TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > كيف تصبح طائفياً في سبعة أيام؟

كيف تصبح طائفياً في سبعة أيام؟

نشر في: 2 أكتوبر, 2013: 10:01 م

 

ماذا حـدث؟
قالها صديق عاد إلى الوطن بعد غربة طويلة.. سألني: لماذا أصبحت الهوية الطائفية حاضرة بقوة هذه الأيام؟ هل لأنّ هناك خطراً على الشيعة، أم أن السـُّنة يتعرضون لحملة اجتثاث؟ كانت أسئلته تجسيداً لما يحدث في العراق هذه الأيام.
لماذا أصبحت الطائفة أهم وأقوى من الوطن؟ ولماذا يصرّ الساسة على ترسيخ منطق الجماعات بدلاً من المواطنين؟
يكتب مهدي عامل في الدولة الطائفية: إن الاستبداد يوحِّد الطوائف، ينشر اليأس ويزيد أعداد المستضعفين..وهذا سرّ النزعة العنيفة باتجاه الطائفة أو القبيلة ". ويُضيف وهو يضع إصبعه على الجرح الطائفي النازف إن " الدّين أو الطائفة هنا ليس أكثر من لافتة تتجمع عندها عصبية، تتوهم حرباً عقائدية، ستكون بديلاً عن حروب أخرى تتعلق بحياة الناس ومستقبلهم."
الطائفي إذاً لا يخوض حرباً من أجل أبناء طائفته، لكنه يخوض حرباً بالناس لصالح موقعه في السلطة.. قال الصديق،منذ أيام وأنا أعيش بين أهلي مناخاً يعلو الطائفية والقبلية.. ويختتم جملته بعبارة واحدة..لماذا يريدون مني أن أصبح طائفياً في سبعة أيام فقط، هي المدة التي أريد أن أقضيها بين أهلي وأصدقائي؟
عام 1885 أطلق بول لا فارغ السياسي من أصل كوبي وصهر ماركس مقولته الشهيرة حول الحق بالحماقة، كانت المقولة في حينها مدهشة وجديدة وتعبر عن نوع من الحزن والأسى إلى ما وصل إليه مجتمع الساسة آنذاك من الاستهتار بمقدرات الناس وعقولهم في مجتمعات تحرِّض على العنصرية وتشيع التميز الطبقي والطائفي، ويبدو أن مفهوم الحماقة اليوم بدأ يشمل الشعوب التي تسلّم أمرها بيد سياسيين فاقدي الصلاحية والأهلية، ويكفي أن نأخذ عينات مما يجري في العراق، كي نرى حجم الاستخفاف بالإنسان، فشراء الذمم وتزوير إرادة الناس والشحن الطائفي، جعلت من المواطن المسكين لا يملك إرادته ويعيش على هامش الحياة.
اليوم والمواطن العراقي يعيش وسط أكوام الضياع وصحراء القهر والغبن وتحت سماء تتسع باطراد من بطالة وخوف وموت مجاني، ليس أمام الغالبية من سيئي الحظ، سوى الوقوع في ثقب الطائفة، بما يحمله من بلسم كاذب ووهم خادع لجنّة موعودة كبديل عن إفلاس مشاريع الجنة الأرضية، جنة العدالة الاجتماعية والتنمية والتقدم التي وعد بها سياسيون سعوا للاستيلاء على أي شيء وكل شيء.
ما معنى أن يدفعنا دعاة الطائفية، في كل يوم نحو وطن لا يحده سوى اليأس والخراب، هل يدركون مدى اتساع الهوَّة بينهم وبين الناس؟ الكراهية لها دولتها الآن بما فيها من سلطة قرار، وأجهزة تنفيذ، وماكينات تتزاحم فيها خطابات الطائفية والقبلية لتبدو معها خطابات المواطنة مجرد شعارات مضحكة.
ما معنى أن يصرّ ساستنا ومسؤولونا على التمييز بين سكان هذا الوطن على أساس طوائفهم ومعتقداتهم.. لماذا نجد من يقسم المواطنين إلى فريقين، كل فريق يعادي مَن يخرج على معتقداته.
اليوم نشعر جميعاً بأننا وسط سيرك سياسي نتلقى فيها الضربة تلو الأخرى من دون أن يلوح في الأفق أي تغيير في ميزان القوى لصالحنا! هل الحماقة أن نصمت وننعزل أم الحماقة أن ندفع أعمارنا في الهتاف لسياسيين حمقى وطائفيين؟ إنها محنة مواطن يعتقد للأسف أن حماقة الطائفية هي طوق النجاة الأخير.
 قلت لصاحبي إن ما يجري هو غواية الدفاع عن الطائفة.. وهي غواية سهلة بالنسبة للمواطن البسيط كما أخبرنا الراحل مهدي عامل.. فهي ربما تصنع شعبية لدعاتها.. لكنها في النهاية ستشعل الحرائق في كل أرجاء وزوايا الوطن.
 قال لي صاحبي،ولكن أنت وكثير غيرك تكتبون كل يوم محذرين.. فهل هناك من يصغي لكم؟
هل هناك من يقرأ تاريخ البلدان التي لمع فيها سحر الطائفية؟..ليعرف أنه كما للطائفة سحر برّاق.. فإن لها أيضا طرق تؤدي إلى الخراب…..
 وأتساءل كما تساءل صديقي المغترب: هل فات أوان التحذير من الطائفية؟

 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 3

  1. كاطع جواد

    من حق اي انسان الاعتزاز بعائلته او قبيلته و حتى بطائفة وهذا ليس عيبا او نقيصة لكن العيب والنقيصة هو ان يوظف هذا الانتماء و بالشكل السلبي ( العدائي) الذي يصل الى حد إقصاء الطائفة الاخرى و هوما نراه حاصل في العراق بعد٢٠٠٣ وهذا في حقيقته عكس رغبة المجتمع

  2. المحامي عباس العبيدي

    والله عاشت ايدك على المقال الرائع...وياريت تبعثه لكل المسؤولين بصفة (خطاب سري وشخصي لكل طائفي)

  3. منتصر ابو سحاد

    استاذ علي الطائفية ليست وليدة اليوم الطائفية منذ مايسمى بناء الدولة ولو اني لااومن بالدولة العراقية من اين جاء هذا البناء هو مجرد ملك مستورد من بلاد الشام وبعدها مجموعة دكتاتوريات ربما نستثني فترة الزعيم عبد الكريم الم تكن الطائفية في اوج عنفوانها في زمن

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram