بعد عشر سنوات من تجربة الفشل الأمني وما جرّته على العراقيين من ويلات، تطل علينا وجوه موسومة بتساؤلات مُمِضّة، تطالب بمواجهة الارهاب، بأدوات طائفية، من خلال تلزيم المهمة الى الميليشيات المسلحة الطائفية "الوطنية"!وقد لا يعرف عراقيو "الداخل"، الذين لم ت
بعد عشر سنوات من تجربة الفشل الأمني وما جرّته على العراقيين من ويلات، تطل علينا وجوه موسومة بتساؤلات مُمِضّة، تطالب بمواجهة الارهاب، بأدوات طائفية، من خلال تلزيم المهمة الى الميليشيات المسلحة الطائفية "الوطنية"!
وقد لا يعرف عراقيو "الداخل"، الذين لم تسنح لهم الهجرة الى الخارج في العهد السابق، ان الاحزاب المعارضة "الوطنية" الرئيسية، قبل ان تتوالد وتتشظى، حتى صار لكل مدينة ومحلة حزب، انتقلت الى حمل السلاح لمقارعة نظام صدام.
واختار بعضها اسلوب الكفاح المسلح "الانصاري" في جبال كردستان الى جانب فصائل البيشمركة الكردستانية. فيما شكلت الفصائل الاسلامية في ايران منظمات مسلحة لمقاتلة النظام من مواقعها السياسية والعقائدية، واختار بعضها، خوض الصراع من الاهوار، او الى جانب القوات الايرانية في الحرب العراقية الايرانية.
وفي اجراءٍ ، تنقصه الحيطة والدراسة المتأنية، لجأت حكومة العهد الجديد في اول تشكيلٍ لها في عهد بريمر الى الحاق "المناضلين" من المنتسبين الى الميليشيات المسلحة وحركة الانصار، الى الجيش العراقي، وضمت افرادها، وفقاً لنسبٍ معينة لكل ميليشيا او تنظيم، في تشكيلة خاصة سُميت بـ"فوج الدمج".
لعب الفوج المذكور دوراً مشهوداً في ملاحقة الارهابيين وتوجيه ضربات موجعة لتنظيماتهم، في مرحلة التأسيس التي كفلت لقيادته الخاصة التمتع بدرجة من الاستقلالية. وفيما بعد انتهى الفوج كما القوات المسلحة والجيش والامن والمخابرات، الى إمرَة من لا آمر له، ولم يعد احد يتدخل في قراراته كما في شؤون المؤسسات المذكورة، باعتبارها من صلاحيات القائد العام للقوات المسلحة. والواقع ان القيادة العامة للقوات المسلحة، هي احدى مهام رئيس مجلس الوزراء، وتخضع دستورياً لنفس الشروط والصلاحيات التي تنطبق على المجلس، صاحب الصلاحيات، ويُفترض انها تخضع ايضاً لنفس الآليات الرقابية التي عجزت الكتل البرلمانية عن فرضها واقرارها في "النظام الداخلي لمجلس الوزراء" الذي تعثر ولم ير النور حتى الان.
ومع عملية "الدمج" السياسي لافراد الميليشيات، تم إعلان حلها من قبل القيادات الحزبية المعنية، وكان آخرها اعلان السيد مقتدى الصدر تجميد "جيش المهدي". وتحولت بعض الميليشيات الى جمعيات ومنظمات خيرية واهلية، كما هو الحال بالنسبة لمنظمة بدر قبل ان تنفصل عن المجلس الاعلى الاسلامي وتلتحق بدولة القانون، او تتحالف مع المالكي عقب الانتخابات النيابية السابقة، ليصبح السيد هادي العامري زعيم بدر بموجب ذلك، وزيراً للنقل في الحكومة الحالية.
