TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > سلامٌ على أربيل

سلامٌ على أربيل

نشر في: 2 أكتوبر, 2013: 10:01 م

لم تأتِ الهجمات الإجرامية في أربيل بمحض الصدفة، فالواضح أنه جرى الإعداد لها مُطولاً، وأخّر تنفيذها ما كان معروفاً عن اليقظة التي تُميّز أجهزة الأمن الكردية، واستباقها العديد من الأعمال الإجرامية، وإحباطها قبل تنفيذها، ويبدو أن مخططي هذا العمل الإجرامي، اختاروا وقتاً اعتبروه الأنسب، وهو إعلان نتائج الانتخابات التشريعية، التي جرت بسلاسة تدل على وعي الكُرد، واستعدادهم للمضي في تجربتهم الديمقراطية، بدليل قبول كافة الأحزاب للنتائج، التي لم تكن متوقعةً عند بعضها، وتوهّم تنظيم القاعدة، أن شن هجمتهم في هذا التوقيت، سيخلط الأوراق ويوجّه الانتباه إلى الجهة التي لم يحالفها الحظ في الانتخابات.
لكن نظرةً شاملةً ستقود إلى القناعة بأنّ هناك أسباباً عديدةً، تدفع تنظيم القاعدة للتفكير بأربيل كهدف، أبرزها المعارك المستعرة بينه وبين الكُرد السوريين، الذين يتلقون مساعدة الإقليم، على الأقل بما يخص إيواء اللاجئين ومدّ يد المساعدة لهم، وعدم سماح القيادة الكردية برفع الرايات السود في الإقليم، وهي تعبر عن السعي بضراوة للإخلال بالطبيعة الصافية للكُرد، البعيدين عن الصراع الطائفي المقيت المُتأجج في وسط العراق وجنوبه. وبديهي أنه بمقدار ما هناك متضررين من انهيار جدار الأمن في إقليم كردستان، فإن هناك الكثير من المستفيدين، وهنا تبرز أهمية تثبيت قواعد الديمقراطية القائمة فعلياً، وبناء منظومة انتماء وطني تتعدى الحزبية والمناطقية، وتلتفت إلى مصير الأمة الكردية، المرتبط برباط وثيق مع تقدم الإقليم ورقيه وإنجازاته المأمولة ليس على الصعيد المادي فقط، وإنما على بناء الوطن النموذج في الممارسات الديمقراطية، واعتماد التعددية واحترام حقوق الإنسان.
 لابد من الإشارة الى أن منفذي العمل الإرهابي استغلوا انشغال الأجهزة الأمنية في تأمين عملية الانتخابات، حيث تمكنوا من الدخول لتنفيذ عمليتهم، ولا يدل ذلك على تراخي الأجهزة الأمنية بقدر ما يؤشر إلى ثقة زائدة بالنفس، ثبت للأسف أنها في غير محلها، ما يستدعي مزيداً من اليقظة، فأمن كردستان جوهرة ثمينة، والهجمات الإرهابية في أربيل جاءت بعد انتخابات حرة وناجحة، وهدف التفجيرات هو نسف ذلك الأمن الحامي للعملية الديمقراطية في الإقليم، الذي بات ملاذاً للاستثمارات الأجنبية والعربية، بسبب الاستقرار الأمني، والكُرد ضحّوا كثيراً للوصول إلى هذا المستوى، وهم ليسوا على استعداد للتنازل عن ديمقراطيتهم وحريتهم، التي يتوجب على الأجهزة الأمنية حمايتها والسهر عليها، للقضاء على قوى الظلام والشر، التي تقف ضد الحياة والإنسانية والتحرر.
في أربيل كُنّا نشعر بالطمأنينة، حين نطالع صورة رئيس الإقليم، وهو يخضع لتفتيش أمني عند زيارته أحد المواقع، كان ذلك يعني أن الأمن فوق كل اعتبار، وهو يترسخ بفضل الجهد الاستخباري المتميز وتعاون المواطنين الإيجابي، أمّا بعد الهجوم على مقر الأسايش وبما هو رمز لذلك الأمان، فإن الحاجة تبدو مُلحّة لإعادة نظر في الخطط الأمنية، لتلافي التراخي الناجم عن الثقة الزائدة، التي أفضت إلى هذا الخرق المؤسف والمؤلم، والذي يدفع ثمنه المواطن، صحيح أن الإرهاب يضرب المنطقة برمتها، وكردستان ليست استثناءً، وأن ما يدور فيها جزء مهم من الواقع السياسي والأمني الراهن، لكن ذلك يدعو إلى ضرورة أن تعمل القوى السياسية على خلق حالة من التوافق، وتتعامل بجدية مع واقع المنطقة، المُثقلة بالصراعات الطائفية والسياسية والاقتصادية، تجنباً لحدوث هزّة في المجتمع الكردي، تؤدي إلى الفتنة، وتنسف حالة الاستقرار، التي ظلّت تلفت النظر، ويتباهى بها المواطنون قبل المسؤولين.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram