لاأعرف عدد المرات التي قرأت فيها مؤلفات ألبير كامو ، قارئاً ومتمعناً في الدروس والعبر التي تقدمها لنا مؤلفات هذا الكاتب الذي كان يمنّي النفس أن يصبح واحدا من نجوم السينما .. وكانت وسامته سببا في حالة " الكره " بينه وبين فيلسوف الوجودية سارتر الذي لم ينس يوما أن صديقه المقرب قال لسيمون دي بوفوار : " ، ألم تنتبهي إلى وجهه ؟" ، فيلسوف التمرد الذي تستعد فرنسا للاحتفال بمئويته كنت ولا أزال أشعر بدوار كلما طاف بي في صراع الأفكار والجدل حول الاستبداد والتسلط والدكتاتورية .. أثناء خلافه الشهير مع سارتر يكتب رسالة إلى صديقهما المشترك ميرلو بونتي :" ترى ما الذي يزعج صديقك – يقصد سارتر – من الحديث عن استبداد الثوريين .. ألا يدري أن الأفكار تسقط حين يسمح الفرد لنفسه بأن يستبيح عمل كل شيء باسم الثورة ومحاربة الظلم ، وعندما يصرّ على خداع الناس وقهرهم تحت شعارات الوطنية والثورية".
في مسرحيته الشهيرة " كاليغولا " يعترف الحاكم بأن في داخله ظلمة يتحول طعمها في فمه إلى مزيج من الدماء السائلة، وعندما يسأله أحد مرافقيه، عن الليل والنوم، يعترف كاليغولا بأنه لا يستطيع ذلك، فمجرد أن يغمض عينيه تتحرك الجثث في رأسه وتتسابق حوله أطراف الذين قتلهم وتتدفق دماؤهم كشلّال، فنراه يصرّ على أن يقتل كل من يقول إنّ الليل قد حلّ.
أقرأ كامو فأرى كيف تتقدم الأمم ونحن قعود. وإذا قمنا فلكي نقاتل بعضنا البعض. دائماً محملين بأطنان من الأكاذيب وأكوام الخطب. ولا شيء سوى السبات في الجهل والتخلّف والطائفية .
يتذكر كيف أن والدته ظلت تعمل منظفة منازل ، لذلك قال يوما لاندريه مالروا :" مازلت صورة أمي راكعة على ركبتيها تمسح البلاط، لاتريد ان تفارقني إنها ضحية الاستعمار مثل ملايين سواها "
ظل كامو يرفع شعار لا لجميع أنواع الطغيان فقد ولد الإنسان حراً ليس من أجل أن يصبح رهينة لحاكم أحمق ، أو مجموعة من ناقصي الخبرة والإنسانية على حد تعبير أحد أبطال مسرحيته " العادلون " .. ونراه يصرّ على أن يقدم هذه المسرحية بواحدة من أعمق مقالاته عن الطغيان والاستبداد "ينشأ الطغيان من الجهل في أحوال الناس، ولعل أكثر الرذائل المستعصية على الحل هي ، جهل الحاكم الذي يتوهم بأنه يعرف كل شيء، ومن ثم يدّعي لنفسه الحق في استعباد الآخرين". في واحدة من أجمل حوارات " العادلون " تقول دورا لصديقها كالييف : " يولد الشر من بطن الجهل، وربما تسبب النوايا الحسنة من الضرر بقدر ما تسبب النوايا إذا افتقرت إلى الفهم ، ولعل أكثر الرذائل المستعصية على التقويم هي من قبيل جهل الذي يتوهم بأنه يعرف كل شيء، ومن ثم يدّعي لنفسه الحق في اضطهاد الآخرين".
كان العراقيون ينتظرون نهاية حقبة الدكتاتورية، كي يخرجوا إلى النور، فقد أرهقتهم مدن الحروب والمقابر الجماعية، وبلغت أثمان الاستبداد مئات الآلاف من الضحايا وشعب يعيش معظمه تحت مستوى الفقر، فإذا بهم يجدون أن الوطن يخطف من قبل ساسة مصرّين على أنهم الأوصياء على أحوال الأمة والعباد.
لا يوجد أعظم من قادة يرسّخون مبادئ المصالحة والحوار بديلاً للغة الثأر والانتقام، الناس بحاجة إلى مسؤول يراعي شؤونها وليس إلى محارب يقف على أبواب دول الجوار، إلى رجال فوق التحزب والطائفية وشهوات الانتقام.
وأعود إلى إلى كامو لأجده يخبرنا أن الخطر الحقيقي الذي يطيح بالبلدان هو الاستبداد والطغيان، حيث تجد الناس نفسها أسرى لأصحاب الصوت العالي، فيما المستبد يصرّ على أن يبيع للمواطن أمجاداً زائفة .
يخرج العراقي في بغداد والبصرة وكركوك والحلة والأنبار ، والمدن المنسية، شاهراً ضعفه في وجه مصانع الفقر والاستبداد وأفواج الموت التي لا تنقطع ، ويروح يقارن بين الامن والامان. وفي النهاية يختار الصمت والانتظار ، علَّ" مختار العصر يسمح بتأمين مستقبل الأبناء!
علَّ مختار العصر يسمح !!
[post-views]
نشر في: 1 أكتوبر, 2013: 10:01 م
جميع التعليقات 3
خليلو...
بعدما ذكرتنا بالبيرت كامو وكاليغولا .اقول :التاريخ يعيد نفسه فمن عالم الفنتازيا المتخيل الى الواقع المعاش : انت واصحاب الاعمدة تماهيتم وكامو تقولون : كايغولا زماننا ،للاسف قد تحول الى حزب الدعوة وحصانه مختاره ,اعني مختار عصره .....؟!!!!
منتصر ابو سحاد
من قال هؤلاء سياسيون من منهم سياسي هل لهم تاريخ سياسي يذكر قد يكون واحد اواثنان جاءز والباقين اليس هؤلاء نصبهم الاحتلال وجعلهم قيمون علينا ارجوك لاتقل سياسيون انهم حثالاة التاريخ ولقطاء انتشلو من شوارع الغربة فلابد لصوت الحق ان يرتفع ويلقي بهم الى مزبلت ا
سلام الله عليك ياعراق
الاستاذ علي المحترم: تحية وشكر على ماتحاول تقديمه في مقالاتك من تحفيز وتحريك لمخ القراء او لنقل مخي فقط على الاقل وذلك لاني لااريد ان اطغي او استبد بالتعميم وقد قرأت مقالك اعلاه للتو. اود التعليق بملاحظتين يحضرنني الان بخصوص مقالك . الاولى هي انني اجد اش