المنتسبون الى منظمة بدر، مثل سائر زملائهم المنضوين في "المنظمات الجهادية" التي تشكلت في ايران، وتسلل العشرات منهم، من تحت ارجل الجيش العراقي، الى مواقع جهادية، او لتنفيذ مهام اوكلت اليهم، لعبوا ادواراً لا يمكن نكرانها في اضعاف معنويات النظام الدكتاتوري، بغض النظر عن الاتفاق او الاختلاف، في تقييم طبيعة المهام المنفذة، ومواقعها. وهم لذلك يستحقون الاهتمام والرعاية وضمان الحياة الكريمة لهم ولعوائلهم، مثل كل ضحايا الدكتاتورية والذين كرسوا حياتهم لانقاذ العراق من كوابيسها. ومن حق قادتهم ان يتنعموا بخيرات العملية السياسية، على حساب تضحياتهم هم لا قادتهم، في اطار المحاصصة الطائفية التي فُصّلت لخدمة القادة والمقربين منهم، وليس للكوادر والافراد الذين كانوا في الصفوف الامامية، وتحملوا عبء النضال على مدى عقدين وأزيَد.
ويُفترض ان العراق الآن خالٍ من الميليشيات المسلحة، بعد ان تحقق "الدمج" وأعلن عن حلها. كما يتوقع العراقيون ان تقوم الحكومة واجهزتها، دون حاجة الى قرارات واعلانات، بملاحقة اي مظاهر منافية لهذا الواقع، وعليها ان تعلن شجبها وادانتها، لكل مسؤول يجاهر بانه صاحب ميليشيا او تنظيم سري مسلح، وان تتخذ بحقه ما يفرضه عليه القانون. اما اذا كان "القَّوال" وزيرا في اخطر وزارة مدنية تتعلق خدماتها بحياة الناس، من كل الاطياف والملل والانتماءات الحزبية والسياسية، فلا بد ان "يوّبَخ" علناً ببيان او تصريح ولو خجول من رئيس مجلس الوزراء شخصياً وليس من مكتبه، لان الامر يدخل في باب التطفل على صلاحياته كقائد عام للقوات المسلحة التي يحرص على ان لا يكون له فيها شريك!
لقد كان مفاجئاً ان يظهر السيد هادي العامري وزير النقل امام شاشات التلفزيون ويطالب بتلزيم الامن في البلاد لقوات بدر، وهي كما قال، كفيلة اذا ما تم لها ذلك، بمواجهة الارهابيين وقطع دابرهم وتجفيف منابع تنظيماتهم واعادة الاستقرار الى ربوع الوطن.
لكن الامر لم يتوقف عند هذا الحد، اذ خرج علينا السيد صدر الدين القبانجي إمام جامع الفاطمية، في النجف الاشرف، ليؤكد من منبره على خيار السيد العامري، اذا ما كانت الحكومة من وجهة نظره، حريصة على تأمين الاستقرار والأمن للعراق والعراقيين، ووضع حدٍ نهائي لعمليات القتل الجماعي الذي يتعرض له المواطنون الشيعة، وغيرهم.
والمثير للانتباه ان السيد القبانجي يخرج عن إجماع خطباء المرجعية، الذين يؤكدون على ان تتولى الحكومة وقواتها المسلحة حماية أرواح وممتلكات العراقيين، وان تتخذ الإجراءات السياسية الكفيلة بإزالة الاحتقان الطائفي، وتبديد الشكوك والهواجس بين ابناء الطوائف جميعاً، وخصوصاً بين الشيعة والسنة. بل انه يخالفهم ايضاً حين يضفي طابعاً "فئوياً ضيقاً" على خطبة الجمعة التي من بين أهدافها النبيلة في هذا الظرف المعقد والشائك والمُلَبّد بالمخاطر والتحديات، تعزيز الوحدة الوطنية العراقية، فهو يطالب على العكس من ذلك، ومن حيث يدري او لا يدري، بإفراغ الدولة مما تبقى لها من مسؤوليات وهيبة، وإناطة المسؤولية الامنية المشتبه بتشعباتها، على طريقة "اللَّزمة" الإقطاعية، الى جهات سياسية يُفترض أنها مُبَرأة من شبهة حيازة السلاح، وريبة ممارسة مهام ميليشياوية.
