تحت الإحساس بالضّيم المتراكم والأرقام الفلكية التي تمر أمام أنظارنا وهي تُنهب من خزانة الدولة لتدخل في أرصدة لصوص المال العام ، يفوتنا التوقف برهة أمام مشاهد الملايين من العراقيين الذين يتضورون جوعاً وتتيبسُ عظامهم، وقد تآكل الجلد من فوقها بالمرض و
تحت الإحساس بالضّيم المتراكم والأرقام الفلكية التي تمر أمام أنظارنا وهي تُنهب من خزانة الدولة لتدخل في أرصدة لصوص المال العام ، يفوتنا التوقف برهة أمام مشاهد الملايين من العراقيين الذين يتضورون جوعاً وتتيبسُ عظامهم، وقد تآكل الجلد من فوقها بالمرض والبرد والحر، دون أن يأتيهم المدَد ليلتقطهم من عسف الحياة ومذلتها.
الفقراء والعاطلون والأرامل واليتامى الذين لا والي لهم ، لا يعنيهم كثيراً أمر الفاسدين والمتطفلين على المال العام والدولة الفاشلة، لانهم أصلاً لا وقت لديهم لمتابعة وقائع الفساد، وحتى اذا تسنى للبعض منهم بمحض الصدفة أن يطَّلع على بعضها، فانهم سوف يقفون فاغري الأفواه مصدومين من وقع الدهشة والحسرة أمام ما يتيسر لهم من فهم لبعض دلالاتها. إن الواحد من هؤلاء المقصيين الى حافة القيامة يعرف "حساب" أرغفة الخبز او بقاياها، ولا يجيد عد ما يزيد عن أصابع اليدين، والكسور بالنسبة له هي كسور الخبز وبقايا فتات الطعام، ولا علم له بخفايا الدولار ، بل من المؤكد أن أغلبيتهم المطلقة، لم يشاهدوا صورة الدولار.
(1)
إن نحو عشرة ملايين من العراقيات والعراقيين يعيشون تحت خط الفقر. وهذه النسبة المتضخمة من الفقراء، ليس لهم مثيل إلا في الدول الفقيرة المحرومة تماماً من الثروات الطبيعية، وتعيش في الغالب على المعونات الخارجية وتقبل إعانات منظمات الإغاثة الدولية ، أو أنها تُصدِّر الشغيلة و"الخدم" الى دول الرفاه الُمتَبطّرَة المغتصبة ثروات بلدانهم. ولأننا محكومون بأشباه رجال لا ذمم ولا ضمائر لهم، فإن الملايين من بنات وأبناء العراق، يهيمون على وجوههم في دول الشتات وأمام أبواب السفارات وممثليات الأمم المتحدة، طلباً للجوء الإنساني و"الاقتصادي"، ويظل الواحد منهم ينتظر بفارغ الصبر تلقي المنحة الشهرية، أو يفترش وحيداً أو مع زوجته وبناته وأبنائه الأرصفة، عارضاً أي شيءٍ تقع عليه عيناه للبيع، او كوسيلة لاستدرار عطف المارة، وكِسراً من نقودهم وهباتهم الشحيحة.
إن الفرق السرية، من الميليشيات النائمة، التي تطارد أصحاب النوادي الاجتماعية، وتتلصص على ضمائر الناس، وتقتل في وضح النهار الحلاقين والمشتبه بلباسهم، وتقتحم محال الأيزديين والمسيحيين من باعة الخمور، وتكسر الخمّارات وتصادر تحت جنح الظلام المشروبات الكحولية الثمينة لتُعيد بيعها ، يعرف أفرادها وأولياء أمرهم من التوابين، بان الآلاف من بنات أشرافنا اصبحن بضاعة متوفرة في أسواق النخاسة في بلدان الجوار والأبعد قليلاً. ومنهن من يتوارين في جنح الظلام في زوايا الشوارع، او البيوت السرية والملاهي الليلية، يمارسن التقاط رزقٍ حرام. وليس بعيداً ان التوابين من أعضاء الميليشيات وفرق الأمر بالمعروف والنهي بالمنكر يعرفون تلك المقاصف والبيوت المشبوهة، ولعلهم يرتادونها لاكتساب الخبرة في تشخيص المشتبه بهن في البلاد، تجنباً لإيقاع ضحايا بريئة في شباكهم!
