تنشر الصحافة العالمية الموثوقة تقارير من مراسليها في بغداد، تحمل تحليلات مبنيّة على مشاهدات ووقائع استقصائية، حول مظاهر لانهيار الوضع في البلاد ببطء، كما جاء مؤخرا في مجلة "فورين بولسي". ومثل هذه التقييمات لا تنطوي على مواقف عدائية او استهدافٍ للحكوم
تنشر الصحافة العالمية الموثوقة تقارير من مراسليها في بغداد، تحمل تحليلات مبنيّة على مشاهدات ووقائع استقصائية، حول مظاهر لانهيار الوضع في البلاد ببطء، كما جاء مؤخرا في مجلة "فورين بولسي". ومثل هذه التقييمات لا تنطوي على مواقف عدائية او استهدافٍ للحكومة. إذ ان الجهات التي تقف وراءها، تحرص على اعتماد معايير مهنية عالية، خاصة حينما يتعلق الأمر بوضع تصورات سياسية واقتصادية، تساعد على اتخاذ التدابير الاحتياطية الضرورية، لحماية المصالح الستراتيجية للولايات المتحدة الأميركية، وتحديد المؤشرات المستقبلية، ومدى ملاءمة بيئتها للاستثمار الستراتيجي فيها.
ومن وجهة سياسية فان الولايات المتحدة، والغرب عموماً، تقف الى صف العراق، وتدعم حكومته القائمة، بغض النظر عن الصراعات الدائرة بين الأطراف المشاركة في الحكومة ومعارضتها لنهج رئيسها.
وفي مسارٍ متصل، تزداد القناعة لدى أوساط سياسية بارزة، بأن ما يقال عن استمرار التردي، واتساع الخروقات الأمنية، والتخبطات العشوائية المتخذة لمواجهتها، تدفع الى مزيدٍ من التدهور في الأوضاع برمتها، اذا ما أضفنا الى المشهد الأمني، ارتفاع نسب الإهدار في اقتصاديات البلاد جراء استشراء الفساد والنهب المنظم، من جانب، والإخفاقات المتراكمة في الخطط والبرامج الاقتصادية، والنهج السياسي العام من جانب آخر.
وفي مثل هذا الوضع، وفي ظل المؤشرات السلبية الخطيرة، تظل القيادات السياسية المتشاركة في الحكم، تراوح في مواقع تبادل التهم والتعريض، والتنصل عن المسؤولية. وهي إذ تدرك استعصاء معالجة الأزمة المتفاقمة التي تنحدر فيها البلاد، وتفاقم الاحتقان في المجتمع وبين مكوناته، يجري الرهان بين الفرقاء، وهم على درجات متفاوتة من المسؤولية عن الحالة المتشظية، على اللعب في "الوقت الضائع" الذي يفصلهم عن الانتخابات التشريعية، في النصف الأول من العام القادم. وليس مهماً لدى الفريق الحاكم، ما تؤول إليه الأوضاع من سوء يطاول المواطنين المنهكين، ما دام ممكناً إمرار المناورات الكفيلة بتوظيف الصراع الطائفي، لإدانة الآخر، وتحميله وزر التردي، والانفلات الأمني وانعدام الوسائل الضرورية لحياة إنسانية كريمة.
