يقع ما يُكتب في المنتديات والمواقع الالكترونية ، في اغلب الأحيان ، خارج السيطرة.. ذلك لأن المضمون غالباً ما يأتي في صورة انطباع أو رأي أو تعليق يمكن أن يخوض صاحبه في أية تفصيلات يراها جزءاً أصيلاً من الوقائع ، ويمكنه أن يضع ما يشاء من الأوصاف ويصوغ ما يشاء من (الحقائق).. كل ذلك يأتي خلافاً لما يجري على الورق، فالإمساك بالمطبوع كأي كائن له مصدره وامتداداته وجذوره وثباته يعني الإمساك بالوقائع على قاعدة قانونية، فلا تمر شاردة أو واردة من دون أن تخضع لوسائل التثبت والتمحيص !
خلافاً لهذه القاعدة التي هي أشبه ما تكون بالعُرف المهني ، تزجّ صحافة الورق بنفسها في المصيدة التي لا فكاك منها إذا امتزج مضمونها بكل ما يرد في المنتديات والمواقع الالكترونية.. وأشدد على مفردة (كل) ، فبرغم أن المغالطة في القليل لا تنسف صحة الكثير مما يرد في هذه المواقع أو المنتديات ، فإن الفصل يبقى قائماً في هوية أو خصوصية أو توجهات أي من الطرفين.
وحين يجري المزج الكيفي أو العشوائي بين المهتمين يحدث بالضبط ما أدخل الصحافة خلال السنوات الماضية وراء زنزانة الاتهام بالاستسهال والجري وراء الإثارة.. أعني هنا ما حدث بعد تلك المزحة التي أطلقها ، ذات يوم ، أحد هواة الكتابة في المنتديات و(تخيل) فيها الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي وهو يصلي داعياً أن تفوز مصر كي يتفادى التبعات المحتملة لفوز الجزائر على الأوضاع الداخلية التي كانت سائدة في فرنسا!
لم تكن تلك سوى مزحة أطلق فيها مفبركها العنان لخياله كي يسهم في تلطيف الأجواء الإعلامية المتلبدة بين الطرفين العربيين المصري والجزائري.. فإذا بهذه النكتة تتحول إلى نقطة ضوء إلتقى عندها اهتمام الكثير من الصحف العربية ومنها العريقة أو الرصينة المشهود لها بالمصداقية.. تركت الصحف كل هذا العمق التاريخي وراءها واهتمت بالجري وراء " قضية ساركوزي " لتنقلها كما هي بكل مواطن ضعفها وخلوها من المنطق.. ثم ذهبت إلى ما هو أبعد من هذا حين تبنـّت مواقف صارمة وربما قاسية أو جارحة سواء بالوقوف مع مضمون المزحة أو بمحاربتها بالنقد اللاذع.. وكان منسوب التحليل والنقد والتعليق يرتفع ، والصحيفة تجر الأخرى إلى هذا المنزلق الذي لم يتوقف عنده أحد كي يسأل عن هوية الطرفة نفسها ومن أين صدرت وكيف طارت إلى العالم العربي؟!
تلك حادثة واحدة ومثلها العشرات تنتقل بسرعة البرق من النت الى الورق .. وهذا بالضبط ما أعنيه بأن المنتديات تبقى خارج نطاق الضبط والسيطرة ، لكن ما بال الصحافة تستسهل الجري وراء مجرد إشاعة كي تصور الأمر على أنه حقيقة تستدعي إشهار الأقلام كي ترفض أو تتبنى؟
كثير من هذا يحدث حين تتحول المواقع الالكترونية حتى الشخصي منها إلى مصدر موثوق فيه للسلطة الرابعة.. وهذا الفخ الذي ارتمت فيه صحف عدة يذكرني بما فعله أحد رواد الإعلام الرياضي العراقي قبل ما يزيد على أربعة عقود حين (فبرك) خبراً بمضمون مهم بعد أن شهد ذلك اليوم شحاً في الأخبار المُبرقة عبر الوكالات العالمية ، ونشر الخبر.. ثم وقع ما هو أفدح من ذلك ، إذ أن إحدى الوكالات العالمية أبرقت الخبر نفسه مع وضع خلفية تأريخية له.. وحين جاء الخبر (المُعدّل) إلى الزميل نفسه صدّق الرواية التي اختلقها واهتم بنشر الخبر ووضع مانشيته على ثمانية أعمدة.. وكانت تلك (سقطة) العصر والأوان!
(سقطة) العصر والأوان!
نشر في: 29 سبتمبر, 2013: 10:01 م
يحدث الآن
انزعاج داخل "الإطار".. القوات الأمريكية ستبقى لوقت أطول وتحذر من عودة "داعش"
بغداد تقترب من فك "شيفرة" الخلاف التركي السوري.. أردوغان يعلن الاستعداد والأسد لا يمانع
ما علاقة "اليوان الصيني" بارتفاع أسعار الدولار؟
أقليات في الموصل ما تزال تعاني الإهمال منذ سقوط داعش
ترند "الفيدرالية السُنية" في الواجهة مجدداً.. ورقة ضغط سياسي أم مطلب شرعي!
الأكثر قراءة
الرأي
![](https://almadapaper.net/wp-content/uploads/2024/01/almada-ad.jpeg)
![](https://almadapaper.net/wp-content/uploads/2024/01/almada-ad.jpeg)
![](https://almadapaper.net/wp-content/uploads/2024/01/Almada-logo.png)