من المفاهيم والتطبيقات الاكثر اثارة للجدل في المسرح المعاصر والتي يمكن وصفها في افضل حالاتها كونها مشاركة وتبادل الاستعارات الظاهراتية للتطبيقات المسرحية، وفي أسوأ حالاتها فان التداخل الثقافي يشخص ملامح الملائمة وعدم الملائمة كما هو محلي وما هو سابق للحداثة من الممارسات في المجتمعات التقليدية بواسطة الرأسمالية الكونية الضارة للعالم الاول، للتداخل الثقافي جذوره في الاستشراف.
التداخل الثقافي مصطلح يستخدم لوصف حركة فنية اوربية ظهرت اواسط القرن التاسع عشر حيث انشغلت بالواقعية وبالبحث عن المجهول وبما هو قبلي وما هو غير مسيحي وبالمجتمعات التي لم يسودها التنظيم تلك التي تقع في المناطق البعيدة عن البحر الابيض المتوسط ابتداء من المغرب وحتى الشرق الادنى، وجاءت مثل تلك الممارسة الفنية في زمن الاستعمار الاوربي وامتداده حتى الشرق الاقصى، سمحت طرق التجارة الجديدة بتوريد البضاعة الاجنبية بواسطة السنن والاستفادة من الحرف ومهاراتها وكذلك الوساوس عما لا يمكن فهمه او لا يسمح به بالنسبة للغربيين كالحريم والمعابد والمساجد.
في النصف الاول من القرن العشرين، راح الممارسون في المسرح الاوربي الحديث امثال (بيتس) و(آرند) ينشدون ترميم عملهم وانتاج بدع تحفزهم للتفتيش عن ممارسات شرقية والتمسك بها كمنطلق لمسرح المستقبل، في خططه لمسرح ايرلندي محلي تطلع (بيتس) الى الاساطير الايرلندية لما قبل مرحلة الاستعمار كمادة لموضوعات مسرحياته وتطلع ايضاً الى مسرح (نو) الياباني الكلاسيكي بما يخص تأليف المسرحية، تشخص مسرحية (كاثلين ني هوليهان) (1902) الروح المضطربة لامرأة عجوز تتحول طقسياً الى فتاة شابة بتقديم دم ثائر متطوع قربانا لايرلندا وذلك تشبهاً بالشخصية الايجابية الرئيسة (شايت) في مسرح (نو) حيث تخمد باداء طقسي، كانت تجربة (ارنو) مع الثقافات الشرقية قد تأثرت بنسخة سياحية للرقص البالينزي والكمبودي، وقد اعتبر الحركة المقنعة التي شاهدها قوى سرية متحررة تمثل بشكلانيتها منطلقاً للمسرح الاوربي المستقبلي، حصل اغراء التداخل الثقافي بالنسبة لهذين الشخصين الرئيسيين عن بعد جغرافي كونهما يعيشان في عالم استعماري فصلهم وابعدهم عن ثقافة الاخرين وتمت تجربتهم مع الثقافات الاخرى عن طريق النسخ المستوردة والتي عرضت في المعارض الاوربية الكبرى كما لو كانت تذكارات نصر للسؤدد الاوربي، كتاب (الاستشراق) 1976 ذلك العمل الذي انجزه المؤرخ الثقافي الفلسطيني (ادوارد سعيد) رسم خارطة لتلك الممارسات الثقافية والتي كانت الامبريالية وما نقش داخلها فائدة لها وحيث استخدمت كمحك نظري لتحليل المسرح الاوربي المتداخل ثقافياً.
قام جيل ما بعد الستينات من القرن العشرين من المخرجين البارزين امثال (بروك) و(مينوشكين) باستخدام عينات من الثقافات الافريقية والاسيوية في بحثهم عن صيغة مسرحية جديدة تخالف الواقعية، كانت نسخة (بروك) من الملحمة الهندية (المهابهاراتا) 1985 ومع ممثلين من اربع زوايا من الكرة الارضية في انتاج تجول في انحاء العالم قد اثارت جدلاً حول مميزاتها وقد حكم على ان السياقات الاجتماعية والثقافية والاكثر اهمية السياقات الدينية قد ضاعت داخل السلة الجمالية لغرض الاستهلاك الكوني، حيث تمت ازالة جميع السياقات التكريسية الدينية عند وضعها في اطار اوربي يشاهدها غير المؤمنين بها وفقد النص بعده الثالث اولاً وهو حضور الآلهة.
يتبع
المسرح والتداخل الثقافي بين الأمم!
[post-views]
نشر في: 30 سبتمبر, 2013: 10:01 م