ان اخطر ما يواجهنا معاً، اذا افترضنا أننا معنيون جميعاً بالبقاء في عراقٍ واحد مستقر ومعافى، التصدعات المتزايدة في الوضع الأمني التي تترافق مع اتساع النشاط الإرهابي للقاعدة، وفلول البعث، والتنظيمات المسلحة التكفيرية الوافدة، ومخططاتها، لتحقيق اختراقات في أنحاء مختلفة من البلاد، وإقامة ملاذاتٍ آمنة لها. وقد اصبح واضحاً، منذ الهروب الجماعي من سجني ابوغريب والتاجي، ان القاعدة تركز عملياتها الانتحارية والتفخيخية بشكل أساسي، في المناطق الآهلة المكتظة بالسكان، ببغداد، ومحافظات الجنوب والفرات، لإيقاع اكبر عدد من الضحايا والخسائر، مستهدفة بذلك تحقيق مستويين من الانتصار، المستوى الأول يهدف الى تأكيد وجودها القوي والمقتدر على التخطيط لتنفيذ عمليات على مستوى عالٍ من الدقة وفي اكثر من موقع وبنحو متزامن، والمستوى الثاني يسعى لخلق مناخٍ من الاستياء والشعور الكاسح في المناطق السُنّية، المستهدفة بالقمع الثأري، والملاحقة والاعتقال، لتعميق القناعة في أوساطها، بغياب الأمل في إيجاد نهاية لمعاناتها، وصولاً الى التعاطف مع أية ردود أفعالٍ مناصرة لمحنتها وظلامتها. لكن الأخطر من هذا يتمثل في خطٍ موازٍ يجري تحقيقه بتدرجٍ مريب، وهو زحفها واستهدافها، للحواشي الرخوة في المناطق الغربية القريبة من الحدود العراقية السورية بشكلٍ خاص، في مسعىً متواصل لتكريس ملاذات وحواضن آمنة، عصيةٍ على الاختراق او الوصول اليها من قبل القوات العسكرية الحكومية، او ان هذا الوصول مكلف في الأرواح والمعدات. وهذا ما توضحه التقارير الأخيرة حول هجوم القاعدة على عنة وراوة وحديثة، وتفجير جسر حيوي يربط غربي الأنبار بوسطها، ومحاولة احتلال مركز شرطة قضاء راوة، واغتيال قائممقام القضاء.
وتجري عمليات اختراقٍ مستمرة على جبهة نينوى، وتتسع الثغرات فيها، وتتعزز مواقع القاعدة في أماكن عديدة يعتبر بعضها بحكم الساقط عسكرياً.
وفي كل الأحوال، فان الهدف السياسي الستراتيجي لعمليات القاعدة، في المناطق الشيعية، بالإضافة للإصابات والخسائر، يتمحور حول استفزاز الحكومة والقيمين عليها، لدفعها الى اعتماد خططٍ عملياتيةٍ ثأرية بين السكان الآمنين وترويعهم، بشن حملات عشوائية انتقامية، غير مبنية على معلومات استخبارية او دلائل أكيدة وموثقة. وهذا بالضبط ما تريده القاعدة، لتوسيع دائرة التذمر والسخط وسلخ الأهالي هناك عن المساحة المتبقية لهم في العملية السياسية والرهان عليها. وفي ذات الوقت، عزل تلك الشرائح عن القوى السياسية المستمرة في العمل لإصلاح الوضع السياسي، وتدارك ما يمكن من الأخطاء الفادحة، بانتظار حلٍ شامل قد تأتي به الانتخابات التشريعية بعد شهور.
ان المخطط الذي بات واضحاً لكل ذي بصيرة، يستهدف في المحصلة النهائية، إشعال فتنة طائفية، تضع البلاد على مفترق طريقين، لا ثالث لهما، الرضوخ لإقامة فيدراليات طائفية، انتقالية الطابع، او تقسيم العراق وفق أسس طائفية ايضاً.
أما الحل الثالث، فهو بحاجة الى الكفّ عن مواثيق الشرف، فاقدة الشرعية، والخطابات واللقاءات المنافقة، والشروع بروح من المسؤولية الوطنية العالية، باتخاذ إجراءات عملية لسد الثغرات، التي لن تبقى في حدود الثغرات، مع مضي الوقت الضائع وتصعيد العمليات الإرهابية للقاعدة ونجاح مساعيها في توسيع الهوة بين الشيعة والسُنّة، ارتباطاً بالسياسة الحمقاء للحكومة وقواتها الأمنية.
وبعيداً عن الاتهام وتحميل المسؤولية، لا أرى من له مصلحة، في مثل هذه المبادرة، غير التحالف الوطني. فله الولاية على الحكومة، وعليه تقع المسؤولية في كل إخفاق وفشل، وهو من سيتحمل المسؤولية التاريخية، التي تترتب على ما يجري تداوله في المحافل السياسية الداخلية والدولية، بوصفه مظاهر انهيار العراق.
جميع التعليقات 1
منتصر ابو سحاد
استاذي الفاضل فخري الكلام لايجدي نفعا تكلمت انت والاشراف امثالك لكن كم عدد اللذين يقرؤن ماتكتب انت والطيبين من امثالك اليوم الكل لايعرف ماهي الجريدة ولمن يقرا الجهل اليوم يعم الكل اني اختصر بكلامي ليس لي نفس ان اكتب على الة الكا تبةاليوم نحتاج الى قيادات