يحمل شهادة دكتوراه ويعمل أستاذا في الجامعة، لم يسكت عن حالة فساد شهدها في قسمه فلم يسكتوا عنه أيضا وتم إيقاف راتبه لشهرين ذلك لأن من ضبطهما بالجرم المشهود كانا مسنودين بشدة من ظهور قوية..
"لست سائق تاكسي".. كان حريصا على إبلاغ الركاب بذلك كما قال لي قريبي فهو لا يعرف السرقة ولا يجيد عملا آخر وليس أمامه سوى سيارته الخاصة ليستغلها في منافسة سيارات الأجرة باصطياد بضعة ركاب يوميا على استحياء والعودة إلى أسرته بالخبز ومتطلبات اليوم....
"لست سائق تاكسي" قالها لي أيضا سائق شاب استاجرت سيارته ودون أن أسأله وكأنه يدفع تهمة عن نفسه..!.. قال انه تخرج من كلية الهندسة ولم يجد وظيفة حكومية وحين عمل في القطاع الخاص كان عليه أن يسكت عن سرقة كبرى لصاحب الشركة أو أن يشارك فيها ففضل الانسحاب خوفا من أن يصبح كبش فداء فيخسر فرصة العمل ومستقبله معا..
"لست سائق تاكسي" عبارة يرددها موظفون لا يكفيهم الراتب وخريجون يبحثون عن وظائف حكومية وأصحاب أسر كبيرة لا تكتفي بريع عمل واحد ولا يرددونها تكبرا على هذه المهنة الشريفة التي تحصن المرء من السرقة والاستجداء وغير ذلك بل ليبرروا لأنفسهم قبل غيرهم ممارستهم مهنة لا علاقة لها بتحصيلهم الدراسي أو مجالات خبرتهم..إنها المرارة التي تعلق في سقف الفم فلا يخفف منها أحيانا إلا الشكوى لله وللبشر..
"لست سائق تاكسي "، قالها هذه المرة شاب أجاد الاعتناء بمظهره العصري جدا وحرص على بث آخر تسجيلات الطرب الشبابية من مسجل سيارته وكانه على استعداد للتعارف مع أية فتاة يمكن أن تستأجر سيارته..حاول الشاب أن يدفع عن نفسه هذه المرة صفة (السطحية والتفاهة) فقال انه يفضل التجوال في الشوارع للعمل وقضاء الوقت الذي يمكن أن يهدره في التسكع ففي انتظاره أسرة كبيرة العدد تضم والدته الأرملة وأشقائه الصغار وشقيقته الأرملة وأولادها الأيتام وكلهم لا يملكون سوى راتبي الأرملتين ولا يكفي ذلك لسد معيشتهم لذا فضل ترك دراسته الجامعية والعمل كسائق سيارة أجرة، أما اعتنائه بمظهره فهو محاولة لرد الاعتبار لنفسه والتعرف على فتيات لإشباع عاطفته فهو محكوم عليه ب(العنوسة) لضيق منزل أسرته وقلة حيلته..
هؤلاء، يسيرون في دروب لا يعرفون إلى أين ستقودهم فقد اعتادوا التجوال في الطرقات وكسب قوت يومهم بينما تغفو أحلامهم ككل العراقيين بالعمل الكريم والسكن الملائم والحياة الآمنة والضمان الاجتماعي في ملفات مخبوءة في إدراج الحكومة لأن مجرد مناقشتها يخلق خلافات لا تنتهي بين النواب والوزراء وأعضاء القيادة...انهم يؤجلون كل شيء حتى تنفرج الأزمات السياسية ويواصلون انشغالهم باستهلاك حياتهم فيركضون كأحصنة معصوبة العينين في سباق ارعن ومن دون أن يعلموا من نظم هذا السباق...لم يعودوا يذكرون من أين انطلقوا ولا يدرون إلى أين يذهبون..وفجأة يكتشفون أن أحبتهم بدأوا يتساقطون ويختفون وينسحبون من السباق فلا يجدون الوقت للسؤال عنهم فيعودوا صاغرين ليركضوا من جديد في سباق إلى حيث لا يعلمون..
لست سائق (تاكسي)!
[post-views]
نشر في: 11 أكتوبر, 2013: 10:01 م