهب إلى العمل على دراجتي ، وله الحق، والبعض الآخر يسكت شكاكاً، ومعه الحق أيضاً، ذلك أن المسافات في لندن العظمى شاسعة وشاقة على شخص غير محترف، مثلي، يقطعها على دراجة، والحقيقة هي أنني أقود دراجتي في المسافات التي تفصل بين محطات القطار فقط، أي إنني أحمل دراجتي إلى القطار ثم أغادر القطار، مع الدراجة، طبعاً (أحملها وتحملني) لأصل عملي في الجريدة، ويكون مجموع ما قطعته على الدراجة لا يتجاوز الخمسة أميال = حوالي عشرين دقيقة لا أكثر.
أردت أن أضع عنوان (شاعر على دراجة) لهذا العمود لكن صديقي الشاعر الراحل أنور الغساني سبقني إليه – لكم أغبطه – ووضعه عنواناً لمجموعة شعرية.
العالم الفيزيائي الفرنسي سيباستيان باليبار كان "مدمن" دراجات هوائية، وله فصول جميلة جداً عنها في كتابه (اكسر شيئاً من الماء) الذي يبسط، مثل مواطنه أنطون دي سانت أكزوبري، فيه مسائل عويصة بشأن الماء والموسيقى والسماء الزرقاء والغيوم وتكون الثلج والأشجار، إضافة إلى الدراجة الهوائية.
عندما كنت طفلاً لم أعان مشقة صعود المنحدرات على بايسكلي، أما اليوم حتى نزول المنحدرات يبدو لسائق دراجة، مثلي، صعباً.
البايسكل
[post-views]
نشر في: 23 سبتمبر, 2013: 10:01 م