ألا يعرف السادة القادة، حكام عراق " الطفرة المالية " ، الذين أصبحت دولتنا بفضلهم فاشلة بامتياز، هذا الواقع المرير الذي يعاني منه العراقي في الداخل والخارج ..؟
(2)
يُحار النشطاء، من أين يبدأون، وأية بداية تمَكّنهم من تعبئة الحد المعقول من المواطنات والمواطنين وإقناعهم بالانخراط في حركات الاحتجاج، وأية قضية محورية هي الأكثر إثارة وتأثيراً من بين قضايا الفساد والتعدي على الدستور والحريات.
ومن حقهم ان يحتاروا، فنحن مثلهم، وربما اكثر منهم حيرة وتشوشاً وارتباكاً، اذ نتلفت في كل اتجاه فلا نرى غير أسباب مضاعفة للمكابدة والعجز في تحديد وجهة التحرك، لتطويق ما يمكن تطويقه من عوامل التدهور وسوء الأحوال والفواجع التي تدمي قلب " الوثني اللئيم " ، ولا تحرك شعرة في اللحى الموسومة بالنفاق والكذب.
انهم على حق إذ يرون في الرواتب التقاعدية خارج سياق الخدمة العامة، وامتيازات النواب وأصحاب الدرجات الخاصة في الدولة، أولى بالمطالبة والاحتجاج. ولا لوم عليهم إذ يرون في غمرة نشاطهم إمكانية تأجيل تبني محنة اكثر من خمسة وعشرين بالمئة من العراقيين والعراقيات يعيشون تحت خط الفقر، يتكدسون في بيوت الصفيح ويلتقطون فضلات " أهل " المنطقة الخضراء"، من الموسرين الجدد "حواسم السياسة والصدفة " والحظ العاثر لشعبنا العراقي المظلوم. وهم بذلك ينسون ان بين هؤلاء مئات الالاف من الذين لا يعرفون، هم وأولادهم الطريق الى مكبّات الفضلات ليسدوا جوعهم الدائم، مستعدون لفك اسر وقيود احتجاجهم المكبوت من انتهاك كرامتهم الإنسانية، والانضمام الى قوافل المحتجين، فليس لهم ما يخافون على فقدانه، وليست في أي مكان في أرواحهم وأبدانهم مساحة للخوف، بعد ان تيبست جلودهم وفقدت حساسية الخوف، ومنهم من يتمنى الموت خلاصاً من الإذلال الذي يعيش فيه، كلما انتبه للنظرات الموجوعة العاتبة لصغاره وبناته الكسيرات.!
بيوت الصفيح، والمكبّات الكبرى لفضلات اللصوص وحواسم السياسة ، مراكز تجمعات لبشر لا يعرفون معنى "تقاعد وامتيازات" النواب وأصحاب الدرجات الخاصة، وكمية الدولارات التي يتقاضونها، إلا اذا فُسّرت لهم وقائعها بوسائل إيضاح بسيطة:
كم رغيف خبز تساوي الامتيازات اليومية وبدلات السفر ونفقات جراحة البواسير للنواب وأصحاب الحظوة لدى السلطان وفريقه؟ وكم من الجياع يمكن أن يعتاشوا على " زوائد " موائدهم اليومية، وموائد ضيوف الشرف عندهم؟
وقبل ذلك، علينا ان نريهم صورة الدولار الواحد، وان نعرفهم على قيمته ، محسوباً بأرغفة الخبز لا غير، ليكونوا على بيّنة من تلاعب قادة دولتهم بأرزاق الفقراء وأحوالهم باسم الدين والمذهب، وكيف ان السلطان الجائر ومن لفَّ لفَّهُ، لا يستحون ولا يخافون من العاقبة، في الدنيا وفي الآخرة، لان من ينبغي ان يخافوا منه، مخّدرٌ بالشعارات الطائفية، وتنطلي عليهم ألاعيبها وفتنها .
