لم تأتِ الهجمات الإجرامية في أربيل بمحض الصدفة، فالواضح أنه جرى الإعداد لها مُطولاً، وأخّر تنفيذها ما كان معروفاً عن اليقظة التي تُميّز أجهزة الأمن الكردية، واستباقها العديد من الأعمال الإجرامية، وإحباطها قبل تنفيذها، ويبدو أن مخططي هذا العمل الإجرامي، اختاروا وقتاً اعتبروه الأنسب، وهو إعلان نتائج الانتخابات التشريعية، التي جرت بسلاسة تدل على وعي الكُرد، واستعدادهم للمضي في تجربتهم الديمقراطية، بدليل قبول كافة الأحزاب للنتائج، التي لم تكن متوقعةً عند بعضها، وتوهّم تنظيم القاعدة، أن شن هجمتهم في هذا التوقيت، سيخلط الأوراق ويوجّه الانتباه إلى الجهة التي لم يحالفها الحظ في الانتخابات.
لكن نظرةً شاملةً ستقود إلى القناعة بأنّ هناك أسباباً عديدةً، تدفع تنظيم القاعدة للتفكير بأربيل كهدف، أبرزها المعارك المستعرة بينه وبين الكُرد السوريين، الذين يتلقون مساعدة الإقليم، على الأقل بما يخص إيواء اللاجئين ومدّ يد المساعدة لهم، وعدم سماح القيادة الكردية برفع الرايات السود في الإقليم، وهي تعبر عن السعي بضراوة للإخلال بالطبيعة الصافية للكُرد، البعيدين عن الصراع الطائفي المقيت المُتأجج في وسط العراق وجنوبه. وبديهي أنه بمقدار ما هناك متضررين من انهيار جدار الأمن في إقليم كردستان، فإن هناك الكثير من المستفيدين، وهنا تبرز أهمية تثبيت قواعد الديمقراطية القائمة فعلياً، وبناء منظومة انتماء وطني تتعدى الحزبية والمناطقية، وتلتفت إلى مصير الأمة الكردية، المرتبط برباط وثيق مع تقدم الإقليم ورقيه وإنجازاته المأمولة ليس على الصعيد المادي فقط، وإنما على بناء الوطن النموذج في الممارسات الديمقراطية، واعتماد التعددية واحترام حقوق الإنسان.
لابد من الإشارة الى أن منفذي العمل الإرهابي استغلوا انشغال الأجهزة الأمنية في تأمين عملية الانتخابات، حيث تمكنوا من الدخول لتنفيذ عمليتهم، ولا يدل ذلك على تراخي الأجهزة الأمنية بقدر ما يؤشر إلى ثقة زائدة بالنفس، ثبت للأسف أنها في غير محلها، ما يستدعي مزيداً من اليقظة، فأمن كردستان جوهرة ثمينة، والهجمات الإرهابية في أربيل جاءت بعد انتخابات حرة وناجحة، وهدف التفجيرات هو نسف ذلك الأمن الحامي للعملية الديمقراطية في الإقليم، الذي بات ملاذاً للاستثمارات الأجنبية والعربية، بسبب الاستقرار الأمني، والكُرد ضحّوا كثيراً للوصول إلى هذا المستوى، وهم ليسوا على استعداد للتنازل عن ديمقراطيتهم وحريتهم، التي يتوجب على الأجهزة الأمنية حمايتها والسهر عليها، للقضاء على قوى الظلام والشر، التي تقف ضد الحياة والإنسانية والتحرر.
في أربيل كُنّا نشعر بالطمأنينة، حين نطالع صورة رئيس الإقليم، وهو يخضع لتفتيش أمني عند زيارته أحد المواقع، كان ذلك يعني أن الأمن فوق كل اعتبار، وهو يترسخ بفضل الجهد الاستخباري المتميز وتعاون المواطنين الإيجابي، أمّا بعد الهجوم على مقر الأسايش وبما هو رمز لذلك الأمان، فإن الحاجة تبدو مُلحّة لإعادة نظر في الخطط الأمنية، لتلافي التراخي الناجم عن الثقة الزائدة، التي أفضت إلى هذا الخرق المؤسف والمؤلم، والذي يدفع ثمنه المواطن، صحيح أن الإرهاب يضرب المنطقة برمتها، وكردستان ليست استثناءً، وأن ما يدور فيها جزء مهم من الواقع السياسي والأمني الراهن، لكن ذلك يدعو إلى ضرورة أن تعمل القوى السياسية على خلق حالة من التوافق، وتتعامل بجدية مع واقع المنطقة، المُثقلة بالصراعات الطائفية والسياسية والاقتصادية، تجنباً لحدوث هزّة في المجتمع الكردي، تؤدي إلى الفتنة، وتنسف حالة الاستقرار، التي ظلّت تلفت النظر، ويتباهى بها المواطنون قبل المسؤولين.
سلامٌ على أربيل
[post-views]
نشر في: 2 أكتوبر, 2013: 10:01 م