فجّرت مُفاخرة الرئيس السوداني عمر البشير، بأنّه هو من عرّف مواطنيه على البيتزا والهوت دوغ، مشاعر أبناء السودان، وقد شعروا بالإهانة، فنقلوا مطالبتهم بعدم رفع الدعم الحكومي عن المحروقات، إلى خلع البشير، الذي بلغت سنوات حكمه ربع قرن بالتمام والكمال، لم يواجه خلالها حركةً شعبيةً عنيفةً، كالتي تدور اليوم في شوارع المدن السودانية، وقد استعَرَت بعد رؤية الدم يسيل، جرّاء قمع قوات الشرطة، وميليشيات البشير الحزبية للمتظاهرين السلميين.
لم يكن رفع الدعم عن أسعار المحروقات، أكثر من شرارة أشعلت الاحتجاجات، وفجّرت احتقانات قديمة مختزنة نتيجة الحروب الأهلية، وعجز حكومات البشير عن حسم الكثير من المشاكل، والتضييق على الحريات، وكانت قصة الهوت دوج القشة التي قصمت ظهر البعير، حيث ارتفعت الأصوات المنادية برحيل النظام، الذي لعب طويلاً على أكثر من حبل، أبرزها الزعم بأنه يحكم بموجب الشريعة الإسلامية.
حتى اللحظة لم يتدخل الجيش لصالح أي من الفريقين، وإذا كان البعض يرفض مقارنة ما يجري في السودان، بالثورات التي أطاحت حكاماً لاتختلف أساليبهم في الحكم عن البشير، فإنهم يعترفون مُرغمين، أن هناك إلهاماً للشباب الغاضب، مما جرى في أكثر من قطر عربي، والمهم أنّ أحزاباً تشترك في الحكومة القائمة، تدرس الانسحاب منها، نتيجة الأحداث الدامية التي تشهدها البلاد، خصوصاً مع معرفة قياداتها بمشاركة بعض الأعضاء في المظاهرات، وإن بغير قرار حزبي.
معروف أن البشير، اعتاد اعتماد سياسة استفزاز الآخرين، والاستهتار بهم وبمواقفهم، واعتمد اللجوء إلى القوة والبطش لمعالجة الأزمات، ورغم أنه تنازل حتى عن وحدة تراب بلده، رضوخاً للضغوط الدولية، والتهديدات التي طاولت حكمه، فإنّه ظل يواجه المشاكل في أنحاء البلاد كافةً، رافضاً أي حلول تتضمن تقديم تنازلات سياسية، وهو اليوم يحصد ما زرع، فيواجه بالقمع تظاهرات تستقطب حركات شبابية، لا تزال تمتنع عن إطلاق الشعارات السياسية، وتضعه في موقف غير مسبوق، في مواجهة مع جماهير الشعب الأعزل، وليس مع حركات مسلحة أو انفصالية، كما حصل على امتداد حكمه.
يلفت النظر أن مسؤولين في حزب البشير، انتقدوا طريقة تعاطي الحكومة مع المظاهرات، وأكدوا أن القمع الذي مورس كان بعيداً عن التسامح وعن الحق في التعبير السلمي، وفي رسالة للرئيس أكدوا معارضتهم للقمع الذي ووجهت به التظاهرات، وتضم قائمة الموقعين على الرسالة، ضباطاً كباراً متقاعدين في الجيش والشرطة، في وقت تسعى المعارضة لتوحيد صفوفها، لتنسيق التظاهرات والاحتجاجات بشكل أكبر، ولتصبح أكثر فاعلية، وأعلنت عدة قوى تشكيل جبهة موحده، تحت اسم( تنسيقية قوى التغيير السودانية.)
تُطالب هذه الجبهة بتنحي النظام الحالي، وتشكيل حكومة انتقالية، تضم كل أطياف الشعب السوداني، تتولى إدارة البلاد لمرحلة انتقالية مقبلة، ومحاسبة كل المتورطين بجرائم القمع والتعذيب والقتل، وتدعو لإيقاف الحرب الدائرة فوراً، ووضع الأسس لسلام دائم، عبر عملية مصالحة وطنية شاملة، وهي تؤكد أن ما تشهده الساحة، هو ثورة ستستمر حتى تحقق مطالبها بالحرية والكرامة والسلام والعيش الكريم، في الوقت عينه، دعا ناشطون إلى تنفيذ عصيان مدنى، وفاءً للذين سقطوا جراء العنف الذى مارسته السلطات الأمنية فى فض التظاهرات.
والنتيجة الطبيعية، أن حكم البشير الذي يواجه جيلاً جديداً، لايُتقن التصفيق للرئيس وحزبه، ماض في أسلوبه التقليدي بالرد بالقمع والعنف، والاعتماد على القوة والبطش، ورفض أي حوار جاد مع المعارضة، أو أية مشاركة من القوى السياسية التقليدية، ما يضع البلاد في مواجهة خطر المزيد من الانفصالات، اقتداءً بالجنوب، وتستحيل بذلك عودة السودان إلى حياة سياسية سليمة، نرجوها للسودانيين الذين يستحقون أفضل من البشير.
السودان ينفجر
[post-views]
نشر في: 30 سبتمبر, 2013: 10:01 م