تتعدى مهمة المقاهي في بعض المدن العربية والعالمية - تقديم الشاي والقهوة والوجبات الخفيفةإلى تقديم بانوراما عولمية شهرية عن ثقافة بلد من بلدان العالم فتمنح زبائنها فرصة التعرف على مختارات من تلك الثقافات تدفع الكثيرين إلى البحث عن مصادر أوسع لمعرفة ثقافة ذلك البلد وموسيقاه وفكره وتقاليده الشعبية.
عادة ما كنت ألتقي صديقاتي وأصدقائي في أحد هذه المقاهي التي تقدم مطبوعا أنيقا بأربع صفحات عن بلد من بلدان العالم يتضمن مقطوعات شعرية ولمحات عن التراث الثقافي وشذرات حكمة ومقالات قصيرة عن موسيقيين ومبدعين وعلماء وتعريفات مختصرة عن التقاليد والفنون والأساطير في ذلك البلد. وبينما نتمتع باحتساء القهوة والشاي بنكهات متنوعة بوسعنا خلال الشهر الثقافي أن نطلب وصفة للقهوة والوجبات الخفيفة المشهورة في البلد المحتفى بثقافته ونحن نستمع إلى أغان أو موسيقى شعبية أو كلاسيكية من ذلك البلد وليكتمل المشهد ويمنحنا انطباعا ثقافياعولميا فإن المقهى يتحف رواده بشذرات وأقوال مأثورة، فأنت لا تضع قدح قهوتك على الموائد الصغيرة المصنوعة من الخشب الخام بل تضعها فوق مربعات من المقوّىطبعت عليها صور مشاهير وعباقرة العالم وعبارات من أقوالهم فتقرأ لجلال الدين الرومي" بعيدا عن طريقة تفكيرنا الخاطئة والصائبة ، هناك مدى نلتقي فيه " أما كونفوشيوس فيعلن بحكمتهالمتواضعة : " ليس مجدنا العظيم في أننا لا نسقط أبدا بل تكمن عظمتنا في كوننا ننهض كلما تعرضنا للسقوط " ويخبرنا جبران : " أريد ان أعيش الحياة التي أعطيت لي لحظة بلحظة لأعرف أية برهة هي الأعظم في هذه الحياة " ويداهمنا برنارد شو بدعابة حالمة " بعض الأشخاص يرون الأشياء كما هي ويقولون : لماذا ؟ أما أنا فأحلم بما يتعذر وجوده وأقول : لمَ لا ؟"
ويدهشنا أنشتاين بتبسيطه العملي للنظرية النسبية " ضع يدك على موقد ساخن لدقيقة واحدة وسوف تبدو الدقيقة كأنها ساعة ، ثم اجلس ساعة مع سيدةجميلة فسوف تبدو الساعة كأنها دقيقة ، هذه هي النسبية" بينما نقرأ على صورة المخرج الياباني أكيرا كوروساوا : " في عالم مجنون ، الجنون وحده هو أقصى العقل"وفي الفولدرات الأنيقة عن تلك البلدان نقرأ نبذا ممتعة عن علاقة كل بلد بالقهوة والشاي وتقاليدهما ، ففي الفولدر المخصص لألمانيا مثلا ،نطلع على تقاليد الزفاف الشعبية وتاريخ الفلسفة والموسيقىوالأدب ،بينما نقرأ عن إندونيسيا مقتطفات من أساطيرها وعلاقتها بالقهوة ،فهي ثالث بلد منتج للقهوة في العالم مع نبذة تاريخية واجتماعية وقصيدة عنوانها رسالة للشاعر "سيسيل راجندرا " وننصت إلى موسيقاها التقليدية ونشاهد معرضا فنيا على جدران المقهى .ومن تونس نتمتع بغناء المألوف التونسي الموروث والعمارة المتوسطية ، في حين يبهجنا فولدر "النيبال " بلمحات عن الرقص والتقاليد وبعض نصوص نيبالية لقوميات مختلفةتبدع فنونها عند قمم الهيمالايا حيث تتعايش ثلاثون مجموعة إثنية بسلام تام مؤمنة بشريعة المحبة ، فهي أقرب إلى السماء من شعوبنا المتناحرة .
هذا المقهى العولمي مشروع شخصي لمهندس مثقف في عاصمة مجاورة ، ألا يمكنلمقاهينا الناجية من الخراب ان تنقل التجربة وتقدم ثقافات الشعوب بتكاليف بسيطة يسندها فنانون وكتاب وموسيقيون وباحثون فولكلوريون فتنعش روادها بخلاصات ثقافيةممتعة ؟ ألا يحق لنا ان نحلم بمبادرة من مثقف مغامر يطلق مشروعا تجريبيا عن ثقافتنا أدبا وتراثا وتقاليد وموسيقى مع ثقافات عالمية؟