(3)
إن اخشى ما يخشاه المرء وهو يفكر بالدعوة لإيجاد صندوق تكافل اجتماعي بديل عن صناديق الضمان الاجتماعي، او تنشيط الدعوة لاستحداث بطاقات نقدية توزع شهرياً على الفقراء والأرامل والمشردين، وكذلك بطاقات بطالة مضمونة، لحين إيجاد عمل، هو الالتفاف عليها من قبل لصوص الدولة والطبقة السياسية الفاسدة، وتفريغها من محتواها، بسرقتها بأساليب مختلفة، بتزوير بطاقات بطالة او استحداث بطاقات تشرد ، او هويات مزورة بأسماء أرامل وأيتام. ولا يُستبعدُ ان يجري استقطاع نسب منها باسم أحزابهم وشهدائهم وأرامل ذويهم من الموسرين.
والخشية الأكبر، ان يفتح كل طرف منهم محال متابعة وصرافة، مهمة الأولى البحث عن الفقراء والأيتام والعاطلين وإخراج قيود لهم، والثانية لصرف مستحقاتهم، وقد تستفيد هذه المكاتب من خبرة نقل الأموال بين البنوك الرسمية بين المحافظات وبغداد، "وتشغيلها في الطريق" حيث تُقطع المسافة بين كردستان وبغداد مثلاً في أسبوع تقريباً ، وعلى السادة مدراء البنوك احتساب الفائدة على النقل، اذا بلغت كمية النقود المنقولة في كل مرة مئات الملايين، على ان لا يُنسى فرق البيع والشراء بين المحافظات وكردستان وبغداد .
مع كل ذلك ، على النشطاء البحث عن حراكٍ يوفر الحد الأدنى من آدمية ملايين العراقيين ، بتوفير الخبز "الحاف" لهم لا غير. علينا جميعا ان نضغط بكل الوسائل المتاحة كأولوية، لنوفر للملايين الجائعة والعارية في مقتبل هذا الشتاء، بتأمين كساء يقيهم الموت من البرد ، ويوفر لهم كفاف العيش.
لنطلق بشارة الأمل لعشرة ملايين من العراقيين عبر المطالبة بفتح صندوق تكافل اجتماعي يمنح الفقراء مبلغاً شهرياً مقطوعاً، باعتماد بطاقة وطنية معلنة على موقع رسمي للصندوق في كل محافظة ومدينة ومحلة، تكون تحت رقابة لجان شعبية تسهر على الصندوق وترعاه.
على النشطاء اطلاق مبادرة تطالب بفتح صندوق البطالة وتتعهد ذلك ، على ان تكون الصناديق برعاية ممثلية الأمم المتحدة التي تولت هذه المهمة بنجاح في كردستان إبان العهد السابق.
لماذا لا نفكر ونحن نواصل حملة إلغاء الامتيازات والرواتب غير المعتمدة على سلم الخدمة المدنية، بان نطلب وضع فروقات الرواتب والامتيازات في هذه الصناديق؟
ولا بأس من تنظيم حملة " تخجيل " موجهة الى كل لصوص المال العام ، بالتبرع باية نسبة من سرقاتهم ، ووضعها، دون ذكر الاسم والعنوان، في حساب بنكي باسم فقراء العراق..؟
فكرة ..!
جميع التعليقات 2
منتصر ابو سحاد
العراقيين والعراقيات يعرفون من اين يبداؤن البداية وهذا مطلب العراقيين الاول هو الامن يااستاذ فخري انا في وسط الناس الكل اليوم يتحدث حول الامن والكل يقول اسرقوا ماشئتم ولكن وفروا لنا الامان هذا هو مطلب العراقيين واذا بدانا نبدا من هذه النقطة مانفع الغاء ال
سلام الله عليك ياعراق
لااعرف لماذا يتسائل السيدكاتب المقال عن من للمتدثرين ببيوت الصفيح واكلي فضلات اللصوص ؟ ؟. يبدو انه كتب المقال قبل سماعه نوري المالكي وهو يزف الينا نحن العراقيين بشرى جديدة بظهور اسطورة جديدة ينجبها العراق متمثلة بابنه الخارق الحارق حمودي!. هذا البط