ليس سراً أن إشهار مبادرة زمزم، وهي أكبر انشقاق عملي في صفوف الإخوان المسلمين في الأردن، جاء بمُباركة رسمية، تمثلت بحضور مجموعة من رموز الدولة، المعروفين بعدائهم للجماعة لحفل الإشهار، الذي جمع حشداً من التيار المعتدل في الجماعة، تصادف أن معظمهم ينحدر من أصول شرق أردنية، تبنّوا الدعوة إلى احترام النظام الهاشمي، وعدم مقاطعة أية انتخابات تشريعية أو محلية، مخالفين بذلك وجهة نظر الجماعة، التي كانت صعّدت مطالبها، مستقويةً بسُلطة إخوان مصر، قبل أن تعود للمهادنة، على الأقل مع رأس الدولة، الذي كانت تُطالب بتحديد صلاحياته وتقليصها.
كان لافتاً حضور عشرات المنشقين السابقين عن الجماعة، وعدد من شباب الإخوان، ما يعني أنّ الانشقاق بات واقعاً، يؤكد نجاح قيادة المبادرة، في شق صف الجناح الشبابي والطالبي، مع الغياب الكامل لممثلين رسميين عن الإخوان، رغم أن دعوات الحضور، وُجّهت إلى جميع القوى والأحزاب السياسية، ويبدو أن اختيار المركز الثقافي الملكي، وهو أحد أهم المراكز الثقافية الحكومية، جاء ليؤكد ترحيب السلطات بالمبادرة، وفتح ذراعيها لاحتضان منشقي الإخوان، الذين رفض أبرز مشاكسيهم التعليق، مُكتفياً بالإشارة إلى حضور بعض المُتهمين بالفساد لحفلة إشهار المبادرة، ما يتطلّب تفسيراً واضحاً من مُطلقيها، وسرّبت قيادة التنظيم أنها تراقب الوضع بحذر، وتترقب الخطوة القادمة، لكنها تمتنع عن تجميد أو فصل أعضائها، على اعتبار أنّ قرارهم يمثل بالأصل انشقاقاً عملياً عن الجماعة.
مهندس المبادرة ارحيل الغرايبة، يؤكد أن زمزم ليست انشقاقاً، ولا تهدف إلى مناكفة أحد، في حين يرى آخرون أن المبادرة جاءت مُكمّلة لما عجز عنه الإخوان، من اهتمام حقيقي بالشأن الداخلي، وفي واقع الأمر، فإن المبادرة دليل على حالة استعصاء، واجهت الواقع السياسي الأردني، وهي تمثل تحولاً ثورياً في الإخوان المسلمين الذين اتسم فكر قادتهم بالجمود، ومُلفت تبنّيها طروحات الملك حول الملكية الدستورية، ويرى فيها كثيرون أملاً في التخلص من سيادة الفكر الشمولي في الأحزاب الدينية، ولعل أهم ما يميزها هو صمودها، في مواجهة حملة من الاتهامات المُختلفة، وتجاوزها محاولات جرها إلى معارك جانبية، حيث أكد مطلقوها أن مثل هذه المعارك، ليست في برامجهم أو أذهانهم.
مبادرة زمزم، كما توضّح على منصة إشهارها، ليست مقصورة على الخارجين عن تعاليم الجماعة الأم، وإنّما تضم قائمة طويلة من الاسماء من خارج الحركة الإسلامية والليبراليين، وحتّى من السياسيين المسيحيين، وهذا مؤشر على امتلاكها برنامجاً عملياً للإصلاح، يتجاوز أخطاء الأحزاب الأردنية، بما فيها الإخوان، وإذا كانت المُبادرة تحمل فكراً إصلاحياً مُبتكراً، يتعلق برؤيتها المستقبلية للدولة الأردنية الديمقراطية، فإن هناك مخاوف من انتقال أمراض الجماعة الأم إليها، حين تتحول حزباً ينخرط في لعبة الانتخابات والبرلمانات، فمعظم قادتها تربوا في أحضان الجماعة، ومارسوا شيئاً من أخطائها، والمهم أنها انطلقت، ولم يعد ممكنا إيقاف عجلاتها عن الدوران، لكنها ستظل محل فحص عند المواطنين، قبل منحها ثقتهم وتأييدهم .
مبادرة زمزم "نسبة إلى اسم الفندق الذي شهد أول اجتماعاتها"، لم تولد من رحم السلطة، فمهندسها هو أول من طرح الملكية الدستورية، ومن بين مناصريها من كان يدعو لإسقاط النظام لا إصلاحه، كما أنها ليست من نتائج سقوط إخوان مصر، فاجتماعها التأسيسي انعقد قبل سقوط مبارك، ولعل السلبيّة الكبرى التي ستواجهها، هي تهمة الإقليميّة، لخلو قائمة مؤسسيها من أردنيين من أصل فلسطيني، رغم أنها تتشكل من بقية مُكونات الشعب الأردني، بمن فيهم المسيحيون.
"زمزم" انشقاق الإخوان
[post-views]
نشر في: 6 أكتوبر, 2013: 10:01 م