أجمل ما قرأته في وصف "المكالمة التاريخية" بين اوباما وروحاني، ما كتبه معلق ايراني معارض متخصص بالمقارنات اللاهوتية، فقد انطلق من وصف "الشيطان الاكبر" الذي تستخدمه طهران تاريخيا في وصف اميركا، قائلا ان لمفهوم الشيطان دلالتين، اولهما الغواية اللذيذة، التي يبذل الدين جهدا كبيرا للتحذير منها عبر التركيز على الدلالة الثانية المتمثلة بالخطر والخطأ وطريق جهنم.
ومساء الجمعة كان الرئيس المعتدل حسن روحاني في طريقه الى المطار مغادرا نيويورك نحو طهران، يفكر بنهاية زيارته وتبخر آمال اللقاء مع الرئيس الاميركي وهو امر راحت الصحافة الغربية تبشر به وتجهز طهران له نفسيا، واثناء ذلك لم تستمر خيبة الامل فجاءه صوت اوباما عبر الهاتف يعتذر لرئيس ايران من "الزحام الشديد" في الطريق الى مطار نيويورك، ويتناول قضايا عدة.
كانت المكالمة حسب سي ان ان، ١٥ دقيقة. وهي دقائق انهت قطيعة ولدت عام ٧٩ على اسوار السفارة الامريكية في طهران، وماتت قبل بوابة المسافرين في مطار نيويورك.
ولاشك ان روحاني تسلح وهو يتحدث مع اوباما، بعبارات كثيرة، منها مقولة المرشد علي خامنئي في ٢٠٠٧ ان العلاقة مع اميركا "غير مفيدة (يومذاك) وحين تكون مفيدة فسأكون اول من يدعو لها". وروحاني خير من يدرك ان فوزه في الانتخابات لم يكن بأصوات الناخب الاصلاحي الذي كان متاحا الالتفاف عليه، بل كانت الغاية كل الغاية، تحريك "العلاقة التي اصبحت اكثر من ضرورية" مع واشنطن.
ويتدخل القدر ليجعل الاصلاحيين هم مبدأ خراب العلاقة مع اميركا، ومنتهاها. فمهاجمو السفارة الاميركية بطهران كانوا هم انفسهم قادة الاصلاح الذين بدأوا بمراجعة ثوابت الثورة منذ مطلع التسعينات مع سعيد حجاريان وعبدالكريم سروش ثم محمد خاتمي وموسوي واليوم روحاني. المتشددون انفسهم اعتدلوا فقمعهم المرشد، ثم شعر بالحاجة اليهم، حين تجلى "الشيطان الاكبر" باسم الغواية اللذيذة، لا باسم الخطر والجحيم، وللفرس خبرة لا تضاهى في تحديد اسماء الآلهة والشياطين.
لكن كل الآلهة وكل الشياطين يعرفون ان العقوبات والاحتقان الداخلي في ايران وبوارج امريكا قبالة الشاطئ السوري، هي امور سهلت مهمة روحاني وجعلت مطالبه مبررة في مكتب المرشد، وراحت ترسم املا بحصول تعديل اساسي في مفاهيم السلطة والنفوذ، عبر اعادة تعريف المصالح. وروحاني ووراءه المرشد يدركان ان المهمة مع واشنطن لن تنجح الا اذا تمت اعادة تعريف المصلحة اقليميا ودوليا، ونسيان مرحلة سعيد جليلي الذي كان لستة اعوام يأتي محملا "بمطالب امبراطورية" تسخر منها حتى موسكو.
أوباما يقطف ثمار سياسته التي سخر منها صقور اميركا، فهو اول رئيس اميركي قدم اكبر الاغراءات وفرض اشد العقوبات في الوقت نفسه. تكلم بوداعة واتخذ اجراءات موجعة، وجعل العرش الفارسي يتحسس تفاصيل طعم العصا وطعم الجزرة.
لكن ايران في الوقت نفسه لم تسمح لروحاني بالحركة قبل ان تفرغ من رسم خارطة القضايا التي تخضع لتأثيرها. ما جعل العرب صبيحة السبت غاضبين قليلا او كثيرا، وشاعرين بأن اميركا يمكن ان "تبيعهم" لايران.
لكن الفرصة لم تفت على ما تبقى من مراكز القوى في بلاد العرب، وسننتظر مثلا لنرى هل سيذهب روحاني الى الحج تلبية لدعوة العاهل السعودي، كي نلمح دورا عربيا في ملف نزع التوتر، آخذين بعين الاعتبار ان اصلاحيي ايران كانوا دوما من اكثر المتحمسين لتطبيع علاقاتهم مع الخليج بشكل خاص، وقدموا في هذا الاطار تنازلات عديدة بروتوكولية وشكلية اغضبت متشددي طهران دوما.
ستبقى احتمالات فشل التطبيع بين طهران وواشنطن قائمة، ولكن كل ما يحصل سيعني ضربة موجعة لكل مسارات التشدد في المنطقة، لانه يرسم ممكنات واضحة لتجنب الموت، ويفضح دوافع قارعي طبول الحرب الاقليمية. وسيمكن لنا حسب المعلق الايراني مهدي خلجي نفسه، ان نقسم تاريخ ثورة ايران، الى فصل سبق المكالمة، وفصل تلاها. وأن نتابع تفاصيل "لذة النوم مع الشيطان" بعد عقد من رجمه.
النوم مع الشيطان
[post-views]
نشر في: 28 سبتمبر, 2013: 10:01 م
جميع التعليقات 3
صائب طراد
كل يوم تزداد روعة وابداع من خلال متابعتي للشان الايراني فان هذا المقال يجب ان يكتب بحروف من ذهب وانت ذهب ياسرمد شكرا لك
المحامي عباس العبيدي
نهنئكم ونهنىءالعالم العربي بعودة(شرطي الخليج)مبروووووووووووووووووووك
طارق الاحمد
لا اريد ان ابدي اعجابي بالمقال فقط فهو مقال يتفق مع ما بداخلي من الدعوة الفارسية كونهم ضد الامبريالين وان معاداة الاميركان وان تسميتهم بالشيطان الاكبر ماهو الا ضحك على الدقون على اعتبار ان معاداة الامريكان تعني الوطنية وان الغرض الاساس هو ابعاد الشعب عن