ليس على السيد هادي العامري حرج في أن يقترح ما يشاء، ولو إنني كنت أتمنى أن يطرح مقترحه في اجتماع سري للتحالف الوطني، او يشاور رئيسه المالكي، القائد العام للقوات المسلحة وزعيم دولة القانون التي انضم اليها، بعد ان تخلى عن المجلس الأعلى في احرج اللحظات التي مر بها المجلس. لكن من حقنا ان نسأل بمرارة كيف يجوز للسيد القبانجي، إمام الجامع في حاضنة المرجعية العليا لشيعة العالم، ان يكرس جانباً من خطبته، في اتجاه يشم منه رائحة الانحياز الطائفي، مع اننا لا نعرف لمن نوجه السؤال، اذ لا ندري ان كان ما يزال منتمياً الى المجلس الاعلى لكي نوجه السؤال الى قيادته العليا..!
لا اعتقد ان السيد العامري، وكذلك سماحة السيد القبانجي، لا يعرفان حق المعرفة، ان نقطة ضعف منظومتنا الأمنية وقواتنا المسلحة هي في طابعها وطبيعة تكوينها على اساسٍ طائفي مقيت. واذا لم يكن اي منهما على علم بذلك، فلا بد من التأكيد على ان الجيش العراقي والقوات المسلحة، بكل فرقها وأفواجها وتشكيلاتها العلنية منها والسرية، هي عبارة عن "قوات دمج" طائفية، بكل معنى الكلمة، وليس لها من معايير الجيوش والقوات المسلحة الوطنية ما يجعلها غير ذلك، سوى "عراقية" افرادها والمنتسبين اليها الذين لا تنقصهم الوطنية، لكن اللوثة الطائفية، وهيمنة محاصصتها على الدولة وأجهزتها ومؤسساتها، ومنها القوات المسلحة، هي التي تجردهم من مصادر القوة والجرأة والتمكين العسكري.
وما يُعرض من اقتراحات "تلزيم" مهام الأمن ومكافحة الارهاب، الى قوات حزبية سرية خاصة في الاسابيع الاخيرة يرُاد منه، كما هو واضحٌ، الانفراد بالمهمة، دون مكونات "الدمج" الأخرى. ولكن اين ستكون يا تُرى قوات المالكي الخاصة، وكيف سيقبل السكوت عن "التشريك" بوحدانية قيادته للجيش والقوات المسلحة والتعريض بمهابة صولجانه العام..؟
اخيراً.. هل من شروط التلزيم، ان تكون المناقصات او المزايدات على "تلزيمها"، من الباطن ايضاً..!؟
جميع التعليقات 3
عراقي
هو شخرب البلد غير الطائفية اللي جابوها الناس التعبانة اتركوا العراقيين كما كانوا والا كل طائفة تاخذ حصتها وبعد ان تستقر تكون بينهم المذابح . الله يكون بعون الابرياء
منتصر ابو سحاد
استاذ فخري هذا اكبر دليل على انهيار الحكومة اي جيش الدولة لم يتحدث العامري الطائفي بهذا لو لم يكن يعلم ان لاجيش في العراق غير ميليشيات ودكتاتور فاشل ماذا تبقى للمالكي اذا وزير وصاحب اكبر مليشية ومن كتلة المالكي يعترف بهذا
خضر العبادي
ان مشكلة النظام السياسي في العراق انه لايريد الكفاءة والنزاهة ومن عام 1958 ويفضل الولاء التام على كل شيء واول شيء يركز عليه المنظومة الامنية حيث يقوم النظام بجلب ابناء القرية او المحافظة التي ينتمي لها وبالتاكيد يكونون من قوميته وطائفته وكانهم هم المخلصو