حين اصبح من رجال الدولة، طلبت منه خدمة بحكم زمالتنا السابقة..بعد انجازها شكرته فاندهش لأن طلبي كان مشروعاً وكل مافعله انه اختصرالطريق العراقي الملتوي لإنجاز طلبات المواطنين واستبدله بطريق (التوصية).. قال لي انه لايستحق الشكر وانه بحكم كونه رجل دولة فهو خادم للمواطن ومايقدمه من خدمات هي واجب عليه.. أخجلني تواضعه لكنه لم يكن يعتبره تواضعاً بل اسلوب صائب لنجاح مسؤولي الدولة.... ادركت وقتها ان مافعله الرجل لم يكن دعاية انتخابية له لكنه تربى لسنوات طوال خارج العراق وعاد بحب جارف للعراق وحماسة حقيقية لخدمته ولكن بأسلوب غربي خال من شوائب المصلحة واستغلال الأضعف والترفع على الشعب وغير ذلك من أمراض السلطة المتوارثة لدينا...
تذكرت ذلك الرجل حين لجأت وزملائي من ضحايا قرار برايمر بحل وزارة الإعلام بعد سقوط النظام السابق الى تقديم طلبات برفع الغبن عنا فمازالت رواتبنا اقل بكثير من موظفي وزارات الدولة ولم ينطبق علينا قرار السلم الوظيفي وذنبنا في ذلك اننا كنا نعمل في وسائل الإعلام في زمن الرئيس المخلوع وهذا يعتبر جريمة كبرى في نظر من جاءوا بعده..
ضحايا وزارة الإعلام المنحلة تم تنسيب بعضهم على دوائر دولة لا تتعامل معهم كموظفيها الذين يتمتعون برواتب جيدة وإجازات ومكافآت تشجيعية فهم يتسلمون رواتبَ منقوصة ومتساوية رغم اختلاف امتيازاتهم وتحصيلهم الدراسي وهم اول من يتعرض لقطع الرواتب في حالة غيابهم رغم انهم (عطالة بطالة) في الدوائر التي نسبوا لها وليست لديهم مكاتب او حتى مقاعد يجلسون عليها وان حدث واعترضوا على الغبن الذي لحق بهم ابتداء من تجميدهم على درجاتهم السابقة وإيقاف ترقيتهم وحتى تصفير رصيد إجازاتهم وحرمانهم منها لأنها تخص العهد الغابر فهناك من يتصدى لهم من مدراء الدوائر فيقول لهم ساخرا وربما شامتا: " موزين رجعوكم...شعرة من جلد خنزير "....
ليس ذنبنا اننا عملنا في الإعلام في تلك الفترة وليس ذنبنا ان (الريس) كان يعشق الاعلام ويهمه ان يحتل شاشة التلفزيون احيانا طوال اليوم وتتمدد صوره على طول الصحف وعرضها مع عبارة التفخيم (حفظه الله ورعاه) مع كل جملة يرد فيها اسمه...لم نكن وحدنا من يعمل في ذلك الزمن ويحني رأسه احيانا لتمر العاصفة فالتدريسيون لايمكنهم اغفال ذكره وتمجيده في دروسهم ومحاضراتهم واحتفالات مؤسساتهم التدريسية ورجال الدين لايمكنهم الا ان يدعوا له بطول العمر في خطبهم الدينية وكل العراقيين لايمكنهم ان يذكروه بسوء خشية ان يغيبوا وراء الشمس..اليوم، يدفع الاعلاميون وحدهم ضريبة كونهم (رجال صدام) رغم ان اغلبهم لم يكن بعثيا اصلا ويعاقبون على جريمة لم يرتكبوها في الوقت الذي نفض اغلب البعثيين الكبار عنهم غبار الحزب السابق وتمسحوا بأقدام اصحاب الاحزاب الجديدة او العائدة من الخارج ليدخلوا في معاطفهم ويطلوا علينا بوجوه جديدة..
أعود الى زميلي رجل الدولة الذي يعتبر خدمات الحكومة للمواطن واجبا عليها فأطالب رجال الحكومة ان يعيدوا للإعلاميين هيبتهم الوظيفية ويرفعوا الغبن عمن عملوا في اسوأ الظروف سابقا ولاحقا لينقلوا الحقائق للناس فدفع العديد منهم دمائهم ثمنا ومازال الآخرون يترجمون عشقهم للاعلام عملا وليس ولاءً لجهة معينة بانتظار ان تتحقق المساواة بينهم وبين بقية موظفي الدولة وأن لاتصبح عودتهم الى العمل هبة من الدولة بل واجب عليها وأن لاتظل رواتبهم وامتيازاتهم (شعرة من جلد خنزير) بل حق في رقبة رجال الدولة الجدد...
شعرة من جلد.. خنزير
[post-views]
نشر في: 7 أكتوبر, 2013: 10:01 م